للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

العلماء في ثبوت أحكامها في الأمصار، فنفاه الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور، وأثبته مالك، والشافعي، وفيه: مشروعية المماثلة في القصاص، وفيه: جواز عقوبة المحاربين، وهو موافق لقوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ...}؛ الآية [المائدة: ٣٣]، وهل كلمة (أو) فيها للتخيير أو للتنويع قولان، وفيه: قتل المرتد من غير استتابة، وفي كونها واجبة أو مستحبة خلاف مشهور، وقيل: هؤلاء حاربوا والمرتد إذا حارب لا يُسْتَتَاب؛ لأنَّه يجب قتله، فلا معنى للاستتابة، انتهى، والله تعالى أعلم.

[حديث: كان النبي يصلي قبل أن يبنى المسجد في مرابض الغنم]

٢٣٤ - وبه قال: (حدثنا آدم)؛ بفتح الهمزة الممدودة، هو ابن أبي إياس؛ بكسرها (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجاج (قال: أخبرنا) وللأصيلي: (حدثنا) (أبو التَّيَّاح)؛ بفتح المثناة الفوقية المشددة، وتشديد التحتية، آخره حاء مهملة بعد الألف، وثبت في رواية زيادة: (أبو التياح يزيد بن حميد)، (عن أنس)؛ أي: ابن مالك رضي الله عنه (قال: كان النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي قبل أن يبني المسجد) أي: مسجده عليه السلام (في مرابض الغنم)؛ جمع مَربِض؛ بفتح الميم، وكسر الموحدة، من ربَض بالمكان يربِض من باب (ضرَب يضرِب)؛ إذا لصق به، وأقام ملازمًا له، والمربض: المكان الذي يربض فيه، والمرابض للغنم كالمعاطن للإبل، وربوض الغنم كنزول الجمل، وقول ابن حجر: (المِربَض؛ بكسر أوله، وفتح الموحدة) غلط فاحش صريح، كما لا يخفى، قال ابن المُنْذِر: أجمع كل من يحفظ عنه العلم على إباحة الصَّلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي، فإنه قال: لا أكره الصَّلاة في مرابض الغنم إذا كان سليمًا من أبعارها وأبوالها، وممن روي عنه إجازة ذلك وفعله: ابن عمر، وجابر، وأبو ذر، والزبير، والحسن، وابن سيرين، والنخعي، وعطاء، وقال ابن بطال: حديث الباب حجة على الشافعي؛ لأنَّ الحديث ليس فيه تخصيص موضع من آخر، ومعلوم أن مرابضها لا تسلم من البعر والبول، فدل على الإباحة، وعلى طهارة البول والبعر، ففيه المطابقة للترجمة قال في «عمدة القاري» : قد استدلَّ به من يقول بطهارة بول المأكول ولحمه (١)، وروثه، وقالوا: لأنَّ المرابض لا تخلو عن ذلك، فدل على أنهم كانوا يباشرونها في صلاتهم فلا تكون نجسة، وأجاب مخالفوهم: باحتمال وجود الحائل، ورد عليهم: بأنهم لم يكونوا يصلون على حائل دون الأرض، ورد عليهم: بأنه شهادة على النفي، وأيضًا فقد ثبت في «الصحيحين» عن أنس رضي الله عنه: (أن النبيَّ عليه السلام صلى على حصير في دارهم)، وصح عن عائشة رضي الله عنها: (أنه عليه السلام كان يصلي على الطريق)، وقال ابن حزم: هذا الحديث -يعني: حديث الباب -منسوخ؛ لأنَّ فيه أن ذلك كان قبل أن يُبْنى المسجد، فاقتضى أنه في أول الهجرة، ورد عليه بما صح عن عائشة: (أنه عليه السلام أمرهم ببناء المساجد في الدور، وأن تُطَيَّبَ وتُنَظَّف)، رواه أبو داود وأحمد وغيرهما، وصححه ابن خزيمة وغيره، ولأبي داود نحوه من حديث سمرة، وزاد: (وأن يطهرها)، قال: وهذا بعد بناء المسجد، وما ادُّعي من النسخ يقتضي الجواز، ثم المنع، ويرد هذا إذنه عليه السلام في الصَّلاة في مرابض الغنم، وفي «صحيح ابن حبان» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: «إن لم تجدوا إلا مرابض الغنم، وأعطان الإبل؛ فصلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل»، قال الطوسي والترمذي: (حديث حسن صحيح)، وفي «تاريخ نيسابور» من حديث أبي حيان، عن أبي زرعة، عنه مرفوعًا: «الغنم من دوابِّ الجنة، فامسحوا رغامها، وصلوا في مرابضها»، وعند البزار في «مسنده» : «وأحسنوا إليها، وأميطوا عنها الأذى»، وفي حديث عبد الله بن المغفَّل: «صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خلقت من الشياطين».

قال البيهقي: (كذا رواه جماعة)، وقال بعضهم: كنا نؤمر ولم يذكر النبيَّ عليه السلام، وفي لفظ: «إذا أدركتم الصَّلاة وأنتم في مراح الغنم؛ فصلوا فيها؛ فإنها سكينة وبركة، وإذا أدركتم الصَّلاة وأنتم في أعطان الإبل؛ فاخرجوا منها؛ فإنها جن خلقت من الجن، ألا ترى أنها إذا نفرت؛ كيف تشمخ بأنفها»، وفي مسند عبد الله بن وهب البصري، عن سَعِيْد بن أبي أيُّوب، عن رجل حدثه عن ابن المغفَّل: (نهى النبيُّ عليه السلام أن يصلَّى في معاطن الإبل، وأمر أن يصلَّى في مراح الغنم والبقر)، وعند ابن ماجه بسند صحيح من حديث عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: «لا يُصلَّى في أعطان الإبل، ويُصلَّى في مراح الغنم»، وعند أبي القاسم بسند: لا بأس به، عن عُقْبَة بن عامر: «صلوا في مرابض الغنم»، وكذا رواه ابن عمر، وأُسَيْد بن حضير، وعند ابن خزيمة من حديث البَرَاء: سئل النبيُّ عليه السلام عن الصَّلاة في مرابض الغنم، فقال: «صلُّوا فيها؛ فإنها بركة».

وقال ابن المُنْذِر: (تجوز الصَّلاة أيضًا في مراح البقر؛ لعموم قوله عليه السلام: «أينما أدركتك الصَّلاة؛ فصلِّ»، وهو قول عطاء، ومالك).

قلت: ذهل ابن المُنْذِر عن حديث عبد الله بن وهب الذي ذكرناه آنفًا حتى استدل بذلك، فلو وقف عليه؛ لاستدل به، والله أعلم، انتهى كلامه رحمه الله، ورضي عنه.

(٦٧) [باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء]

(باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء)؛ فـ (ما) موصول اسمي، أو حرفي، أو نكرة موصوفة، واقتصر في «عمدة القاري» على جعلها مصدرية، وجعل (من) بيانية، فقال: هذا باب في بيان حكم وقوع النجاسة في السمن والماء، واعترض تقدير ابن حجر هل ينجسها أم لا؟ أو لا ينجس الماء إلا إذا تغيَّر دون غيره، انتهى، فقال: (لا حاجة إلى هذا التفسير، فكأنه لما خفي عليه المعنى الذي ذكرناه؛ قدر ما قدره) انتهى كلام «عمدة القاري»، وابن حجر.

قلت: ولا يخفى على المنصف حسن كلام «عمدة القاري» وما قدرناه، كما لا يخفى على أولي الألباب.

وأشار المؤلف بـ (السمن) إلى كل جامد رطب؛ كالدبس، والعسل، وغيرهما، وبـ (الماء) إلى سائر المائعات، وأن الجامد الرطب لا يتنجس منه إلا ما لاقى النجس فقط، وأما المائع؛ فإن كان ماء؛ ينظر، فإن كان جاريًا؛ فلا ينجس إلا بالتغيير، وإن كان غيره؛ فيتنجَّس مطلقًا بمجرد الملاقاة له، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

(وقال) محمَّد بن مسلم ابن شهاب (الزُّهري)؛ الفقيه المدني نزيل ديارنا الشريفة الشامية، وهذا تعليق من المؤلف، ولكنه قد وصله عبد الله بن وهب في «مسنده» عن يونس عنه قال: (كل ماء فضل مما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك طعمه، ولا لونه، ولا ريحه؛ فلا بأس أن يتوضَّأ به)، وروي في هذا المعنى حديث عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله عليه السلام: «إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه، وطعمه، ولونه»، رواه ابن ماجه، وقال الدارقطني: (إنما يصح هذا من قول راشد بن سعد، ولم يرفعه غير رشيد بن سعد).

قلت: وفيه نظر؛ لأنَّ أبا أحمد بن عديٍّ رواه في «الكامل» من طريق أحمد بن عمر، عن حفص بن عمر: حدثنا ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة؛ فرفعه، وقال: لم يروه عن ثور إلا حفص.

قلت: وفيه نظر أيضًا؛ لأنَّ البيهقي رواه من حديث أبي الوليد، عن الساماني، عن عطية بن بقية بن الوليد، عن أبيه، عن ثور، وقال البيهقي: والحديث غير قوي إلا أنا لا نعلم في


(١) في الأصل: (لحمه)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>