للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والله لقد صلى ركعتين بين العمودين، ثم ألصق بهما بطنه وظهره».

ومطابقته للتَّرجمة في قوله: «ففتح الباب»، وفي قوله: «ثم أغلق».

وفي الحديث: أنَّ اتخاذ الأبواب للمساجد واجب.

وفيه: أنَّ المستحب لمن يدخل الكعبة أن يصلِّي فيها بين الأسطوانتين، كما فعل النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم) انتهى.

قلت: وفي الحديث: دليل على جواز الصلاة داخل البيت فرضًا كانت أو نفلًا؛ لأنَّ صلاته عليه السَّلام وإن كانت نفلًا فالفرض في معناه فيما هو من شرائط الجواز دون الأركان، ولأنها صلاة استجمعت شرائطها بوجود استقبال القبلة، ويدل عليه قوله تعالى: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥]؛ لأنَّ الأمر بالتطهير للصلاة فيه ظاهر في صحتها فيه؛ إذ لا معنى لتطهير المكان لأجل الصلاة وهي لا تجوز في ذلك المكان؛ فليحفظ، وتمامه في شرحنا «منهل الطلاب».

وقال ابن بطال: (الحكمة في غلق الباب لئلا يظن الناس أنَّ الصلاة في البيت سُنَّة).

واعترضه ابن حجر، فقال: (ولا يخفى ما فيه).

قال العجلوني: (ولعله لما قال البرماوي من أنَّ ذلك سنَّة لكن في النفل دون الفرض؛ فقيل بعدم جوازه) انتهى.

قلت: وكلام ابن بطال ظاهر لا غبار عليه؛ لأنَّ صلاته عليه السَّلام في البيت أمر مستغرب؛ لأنَّه لم يكن عادة له عليه السَّلام، فلا ريب أنَّ الناس يظنوا أنَّ الصلاة فيه سنة، ويدل عليه أنَّه عليه السَّلام حين خرج لصلاة الليل، فلما رأى الناس كثروا وظنوا أنَّ صلاة الليل سنة؛ لم يخرج إليهم؛ خشية أن تكتب عليهم، فما زعمه ابن حجر؛ باطل غير ظاهر كما لا يخفى.

وقول البرماوي: في الفرق بين النفل والفرض، وأنَّه قيل بعدم جوازه؛ لا وجه لذلك؛ لأنَّه لا فرق بين النفل والفرض؛ لأنَّ الفرض في معنى النفل حيث هو من شرائط الجواز دون الأركان، والآية المطهرة تدل على ذلك، فالآية وكذا الحديث حجة على من منع الصلاة في الكعبة؛ لأنَّ الصلاة أحق بأن تكون في بيت الله؛ لأنَّها عبادة الله تعالى، فلا وجه لهذا الكلام الصَّادر من غير مرام؛ فافهم، والله أعلم.

(٨٢) [باب دخول المشرك المسجد]

هذا (باب) بيان حكم (دخول المشرك المسجد) اللَّام فيه للجنس، فيشمل كل مسجد، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله مع ذكر مفعوله على حد قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ} [البقرة: ٢٥١]، وهذه التَّرجمة هنا ترد على الإسماعيلي حيث ترجم بها بدل ترجمة: (باب الاغتسال إذا أسلم) هناك، وعليه ففيه تكرار ظاهر، ويحتمل أنَّه أسقط هذه التَّرجمة هنا مع حديثها؛ لعلمها مما سبق؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: (فإن قلت: هذه التَّرجمة مكررة؛ لأنَّه ذكر هناك وربط الأسير أيضًا في المسجد، وربطه فيه يستلزم إدخاله.

قلت: أجيب: بأن هذا أعم؛ لأنَّ المشرك أعم من أن يكون أسيرًا أو غير أسير.

قلت: هذا غير مقنع؛ لأنَّ الأسير أيضًا أعم من أن يكون مشركًا أو غير مشرك) انتهى كلامه.

قلت: ولم يذكر جوابًا مقنعًا.

وأجاب العجلوني: (بأنَّ الدخول عُلِم من الباب السَّابق بطريق اللزوم، وأمَّا هنا؛ فبالقصد) انتهى.

قلت: وهذا أيضًا غير مقنع؛ لأنَّه لما علم الدخول من الباب السَّابق، وإن كان بطريق اللزوم؛ فقد علم حكمه، فإعادته مرة ثانية وإن كان بالقصد؛ يكون تكرارًا لا محالة.

وقد يقال: إنَّه لما ذكر ربط الأسير تبعًا لاغتسال الكافر إذا أسلم وكان في بيان دخول الكافر المسجد خفاء؛ ترجم له بما فيه إيضاح وبيان لحكمه على طريق الاستقلال بدون التبعية؛ فافهم، وعليه فلا تكرار في التراجم كما لا يخفى؛ فاحفظ.

[حديث: بعث رسول الله خيلًا قبل نجد فجاءت]

٤٦٩ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا قتيبة)؛ تصغير قتبة، وكنيته: أبو رجاء، واسمه علي بن سعيد بن جميل البغلاني، قرية من قرى بلخ، المتوفى سنة أربعين ومئتين (قال: حدثنا اللَّيث) هو ابن سعد الفهمي المصري الحنفي، من أتباع الإمام الأعظم رئيس المجتهدين، (عن سعِيد بن أبي سعِيد)؛ بكسر العين المهملة فيهما، واسم أبي سعيد: كيسان، هو المقبري المدني، المتوفى بعد اختلاطه بأربع سنين سنة خمس وعشرين ومئة: (أنَّه) أي: سعِيدًا (سمع أبا هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي الصَّحابي الجليل (يقول) جملة فعلية محلها نصب؛ إمَّا مفعول ثان (١) لـ (سمع)، وإمَّا حال على الخلاف: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم) لعشر خلون من محرم سنة ست إلى القرطاء (خيلًا)؛ أي: فرسانًا، وهم ثلاثون، أميرهم: محمَّد بن مسلمة، وكانت غيبته تسع عشرةليلة (قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحَّدة؛ أي: الجهة، يقال: جلس قُبالته -بالضم-؛ أي: تجاهه (نَجْد)؛ بفتح النُّون، وسكون الجيم: وهي الأرض المرتفعة، ضد الغور، وهي تهامة إلى العراق، وهي من جزيرة العرب، (فجاءت) أي: الخيل (برجل من بني حَنيفة)؛ بفتح الحاء المهملة: قبيلة مشهورة (يقال له) أي: للرجل: (ثُمَامَة بن أُثَال)؛ بالمثلَّثة فيهما مع ضم أولهما، وتخفيف ثانيهما ورابعهما، وهو في الأول ميم، وفي الثاني لام، (فربطوه)؛ أي: بإذنه عليه السَّلام وأمره، كما صرح به ابن إسحاق كما تقدم (بسارية) أي: أسطوانة (من سواري) أي: من أساطين (المسجد)؛ أي: النَّبوي، فاللَّام فيه للعهد، وإنما فعل به ذلك؛ لينظر حسن صلاة المسلمين، واجتماعهم عليها، فيرق قلبه ويألف الإسلام، وهذا الحديث قد سبق في باب (الاغتسال إذا أسلم)، واختصره المؤلف هنا مقتصرًا على مطابقة التَّرجمة؛ وهو دخول المشرك المسجد، والمراد به: الذمي؛ لأنَّ ثمامة كان ذميًّا.

فقال الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه: يجوز دخول الكتابي المسجد ولو المسجد الحرام، لا الحربي؛ لحديث الباب وحديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل مسجدنا هذا بعد عامنا هذا مشرك إلا أهل العهد وخدمهم»، رواه أحمد بسند جيد.

وقال مالك وقتادة والمزني وعمر بن عبد العزيز: لا يجوز دخول الكافر المسجد؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ...}؛ الآية [التوبة: ٢٨]، ولا حجة لهم فيها؛ لأنَّ معناه: أنجاس في اعتقادهم، وأقوالهم، وأفعالهم؛ لأنَّهم يشركون بالله غيره، ويريدون بأعمالهم سواه، فالآية في دخولهم للحج (٢)، أمَّا نفس الكافر؛ فغير نجس؛ لأنَّ الكفر لا يؤثر في بدنه.

وقال الشَّافعي وأحمد: يجوز دخول الكافر المسجد لحاجة وإِذْنِ مسلم سواء كان كتابيًّا أو غيره إلا المسجد الحرام؛ لحديث الباب، ولا حجة لهما فيه؛ لأنَّ ثمامة كان إمَّا ذميًّا أو خدمًا لأهل العهد كما هو صريح الحديث، واشتراط الإذن شرط زائد على النص؛ لأنَّه غير مذكور؛ لأنَّ ثمامة كان مغلولًا بأيديهم، واستثناء المسجد الحرام يرده قوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا...}؛ الآية [التوبة: ٢٨]، والخطاب إنَّما كان للمشركين كما هو صدر الآية، فالمعاهد خارج عن الآية؛ فافهم.

وتمامه تقدم في الباب السَّابق بأبسط من هذا، والله تعالى أعلم.

(٨٣) [باب رفع الصوت في المساجد]

هذا (باب) حكم (رفع الصوت في المساجد) ولأبي ذر: (في المسجد)؛ بالإفراد، قال إمام الشَّارحين: (وهو أعم من أن يكون ممنوعًا أو غير ممنوع، فذكر المؤلف الحديثين فيه إشارة إلى بيان تفصيل فيه مع الخلاف، فالحديث الأول يدل على المنع، والحديث


(١) في الأصل: (ثاني)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (الحج)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>