للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(تابعه وهب)؛ أي: تابع النضرُ بنُ شميل وهبَ بنَ جرير بن حازم البصري، المتوفى على ستة أميال من البصرة سنة ست ومئتين، وقد وصل هذه المتابعة أبو العباس السراج في «مسنده»، عن زياد بن أيوب عنه (قال)؛ أي: وهب، وسقط في رواية لفظ (قال) : (حدثنا شعبة)؛ أي: ابن الحجاج، وفي رواية: (عن شعبة)؛ أي: عن الحكم عن ذكوان... إلى آخر السند بمثل ما ذكر، فرواية وهب عن شعبة أخرجها الإمام الحافظ أبو جعفر الطحاوي، وهذا تعليق من المؤلف وإن احتمل السماع؛ لأنَّ المؤلف كان ابن اثنتي عشرة سنة عند وفاة وهب.

(قال أبو عبد الله)؛ أي: المؤلف، وسقطت هذه الجملة في رواية، لكنها المراد، سواء ذكر أو لا: (ولم يقل غندر) هو محمد بن جعفر، (ويحيى)؛ أي: ابن سعيد القطان، في روايتهما لهذا الحديث، (عن شعبة)؛ أي: ابن الحجاج: (الوضوء)؛ يعني: رويا هذا الحديث بهذا الإسناد والمتن، لكن لم يقولا فيه لفظ: (الوضوء)، بل قالا: (فعليك) فقط بحذف المبتدأ، وجاز ذلك؛ لقيام القرينة عليه، والمُقدَّرِ عند القرينة كالملفوظ، كذا قاله الكرماني، لكن قال في «عمدة القاري» : (يعني: أن غندرًا ويحيى رَوَيَا هذا الحديث عن شعبة بهذا الإسناد والمتن، لكن لم يقولا فيه: «عليك الوضوء»، فأمَّا يحيى؛ فهو كما قال قد أخرجه أحمد في «مسنده» عنه، ولفظه: «فليس عليك غسل»، وأمَّا غندر؛ فقد أخرجه أحمد أيضًا في «مسنده» عنه، لكنه ذكر الوضوء، ولفظه: «فلا غسل عليك، عليك الوضوء»، وهكذا أخرجه مسلم، وابن ماجه، والإسماعيلي، وأبو نعيم من طرق عنه، وكذا ذكر أكثر أصحاب شعبة كأبي داود الطيالسي وغيره عنه، فكأن بعض مشايخ المؤلف حدثه به عن يحيى وغندر معًا، فساقه له على لفظ يحيى)، قال: (قلت: أما كلام الكرماني؛ فلا وجه له؛ لأنَّ معنى قوله: «عليك» فقط -كما قرره-: يحتمل أن يكون عليك الغسل، ويحتمل أن يكون عليك الوضوء، والاحتمال الأول غير صحيح؛ لأنَّ في رواية يحيى في «مسند أحمد» التصريح بقوله: «فليس عليك غسل»، والاحتمال الثاني هو الصحيح؛ لأنَّ في رواية غندر: «عليك الوضوء»، فحينئذ قوله: «لم يقل غندر ويحيى عن شعبة: الوضوء»؛ معناه: لم يذكر لفظ: «عليك الوضوء»، وهذا كما رأيت في رواية أحمد عن يحيى ليس فيها: «عليك الوضوء»، وإنما لفظه: «فليس عليك غسل».

فإن قلت: كيف قال المؤلف: «لم يقولا عن شعبة: الوضوء»، فهذا في رواية غندر ذكر «عليك الوضوء»؟

قلت: كأَّنه سمع من بعض مشايخه أنَّه حدثه عن يحيى وغندر كليهما، فساق شيخه له على لفظ يحيى، ولم يَسُقْهُ على لفظ غندر، فهذا تقرير ما قاله ابن حجر، ولكن فيه نظر على ما لا يخفى) انتهى، والله أعلم.

(٣٥) [باب الرجل يوضئ صاحبه]

هذا (باب) حكم (الرجل) ومثله المرأة (يُوضِّئ)؛ بتشديد الضاد المعجمة، (صاحبُه)؛ أي: غيره وما في حكمه، ويحتمل تنوين (باب)، فـ (الرجل) مبتدأ.

[حديث: المصلى أمامك]

١٨١ - وبه قال: (حدثنا) وفي رواية: بالإفراد (محمد بن سَلَام)؛ بتخفيف اللام وفتح السين المهملة، وقيل: بتشديد اللام، والأول الأصح، وفي رواية سقط لفظ (محمد) فقط، (قال: أخبرنا يزيد بن هارون)؛ بالنُّون، أحد الأعلام، (عن يحيى)؛ هو ابن سعيد الأنصاري، التابعي، (عن موسى بن عُقْبة)؛ بضم العين المهملة وسكون القاف، الأسدي المدني التابعي، (عن كُريب)؛ بضم الكاف، بالتصغير، (مولى ابن عباس) التابعي، (عن أسامة بن زيد) الحِبِّ بن الحِبِّ رضي الله عنهما، ووقع لابن المنيِّر هنا في الإسناد وهَمٌ بيَّنه في «عمدة القاري» : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أفاض)؛ أي: رجع أو دفع (من عرفة)؛ أي: في وقوف عرفة؛ لأنَّ عرفة اسم الزمان، والدفع كان من عرفة؛ لأنَّه اسم المكان، وقيل: جاء عرفة أيضًا اسمًا للمكان، فعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير، وقال الجوهري: (قول الناس: نَزَلْنَا عرفة، شبيه بمولَّد، وليس بعربي محض)، كذا في «عمدة القاري».

(عَدَلَ)؛ أي: توجَّه، جواب: (لما) (إلى الشِّعب)؛ بكسر الشين المعجمة: الطريق في الجبل، (فقضى حاجته)؛ أي: بال أو تغوط، (قال أسامة)؛ أي: ابن زيد، كما صرح به في رواية: (فجعلت أصُب) بضم الصَّاد المهملة (عليه)؛ أي: الماء، فمفعوله محذوف، والجملة خبر (جعلت)؛ لأنَّه من أفعال المقاربة، (ويتوضأ)؛ جملة محلها النصب على الحال، وجاز وقوع المضارع المثبت حالًا من الواو، قال جار الله الزمخشري في قوله تعالى: {وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: ١٩] : حال، ويجوز أن يقدر مبتدأ و (يتوضأ) خبره، والتقدير: وهو يتوضأ، وحينئذ تكون الجملة اسمية أو تكون الواو للعطف، انتهى.

ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: (فجعلت أصبُّ... ويتوضأ)، ففيه: رد لما روي عن ابن عمر وعلي أنهما نهيا أن يُستَقى لهما الماء لوضوئهما، وقالا: نكره أن يشْرِكَنا في الوضوء أحد، ورَوَيَا ذلك عن النبي الأعظم عليه السلام، وهذا لم يصح عنهما؛ لأنَّه ثبت وصحَّ عنهما خلافه، فروى شعبة عن أبي بشر، عن مجاهد: أنَّه كان يسكب على ابن عمر الماء، فيغسل رجليه، وهذا أصحُّ؛ لأنَّ راوي المنع رجل اسمه أيفع، وهو مجهول، والحديث عن عليٍّ لا يصحُّ؛ لأنَّ رواية النضر بن منصور عن أبي الجنوب عنه، وهما غير حجة في الدين، ولا يعتد بنقلهما، قال البزار: (لا نعلمه يروى عن النبي عليه السلام إلا من حديث النضر عن أبي الجنوب عقبة بن علقمة)، وتمام الحديث أخرجه البزار وأبو يعلى من طريق النضر بن منصور، عن أبي الجنوب قال: رأيت عليًّا يستقي الماء لطَهوره، فبادرت أستقي له، فقال: مه يا أبا الحسن؛ فإني رأيت رسول الله عليه السلام يستقي الماء لوضوئه، فبادرت أستقي له، فقال: «مه يا علي؛ فإني لا أريد أن يُعينني على وضوئي أحد»، وقال الطبري: صح عن ابن عباس أنَّه صب على يد عمر رضي الله عنهما الوضوء بطريق مكة حين سأله عن اللتين تظاهرتا، وقيل: صبُّ ابن عباس على يدي عمر أقرب للمعونة من استقاء الماء، ومُحال أن يمنع عمر رضي الله عنه استقاء الماء، ويُبيح صبَّ الماء عليه للوضوء مع سماعه من النبي عليه السلام الكراهة لذلك، ولقائل أن يقول: أسامة تبرع بالصب، وكذا غيره من غير أمره عليه السلام لهم، كذا في «عمدة القاري»؛ فافهم.

(فقلت: يا رسول الله؛ أتصلي؟)؛ أي: في هذا المكان أو في هذا الوقت؟ (فقال) وفي رواية: (قال)؛ بإسقاط الفاء؛ أي: قال النبي الأعظم عليه السلام: (المُصلَّى)؛ بضم الميم وتشديد اللام المفتوحة؛ أي: مكان الصلاة (أَمامَك)؛ بفتح الهمزة وفتح الميم الثانية؛ لأنَّه ظرف خبر (المصلي)؛ أي: قدَّامك، قال ابن بطال: واستدل المؤلف من صب الماء عليه: أنه يجوز للرجل أن يُوَضِّئَه غيره؛ لأنَّه لما لزم المتوضئ اغتراف الماء من الإناء بأعضائه؛ جاز له أن يكفيه ذلك غيرُه بدليل صب أسامة، والاغتراف بعض أعمال الوضوء، فلذلك تجوز سائر أعماله، وهذا من باب القربات التي يجوز أن يعملها الرجل من غيره بخلاف الصلاة، ولما أجمعوا على أنه جائزٌ للمريض أن يُوَضِّئَه غيرُه ويُيَمِّمَه إذا لم يستطع ولا يجوز أن يصلي عنه إذا لم يستطع؛ دلَّ على أن حكم الوضوء بخلاف حكم الصلاة.

قال في «عمدة القاري» : ولم يبين المؤلف في هذه المسألة الجواز ولا عدمه، لكن لما عقد هذا الباب وترجم له؛ يعلم منه جواز ذلك، وإن لم يصرح به، وقال ابن المنير: قاس المؤلف تَوْضِئَةَ الرجل غيره على صبِّه عليه؛ لاجتماعهما في الإعانة، ورده في «عمدة القاري» : بأن هذا قياس بالفارق، والفرق ظاهر.

قلت: وحَمْلُه الترجمة على غسل الأعضاء ليس بلازم؛ لجواز أن يراد بها الاستعانة في الصب على المتوضِّئ، ولهذا قال النووي:

<<  <   >  >>