للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه مشروعية الاعتكاف للنساء كالرِّجال، وفيه أنه يقال لأزواج النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: أمهات المؤمنين، كما ورد في القرآن المجيد، وفيه أن دم الاستحاضة لونه تارة أحمر وتارة أصفر، والله تعالى أعلم، وأستغفر الله العظيم.

(١١) [باب: هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين فيه (هل) استفهام استفسار، وسؤال (تصلي المرأة في ثوب) أي: في ثوبها الذي (حاضت فيه؟) وجواب الاستفهام محذوف، تقديره: يجوز أو نحو ذلك؛ لأنَّ عادة المؤلف إطلاق التراجم من الجواز وعدمه، ويحيل الحكم على الحديث الذي يذكره بعدها، ولا يخفى وجه المناسبة بين البابين؛ لأنَّ هذه الأبواب كلها فيما يتعلق بأحكام الحيض؛ فافهم.

[حديث: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه]

٣١٢ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو نُعَيْم) بضمِّ النون، وفتح العين المهملة، وسكون التحتية، هو الفضل بن دُكين -بالدال المهملة- (قال: حدثنا إبراهيم بن نافع) بالنون، والفاء، هو المخزومي أوثق شيخ بمكة في زمانه، (عن ابن أبي نَجِيح) هو عبد الله، واسم أبي نَجِيح يَسار -بفتح التحيتة أوله- ضد اليمين، وهو بفتح النون وكسر الجيم، آخره حاء مهملة، المكي، (عن مُجَاهِد) بضمِّ الميم، هو المفسر ابن جُبير، بضمِّ الجيم (قال) وفي رواية بإسقاطها: (قالت عائشة) الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما، قال في «عمدة القاري» : قيل: هذا الحديث منقطع ومضطرب، أما الانقطاع؛ فإن أبا حاتم، ويحيى بن معين، ويحيى بن سَعِيْد القطان، وشعبة، وأحمد قالوا: إنَّ مُجَاهِدًا لم يسمع من عائشة، وأمَّا الاضطراب؛ فلرواية أبي داود له عن محمَّد بن كثير، عن إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم بدل (ابن أبي نجيح).

ورُدَّ عليه بأنَّ البخاريَّ صرَّح بسماعه منها في غير هذا الإسناد في عدة أحاديث، وكذا أثبت سماعه منها ابن المديني وابن حبان مع أن الإثبات مقدم على النفي، وأما الاضطراب الذي ذكره؛ فهو ليس باضطراب؛ لأنَّه محمول على أن إبراهيم بن نافع سمعه من شيخين، وشيخ البخاري أبو نعيم أحفظ من شيخ أبي داود محمَّد بن كثير، وقد تابع أبا نعيم خالد بن يحيى، وأبو حذيفة، والنعمان بن عبد السلام، فرجحت روايته، والمرجوح لا يوثق في الراجح، والحديث المذكور أخرجه أبو داود أيضًا، فقال: حدثنا محمَّد بن كثير قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع قال: سمعت إسحاق بن أبي سَلَمَة يذكر عن مُجَاهِد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (ما كان لإحدانا) أي: من زوجات النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (إلا ثوب واحد) وقولها: (تحيض فيه) : جملة في محل الرفع على أنها صفة لـ (ثوب).

قال الكرماني: فإن قلت: هذا النفي لايلزم أن يكون عامًّا لكلهن؛ لصدقه بانتفاء الثوب الواحد منهن؛ قلت: وهو عام؛ إذ صدقه بانتفاء الثوب لكلهن، وإلا لكان لإحداهن ثوب؛ فيلزم الخلف، ولفظ المضاف المفرد من صيغ العموم على الأصح، انتهى.

قال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» : (لا يقال: إنَّ هذا الحديث معارض لحديث أم سَلَمَة؛ فإنَّ فيه: (فأخذت ثياب حيضتي) وهو يدل على: تعدد الثوب؛ لإمكان عدم كون التعدد في بدء الإسلام؛ فإنهن كانوا حينئذٍ في شدة وقلة، ولما فتح الله الفتوح واستغنت أحوالهم؛ اتخذت النساء ثيابًا للحيض سوى لباسهن، فأخبرت أم سَلَمَة عنه) انتهى.

وزعم ابن حجر أنه يحتمل أن يكون مراد عائشة بقولها: (ثوب واحد) مختص بالحيض، وليس في سياقها ما ينفي أن يكون لها غيره في زمن الطهر؛ فيوافق حديث أم سَلَمَة، انتهى.

قلت: وهذا الاحتمال ممنوع ومردود؛ لأنَّ قول عائشة: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه) معناه: ليس لإحدانا إلا ثوب واحد تلبسه في حال الحيض والطهر؛ يعني: وليس لها غيره، كما دل عليه لفظ السياق، فإن ذلك يفيد الحصر في الثوب الواحد لحال الطهر والحيض، فقوله: (وليس في سياقها ما ينفي أن يكون لها غيره في زمن الطهر) فاسد؛ فإن لفظ السياق يفيد صريحًا أن الثوب الواحد المذكور هو لحال الطهر والحيض، يدل لذلك: تقللهن من الدنيا، وعدم اعتنائهن بالتعدد من الثياب، كما أنهن كن يتقللن في المأكل، كذلك في الملبس؛ فليحفظ.

(فإذا أصابه) أي: الثوب (شيء) أي: قدر (من دم) وللأصيلي: (من الدم) أي: من دم الحيض، وهو صادق بكون الدم كثيرًا وقليلًا، بل الظاهر من الإطلاق: أنه كثير فاحش؛ (قالت بريقها) يعني: صبت عليه من ريقها، وقد ذكرنا أن القول يستعمل في غير معناه الأصلي بحسب ما يقتضيه المقام أو المعنى؛ أي: بلته بريقها، كما صرح به في رواية أبي داود، كذا في «عمدة القاري»، (فمصعته) بالميم والصاد المهملة؛ يعني: فركته وحكته، ومادته ميم، وصاد وعين مهملتان، كذا في أكثر الروايات، قال في «عمدة القاري» : وفي رواية: (فقصعته)؛ بالقاف والصاد والعين المهملتين، كما في رواية أبي داود، انتهى، ومثله قاله ابن حجر، قال القسطلاني: (ومفهومه أن هذه الرواية ليست للبخاري) ا. هـ

قلت: هذا غير صحيح، بل المفهوم منه أن هذه الرواية للبخاري، كما أنها لأبي داود، لا سيما وهي ثابتة في «فرع اليونينية» للمؤلف، فكيف قال القسطلاني ما قال؟! فافهم.

(بظُفُرها) بضمِّ الظاء المعجمة، وضم الفاء وإسكانها، والضم أفصح، ومعنى (قصعته) : دلكته وعالجته، يقال: قصع القملة؛ إذا شدخها بين أظفاره، وأما فصع الرطبة؛ فهو بالفاء؛ وهو أن يأخذها بإصبعيه فيغمزها أدنى غمزة، فتخرج رطبة خالعة قشرها، كذا في «عمدة القاري».

ثم قال رحمه الله تعالى: (ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن من لم يكن لها إلا ثوب واحد تحيض فيه، لا شك أنها تصلي فيه، لكن بتطهيرها إياه، دل عليه قولها: (فإذا أصابه شيء من دم...) إلى آخره) انتهى؛ يعني: إن صب الريق عليه ودلكه ونحو ذلك تطهير للثوب من الدم، يدل لذلك: أن الشخص إذا تغوط وتمسح بالأحجار؛ فهو طهارة المحل، وكذا لو كان النجس في غير موضع الاستنجاء، فإذا قلعه بالأحجار ونحوها؛ يطهر، فتجوز صلاته بدون غسله، وطهارته تقليل لها مجاز؛ لأنَّه إذا دخل الماء القليل؛ نجسه، وزعم البيهقي أن هذا في الدم اليسير الذي يكون معفوًّا عنه، وأما الكثير منه؛ فصح عنها أنها كانت تغسله.

ورده إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: هم لا يرون بأن اليسير من النجاسات عفو، ولا يعفو عندهم منها عن شيء سواء كان قليلًا أو كثيرًا، وهذا لا يتمشى إلا على مذهب الإمام الأعظم رضي الله عنه؛ فإن اليسير عنده عفو؛ وهو ما دون الدرهم، فحينئذٍ الحديث حجة عليهم؛ حيث اختصوا في إزالة النجاسة بالماء) انتهى.

قلت: وقول البيهقي: (وأما الكثير منه...) إلخ غير صحيح؛ لأنَّه لم يصح عن عائشة أنها قالت: كانت تغسله، فالغسل لم يصح عنها، وإنما هو احتمال وتردد ذكره ترويجًا لما ذهب إليه الشافعي، والاحتمال البعيد لا يدفع النظر؛ فالحديث حجة على الشافعي ومن قال بقوله؛ على أنه لو كانت غسلته؛ لذكرته، فعدم ذكرها الغسل دليل على اقتصاره بالتطهير على الريق، كما لا يخفى.

وزعم القسطلاني أن الحديث ليس مخالفًا لما تقدم؛ لأنَّه من باب حمل المطلق على المقيد، أو لأنَّ هذا الدم الذي مصعته قليل معفو عنه لا يجب غسله؛ فلذا لم يذكر أنها غسلته بالماء، وأما الكثير؛ فصح عنها أنها كانت تغسله، قاله البيهقي، لكن يبقى النظر في مخالطة الدم بريقها؛ فقد قالوا فيه بعدم العفو، وليس فيه أنها صلت فيه؛ فلا يكون فيه حجة لمن أجاز إزالة النجاسة بغير

<<  <   >  >>