للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

نفسه في الخامسة، وهي من تسمية الكل باسم البعض؛ كالصلاة تسمى ركوعًا وسجودًا، واللعان عند الإمام الأعظم رئيس المجتهدين: شهادات مؤكدات بالأيمان، مقرونة باللعن، قائمة مقام القذف في حقه، ومقام حد الزنى في حقها، وعند مالك والشافعي وأحمد: هو أيمان مؤكدات بلفظ الشهادة بشرط أهليَّة اليمين، وصفة اللعان: ما نطق به نص القرآن في سورة النور، وهو أن يبدأ القاضي بالزوج، فيشهد أربع شهادات، يقول في كل مرة: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى، يشير إليها في كل مرة، ويقول في الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنى، ثم تشهد المرأة أربع شهادات، تقول في كل مرة: أشهد بالله إنه لَمِنَ الكاذبين فيما رماني به من الزنى، وتقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به من الزنى، كما بسط في محله.

[حديث: أن رجلًا قال: يا رسول الله أرأيت رجلًا وَجَد مع امرأته رجلًا]

٤٢٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا يحيى) زاد الكشميهني في روايته: (ابن موسى)؛ هو المعروف بالخَتِّ -بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية- البلخي، كذا جَزَم به ابن السكن وغيره، وقيل: هو يحيى بن جعفر البيكندي، وقال الكرماني: (يحتمل أنَّه يحيى بن معين؛ لأنَّه سمع من عبد الرزاق).

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (الأصح ما قاله ابن السكن) انتهى.

قلت: فاحتمال أنَّه ابن جعفر أو ابن معين ليس بشيء، بل هو ابن موسى، كما جزم به ابن السكن وغيره، ونصَّ إمام الشَّارحين: (أنَّه الأصح، ويدل عليه: أنَّه ثبت في رواية الكشميهني: «ابن موسى»، وبهذا تعين أنَّه ابن موسى، وتعليل الكرماني بأنَّه سمع من عبد الرزاق لا يدلُّ على أنَّه ابن معين؛ لأنَّ سماعه لا ينفي سماع غيره منه أيضًا، فقد يكون راوٍ سمع من أكثر من عشرة أو أكثر، فهذا لا يدل على ما قاله)؛ فافهم.

(قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: (حدثنا) (عبد الرزاق)؛ هو ابن همام -على وزن (فعَّال) - الصنعاني، صاحب «المصنف» (قال: أخبرنا ابن جُرَيْج)؛ بضمِّ الجيم، وفتح الراء، وسكون التحتية، هو عبد الملك ابن جريج المكي (قال: أخبرني)؛ بالإفراد، وللأصيلي: (أخبرنا) (ابن شهاب)؛ هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري المدني، (عن سهل بن سعْد)؛ بسكون العين المهملة، هو ابن مالك الساعدي الخزرجي، أبو العبَّاس: (أنَّ رجلًا) قيل: إنَّه هلال بن أمية، وقيل: إنَّه عاصم بن عَدي العجلاني، وقيل: إنَّه عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد العجلاني.

قلت: ويدلُّ للأول: حديث أنس رضي الله عنه: أنَّ هلال بن أميَّة قذف شريك بن سحماء بامرأته، فرفع لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: «ائت بأربعة شهداء، وإلا فحدٌّ (١) في ظهرك...»؛ الحديث، وفيه: فنزلت آية اللعان، أخرجه المؤلف، ومسلم، والنسائي.

ويدل للثاني: حديث الزهري عن سهل بن سعد الساعدي: أنَّ عويمرًا جاء إلى عاصم بن عدي، فقال: «أرأيت رجلًا وجد مع امرأته رجلًا، فقتله، أتقتلونه؟ سل يا عاصم رسول الله...»؛ الحديث، أخرجه الطحاوي.

ويدل للثالث: حديث ابن عبَّاس: «أنَّه عليه السَّلام لاعَنَ بين العجلاني وامرأته...»؛ الحديث، أخرجه الطحاوي، وأحمد في «مسنده»، والبيهقي في «سننه»، ووقع في حديث عبد الله بن مسعود: «وكان رجلًا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فَلَاعَنَ امرأته»، وقال المهلب: (الصحيح: أنَّ القاذف عويمر، والذي ذكر في حديث ابن عبَّاس وابن مسعود هو عويمر العجلاني، وكونه هلال بن أميَّة خطأ، وأظنُّ غلطًا من هشام بن حسان، وذلك؛ لأنَّها قصة واحدة، والدليل عليه: توقفه عليه السَّلام فيها حين نزلت الآية، ولو أنَّهما قضيَّتان؛ لم يتوقف عن الحكم في الثانية بما نَزَل عليه في الأولى) انتهى.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: كأنَّه تبع في هذا الكلام محمد بن جرير، فإنَّه قال في «التهذيب» : (يستنكر قوله في الحديث: «هلال بن أمية»، وإنَّما القاذف عويمر بن الحارث العجلاني، وفيما قالاه نظر؛ لأنَّ قصة هلال وقذفه زوجته بشريك ثابتة (٢) في «صحيح البخاري» في موضعين: «الشهادات» و «التفسير»، وفي «صحيح مسلم» من حديث أنس).

وقال ابن التين: (الصحيح: أنَّ هلالًا لَاعَنَ قَبْلَ عويمر).

وقال الماوردي في «الحاوي» : (الأكثرون على أنَّ قضيَّة هلال أسبق من قصة عويمر).

وفي «الشامل» لابن الصبَّاغ: (قصة هلال تبيِّن أنَّ الآية نزلت فيه أولًا) انتهى.

قلت: وحاصله: أنَّ القضيَّة ليست واحدة، بل متعددة، وأنَّ نزول الآية إنَّما كان في قصة هلال، وأنَّها كانت قبل قصة عويمر، ويدلَّ عليه: حديث أنس السابق المروي في «الصحيحين» و «النسائي»، فإنَّه صريح في ذلك، ويدلُّ على التعدد: كون القضية ذكرت مرات في «الصحيحين» بأشخاص متعددة، وقول المهلب: (وكونه هلال بن أمية خطأ) ليس بشيء؛ لأنَّه قد ذكر في حديث أنس السابق، فكيف يزعم أنَّه خطأ؟ وما هذا إلا كلام من لم يشم شيئًا من رائحة العِلم.

وقوله: (وأظن غلطًا من هشام) ممنوع؛ فإنَّه قد ذكر أيضًا من طرق متعددة، فكيف يزعم أنَّه غلط؟ وما هو إلا كلام من يصدر عنه من غير تأمل.

وقوله: (والدليل عليه...) إلى آخره ممنوع، فإنَّه عليه السَّلام يحتمل أنَّه ظنَّ أنَّ الحكم خاص به دون غيره، فتوقف في الحكم، ولذلك نظائر منها: أنَّه عليه السَّلام حين صلى في المسجد الأقصى بالأنبياء، فأذَّن جبريل، وأقام الصلاة، ولمَّا أُسرِيَ به، وهبط إلى الأرض؛ توقف في علامة للصلاة، فأشار الصحابة بالناقوس، وبعضهم بالدف، فلم يعجبه ذلك حتى رأى زيد وغيره رؤية الأذان، فظنَّ عليه السَّلام أنَّه خاص بتلك الليلة، وكذلك ما نحن فيه، فإنَّه ظنَّ أنَّ الحكم ليس عامًّا، بل خاص، ثم لما وقعت القصة المرة الثانية؛ جاء جبريل مقررًا للحكم السابق، وأخبره بأنَّ الحكم عام.

وقوله: (والذي ذكر في حديثي ابني مسعود وعبَّاس أنه عويمر) ليس بصريح، بل هو ظن وتخمين؛ لأنَّه لم يذكر في حديثهما أنَّه عويمر، والصحيح أنَّ القصة متعددة.


(١) في الأصل: (فخذ)، وهو تصحيف.
(٢) في الأصل: (بابيه)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>