للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلاة العصر؛ أي: بعد أن تيمم، كما في رواية مالك، ولفظه عن نافع: (أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف حتى إذا كان بالمِربد؛ نزل عبد الله فتيمم صعيدًا طيَّبًا، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى) انتهى، يعني: العصر، ورواه البيهقي من حديث عمرو بن محمَّد بن أبي رزين، حدثنا هشام بن حسَّان، عن عبيد الله، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أنَّ النَّبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم تيمم وهو ينظر إلى بيوت المدينة بمكان يقال له: مِربد النعم، وفي «سنن» الدارقطني قال: (حدَّثنا ابن صاعد: حدَّثنا ابن زيتون: حدَّثنا فُضيل بن عِياض، عن ابن عجلان، عن نافع: أن ابن عمر تيمم وصلَّى وهو على ثلاثة أميال أو ميلين من المدينة)، وفي خَبر عمر بن زُرارة من طريق ميسرة، عن ابن عمر مثله، (ثم دخل المدينة) المنوَّرة (والشمس مرتفعة) عن الأفق والصفرة دخلتها، (فلم يعد) أي: تلك الصَّلاة، وهذا يقتضي جواز التيمم في السفر القصير؛ لأنَّ السفر المعتبر هنا هو العرفي والشرعي، فإنَّ قليل السفر وكثيره سواء في التيمم، والصَّلاة على الدَّابة خارج المصر، وإنَّما الفرق بين القليل والكثير في ثلاثة: قصر الصَّلاة، والإفطار، والمسح على الخفين، كما صرَّح به في «الفتاوى الخانية»، وظاهر هذا الأثر: أن ابن عمر كان يرى التيمم في السفر القصير؛ لأنَّ المكان الذي صلى فيه -وهو المِربد- كان بينه وبين المدينة ميل، أو ميلان، أو ثلاثة، وعلى كلٍّ؛ فيجوز له التيمم، وقال محمَّد بن مسَلَمَة: إنَّما تيمم ابن عمر بالمِربد؛ لأنَّه خاف فوات الوقت المستحب، وهو أن تصفرَّ الشَّمس، يدل عليه قوله: (والشَّمس مرتفعة) يعني: أنَّها مرتفعة عن الأفق والصُّفرة دخلتها، ويحتمل أن يكون ظنَّ أنَّه لا يدخل المدينة حتَّى يخرج الوقت، فتيمم على ذلك بالاجتهاد، وقال ابن القاسم: (من رجا إدراك الماء في آخر الوقت فتيمَّم في أوله وصلى؛ أجزأه، ويعيد في الوقت استحبابًا، فيحتمل أنَّ ابن عمر كان يرى هذا) انتهى.

قلت: من رجا وجود الماء في آخر الوقت فتيمَّم في أوَّله وصلَّى، ثمَّ وجد الماء في آخر الوقت؛ لا يعيدها، وأجزأته تلك الصَّلاة، كما صرَّح به في «الدرر والغرر» حيث كان بينه وبين الماء ميل، وإلَّا؛ فلا، كما في «الدر المختار»، وظاهر الأثر: أن مذهب ابن عمر هكذا؛ لأنَّه قد تيمَّم في المِربد وهو على ميل أو أكثر من المدينة، وتيممه كان في الوقت المستحب، وحين وصوله المدينة كان الوقت باقيًا، فلم يُعِدِ الصَّلاة؛ فافهم.

وقال في «شرح الموطَّأ» : كان ابن عمر على وُضُوء؛ لأنَّه كان يتوضأ لكلِّ صلاة، فجعل التيمم عند عدم الماء عِوَض الوضوء، كذا قاله سُحْنون.

قلتُ: وهذا فاسد؛ لأنَّ التيمم على الوضوء غير مشروع، وكيف يقال هذا، فإنَّ طهارته بالوضوء أقوى، والتيمم شُرِعَ لأجل الرخصة، ولا رخصة هنا، فإن الطهارة موجودة، فالتيمم عليه يكون عبثًا؛ لأنَّه مُلَوِّث، والوضوء على الوضوء نور على نور، أما التيمم على التيمم أو على الوضوء؛ فإنه غير مشروع، كما لا يخفى، وظاهر الأثر أنَّ ابن عمر كان على غير وضوء، فتيمم عن الحدث، يدل عليه نزوله عن [دابته] في ذلك الموضع لأجل التيمم، ولو لم يكن كذلك؛ لما تيمم، ولو سلَّمنا أنه كان يتوضأ لكل صلاة؛ لا نسلِّم أنه كان يتيمم على الوضوء؛ لأنَّه لم ينقل عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ولا عن أحدٍ من أصحابه فعل ذلك، فهذا الاحتمال غير صحيحٍ؛ فافهم.

وقيل: إنَّ ابن عمر كان يرى أنَّ الوقت إذا دخل؛ حَلَّ التيمم، وليس عليه أن يؤخر؛ لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: ٦]، كذا قاله سُحْنون.

قلتُ: وفيه نظر؛ لأنَّ ظاهر هذا الأثر يخالف هذا، فإنَّ ظاهره أنَّه كان يرى التأخير إلى قُبيل الوقت المكروه، فإنَّ عادته أنَّه إذا كان في السفر؛ يؤخر إلى الوقت المُستحب، ويدلُّ عليه: هذا الأثر، فإنَّه قد دخل المدينة في الوقت المكروه؛ لأنَّه دخلها والشمس مرتفعة دخلتها الصفرة، فلو أخَّر؛ لوقعت الصَّلاة مكروهة؛ فليحفظ.

وقول القسطلاني: وهذا الأثر يدلُّ على أنَّ ابن عمر كان يرى جواز التيمم للحاضر؛ لأنَّ السفر القصير في حكم الحضر ممنوع، فإنَّ ظاهر هذا الأثر ليس كذلك، ولا يدلُّ على هذا، بل ظاهره أنه كان يرى جواز التيمم في السفر القصير؛ وهو ما كان على ميل أو أكثر من الماء، يدلُّ عليه فعل ابن عمر حيث تيمم في المربد، ولم يُؤخرْ إلى دخوله المدينة، ولو كان كما قال؛ لكان ابن عمر أعاد الصَّلاة في المدينة، وصَرَّح في الأثر أنه لم يعدها؛ فافهم.

وقال في «شرح المُنية» : (لو أُخبر إنسان عدل بعدم الماء عند غَلبة الظَّن ونحوه؛ جاز له التيمم بلا خِلاف؛ لأنَّ خبر الواحد العدل مقبول، وحجة في الديانات؛ لشمول الإلزام له أيضًا بخلاف الشهادة) انتهى.

وقال إمام الشَّارحين: (إنَّ البُخاري ذكر هذا التعليق مختصرًا، ولم يذكر فيه ذكر التيمم مع أنَّه لا يطابق ترجمة الباب إلا به).

وزعم ابن حجر أنَّه لم يظهر له في سبب حذفه.

وأجاب إمام الشارحين: بأن الذي يظهر له أن ترك هذا ما هو في البخاري، والظاهر أنه من الناسخ، واستمر الأمر عليه، وليس له وجه غير هذا؛ فليحفظ، والله تعالى أعلم.

[حديث: أقبل النبي من نحو بِئر جمل]

٣٣٧ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا يحيى ابن بُكير) بضمِّ الموحدة، تصغير بكر نسبه لجده؛ لشهرته به: فهو يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي أبو زكريا المصري (قال: حدثنا الليث) هو ابن سعد من أتباع الإمام الأعظم رأس الأئمَّة والمجتهدين رضي الله عنه، (عن جعفر بن ربيعة)؛ هو ابن شرحبيل الكندي المصري، المتوفى سنة خمس وثلاثين ومئة، و [ما] في رواية الإسماعيلي: (حدثني جعفر)؛ بالإفراد، (عن الأعرج) هو عبد الرَّحمن بن هُرمز المدني، وفي رواية ابن عساكر: (عن حميد الأعرج)، وهو ابن قَيْس المكي أبو صفوان القارئ، من السادسة، المتوفى سنة ثلاثين، أو بعدها، كذا قيل.

قلت: وعلى كلٍّ؛ فهما ثقتان لا يضرُّ الحديث تخالفهما؛ فليحفظ.

(قال: سمعت عُمَيْرًا) بضمِّ العين المهملة مصغر عمرو بن عبد الله الهاشمي، المتوفى بالمدينة سنة أربع ومئة (مولى ابن عباس) رضي الله عنهما.

فإن قلت: عُمَيْر هذا هو مولى أمِّ الفضل بنت الحارث والدة ابن عباس، فكيف يقول: مولى ابن عباس؟

قلت: وإذا كان مولى أم الفضل؛ كان مولى أولادها؛ فصح قوله: مولى ابن عباس؛ لأنَّه لا فرق بين الأم وأولادها، وقد روى ابن إسحاق هذا الحديث، وقال: (مولى عبيد الله بن عبَّاس)، وقد روى موسى بن

<<  <   >  >>