بعد الحدث؛ فليس على شرط المؤلف.
وزعم ابن حجر أنَّ قوله: («إن كان عليهم»؛ أي: على من في الحمام، والمراد: الجنس) تعقَّبه في «عمدة القاري» : بأنَّ هذا عام يتناول القراءة فيه، والقاعدين في ثيابهم في مسلخ الثياب، فكيف يطلق كلامه على من في الحمام على سبيل العموم؟! والسلام على القاعدين بثيابهم لا خلاف في جوازه، انتهى.
وأجاب القسطلاني: (بأن المسلخ وإن أطلق عليه اسم الحمام؛ فمجاز، والحمام في الحقيقة: ما فيه الماء الحميم) انتهى.
واعترض: بأن الحمام الآن اسم لما فيه الماء الحميم ولمكان خلع الثياب؛ وهو المسلخ حقيقة عرفية، ألا ترى أنَّ الرجل إذا دخل مسلخ الحمام، وسألته أين كنت؟ فيقول: في الحمام، على الإطلاق، فالحمام في الحقيقة العرفية اسم للمسلخ ولما فيه الماء الحميم على العموم، والحقيقة اللغوية مهجورة، فجواب القسطلاني مردودعليه؛ فافهم.
[حديث ابن عباس: أنه بات ليلة عند ميمونة]
١٨٣ - وبه قال: (حدثنا إسماعيل) : هو ابن [أبي] أويس الأصبحي (قال: حدثني) بالإفراد (مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، خال إسماعيل، (عن مَخْرَمة) بفتح الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الرَّاء (بن سليمان) الوالبي المدني، (عن كُرَيب) بضم الكاف، وفتح الرَّاء، آخره موحدة (مولى ابن عباس) التابعي: (أن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما، والإسناد كله مدنيون (أخبره)؛ أي: أخبر ابنُ عباس كريبًا: (أنَّه) أي: ابن عباس (بات ليلة عند ميمونة زوج النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، وجملة قوله: (وهي) أي: ميمونة (خالته)؛ أي: خالة ابن عباس أخت أمه؛ حالية، والظاهر: أنها من كلام كريب، (فاضطجعت)؛ أي: وضعت جنبي على الأرض، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: (اضطجع) بصورة الماضي الغائب، كما قال: (بات)، أو قال: (بتُّ)، كما قال: (فاضطجعت) بصورة المتكلم فيهما، ولكنَّه قصد بذلك التفنن في الكلام، وهو نوع من أنواع الالتفات، والقاصد لذلك كريب؛ لأنَّه الذي نقل كلام ابن عباس، والظاهر: أن اختلاف العبارتين من ابن عباس ومن كريب؛ لأنَّ كريبًا أخبر أولًا عن ابن عباس: (أنه بات...) إلخ، ثم أضمر لفظة: (قال) قبل (فاضطجعت)، فيكون الكلام على أسلوب واحد، كذا في «عمدة القاري»، (في عَرْض)؛ بفتح العين المهملة وسكون الرَّاء، كما في «الفرع»، وهو المشهور، وقال السفاقسي: (ضمُّ العين غير صحيح، ورويناه بفتحها عن جماعة)، وفي «المطالع» : (الفتح عند أكثر مشايخنا، ووقع عند جماعة؛ منهم: الداودي والطرابلسي والأصيلي: بضم العين)، قال في «عمدة القاري» : والأول أظهر، وقال النووي: هو الصحيح، وأنكر الباجي الضم، وهو مردود؛ لثبوت الرواية به عن جماعة، كما علمت، (الوسادة) : المخدة، وهو ما يتوسَّد به عند النوم، وهو المتكأ، كما في «الصحاح» و «المجمل» وغيرهما، وزعم ابن التين أنَّ (الوساد) : الفراش الذي ينام عليه، وهو باطل؛ كما قاله في «عمدة القاري» عن النووي.
(واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله) أي: زوجته أم المؤمنين ميمونة (في طولها)؛ أي: الوسادة، وهذا يقتضي: أن يكون عرض الوسادة محلًّا لاضطجاع ابن عباس؛ فتأمل.
(فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى)؛ للغاية؛ أي: إلى أن (انتصف)، وفي رواية: (حتى إذا انتصف) (الليل أو قبله) أي: قبل انتصافه (بقليل أو بعده)؛ أي: بعد انتصافه، (بقليل استيقظ)؛ أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في رواية، فإن جعلت (إذا) ظرفية؛ فقوله: (أو قبله) ظرف لقوله: (استيقظ)؛ أي: استيقظ وقت انتصاف الليل أو قبل انتصافه، و (أو) للتشكيك، وإن جعلت (إذا) شرطية؛ فيكون (قبله) متعلقًا بفعل مقدر، و (استيقظ) : جواب الشرط، والتقدير: حتى إذا انتصف الليل أو كان قبل الانتصاف؛ استيقظ، كذا في «عمدة القاري».
(فجلس) عليه السلام، وفي رواية: (فجعل) (يمسح النوم) ففي الأول: يكون (يمسح) التي هي جملة من الفعل والفاعل محلها النصب على الحال من الضمير في (فجلس)، وفي الثاني: تكون الجملة خبرًا لقوله: (فجعل)؛ لأنَّه من أفعال المقاربة، ومسح النوم من العينين من باب إطلاق اسم الحال على المحلِّ؛ لأنَّ المسح لا يقع إلا على العينين، والنوم لا يمسح، كذا في «عمدة القاري»، (عن وجهه بيده)؛ بالإفراد، والمراد: الجس؛ أي: يمسح بيديه، وزعم ابن حجر أن المراد: يمسح أثر النوم من باب إطلاق اسم السبب على المسبب، قال في «عمدة القاري» : أثر النوم من النوم؛ لأنَّه نفسه، فكيف يكون من هذا الباب؟! انتهى، وأجاب القسطلاني وتبعه العجلوني: بأن الأثر: ارتخاء الجفون من النوم، انتهى، قلت: وما أجابا به هو عين الاعتراض، فإنَّ ارتخاء الجفون لا ريب أنَّه من النوم؛ لأنَّه نفسه، فقد أثبتا الاعتراض المذكور، على أنَّ ارتخاء الجفون لا يقال له: أثر؛ لأنَّ النوم فترة طبيعية لا أثر لها، وأمَّا ارتخاء الجفون والاضطجاع ونحوه؛ إنَّما هي هيئات وصفات لحصول تلك الفترة، ألا ترى أن بعض الناس ينامون وأعينهم مفتوحة، وبعض البهائم كذلك؛ فافهم.
ثم قال العجلوني معترضًا على صاحب «عمدة القاري» : (بأنه إذا كان النوم من العينين؛ كيف يلتئم مع قوله «عن وجهه»؟!).
قلت: وهو ظاهر الالتئام، فإنَّ العينين في الوجه، وهو كالظرف لهما، فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض؛ لأنَّ النوم غالبًا لا يظهر إلا من العينين، فما قاله العجلوني مردود عليه؛ فافهم.
(ثم قرأ) عليه السلام (العشر الآيات)؛ بإضافة العشر إلى الآيات، ويجوز دخول لام التعريف على العدد عند الإضافة؛ نحو: (الثلاثة الأبواب)، وهو من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كذا في «عمدة القاري» (الخواتيمَ)؛ أي: الأواخر، بالنصب؛ لأنَّه صفة (العشر)، وهو جمع خاتمة (من سورة آل عمران)، وهي قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} أي: لذوي العقول {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًاوَعَلَى جُنُوبِهِمْ}، والمراد به: الإكثار من ذكر الله عزَّ وجلَّ، ففي الحديث: «من أحبَّ أن يرتع في رياض الجنة؛ فليكثر ذكر الله»، وفي حديث آخر: «إذا مررتم برياض الجنة؛ فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر»، فلا دلالة فيه للشافعي في أنَّ المريض يصلي مضطجعًا؛ لأنَّ المراد من الآية: ذكر الله عزَّ وجلَّ، لا الصلاة، فإن قوله: {وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}؛ أي في حال اضطجاعهم للنوم، ويدلُّ لذلك قوله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، والتفكُّر في ذلك لا يكون في حال الصلاة، وإنما يطلب فيها الخشوع والخضوع لله عزَّ وجلَّ، ويدل لذلك قوله: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، فهو دليلٌ ظاهر على أن المراد: التفكر خارج الصلاة حال الاضطجاع للنوم، فإنه يتفكر في النجوم التي في السماء، ويتفكَّر في ظلمة القبر، وعذاب النار، وغير ذلك، ويدلُّ له قوله: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ*رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ} المراد به: النبي الأعظم عليه السلام {أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ*رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ المِيعَادَ*فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ*لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا [فِي الْبِلَادِ] * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ الله