للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عُقْبَة، وابن لهيعة، وأبو الحارث هذا الحديث عن الأعرج، عن أبي الجُهَيْم، ولم يذكروا بينهما (عُمَيْرًا)، والصواب: إثباته، وليس له في «الصحيح» غير هذا الحديث، وحديث آخر عن أم الفضل، كذا قاله إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» رحمه الباري.

(قال: أقبلت أنا وعبد الله) لفظة (أنا) تأكيد للضمير المرفوع البارز، ويجوز فيه النَّصب على أنَّه مفعول معه؛ أي: مع عبد الله، قيل: هذا من عطف الجُمَل، وقيل: من عطف المفردات، وعليه الجمهور؛ فافهم

(ابن يَسَار)؛ بفتح التحتية، والسين المهملة المخففة، ضِد اليمين: المدني الهلالي و (عبد الله) هذا: هو أخو عطاء بن يسار التابعي المشهور، ووقع عند مُسلم في هذا الحديث: (عبد الرحمن بن يَسَار)، وهو وهمٌ، وليس له في هذا الحديث رواية، ولهذا لم يذكره المصنفون في رجال «الصحيحين»، كذا قاله إمام الشارحين (مولى مَيْمُونة) بفتح الميم الأولى، وضم الثانية، بينهما تحتية ساكنة: هي بنت الحارث (زوج النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) ورضي عنها (حتى دخلنا على أبي جُهَيْم) بضمِّ الجيم، وفتح الهاء، وسكون التحتية؛ بالتَّصغير، وفي رواية: (أبي الجُهَيْم)؛ بالألف واللام: هو عبد الله (بن الحارث)؛ بالمثلثة (ابن الصِّمَّة) بكسر الصاد المهملة، وتشديد الميم: هو ابن عمرو بن عتيك الخزرجي (الأنصاري) الصحابي الجليل، وقال الذهبي: (أبو جُهَيْم)، ويقال: أبو الجُهَيْم بن الحارث بن الصِّمَّة، كان أبوه من كبار الصحابة، و (أبو جهم) : عبد الله بن جُهَيْم، وقال أبو نعيم، وابن منده: (أبو جهم [و] ابن الصِّمَّة واحد (١))، وكذا قاله مُسلم، وجعلهما ابن عبد البر اثنين، وعن ابن أبي حاتم، عن أبيه قال: (ويقال: أبو الجُهَيْم: هو الحارث بن الصِّمَّة)، فعلى هذا؛ تكون لفظة (ابن) في متن الحديث زائدة، لكن صحح أبو حاتم: أنَّ الحارث اسم أبيه لا اسمه، وفي الصحابة شخص آخر يقال له: أبو الجُهَيْم، وهو صاحب الأنبجانية، وهو غير هذا؛ لأنَّه قُرَشي، وهذا أنصاري.

قلتُ: أبو الجُهَيْم هذا هو الذي قاله الذهبي: (أبو جُهَيْم: عبد الله بن جُهَيْم)، كذا بسطه إمام الشَّارحين.

(فقال جُهَيْم) وفي رواية أبي الوقت، والأصيلي: (أبو الجُهَيْم)، وفي رواية ابن عساكر: (فقال الأنصاري) (أقبل النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم من نحو بئر جَمَل)؛ بالجيم والميم المفتوحتين: موضع بقرب المدينة فيه مال من أموالها؛ أي: من جهة الموضع الذي يُعرف ببئر الجمل، وفي رواية: (ببئر الجمل)، وكذا في رواية النسائي، (فلقيه رجل) هو أبو الجُهَيْم الرَّاوي، قاله إمام الشَّارحين، فوجد النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم يبول، ففي رواية ابن ماجه من حديث أبي هريرة: (مرَّ رجل على النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يبول...)؛ الحديث، وعند البزار بسند صحيح، عن نافع عنه: (أنَّ رجلًا مرَّ على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يبول...)؛ الحديث، وعند أبي داود من حديث حبوة بن الهاد: أنَّ نافعًا حدَّثه، عن ابن عمر قال: (أقبل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الغائط...)؛ الحديث، ومثله في الطبراني؛ فليحفظ.

(فسلَّم عليه) أي: على النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، (فلم يردَّ عليه النَّبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: السلام، ويجوز في (داله) الحركات الثلاث؛ الكسر؛ لأنَّه الأصل، والفتح؛ لأنَّه أخف، والضم؛ لإتباع الراء، قاله إمام الشَّارحين، والذي في الرواية الفتحُ (حتى أقبل) أي: النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (على الجِدار)؛ الألف واللام فيه لـ (العهد) الخارجي؛ أي: جدارٌ هناك كان مباحًا؛ فلم يحتج إلى الإذن في ذلك، أو كان مملوكًا لغيره وكان راضيًا فيه؛ فضرب يده على الحائط المذكور (فمسح بوجهه ويديه) وفي رواية أبي الوقت، والأصيلي: (وبيديه)؛ بزيادة الموحدة، ففيه: أنَّ التيمم مسح الوجه واليدين، لا يقال: أطلق يديه فيتناول إلى الكفين، وإلى المرفقين، وإلى ما وراء ذلك؛ لأنا نقول: المراد منه: ذراعيه، ويفسره رواية الدارقطني وغيره في هذا الحديث: (فمسح بوجهه وذراعيه)، والأحاديث تفسر بعضها بعضًا، وفيه خلاف بين العلماء، سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وفي هذا دليل واضح على جواز التيمم على الحجر؛ لأنَّه عليه السلام تيمم على الجِدار، وجُدران المدينة كلها مبنية بحجارة سود، وهذا مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، ومالك، والجمهور، وخالفهم الشافعية، فزعموا: أنَّ التيمم لا يجوز على الحجر، بل لا بد من التُّراب، وأجابوا عن هذا الحديث: بأنَّه معلوم أنَّه يعلق به تراب، فإنَّ الجدار قد يكون عليه تراب، وقد لا يكون، بل الغالب وجود الغبار على الجدار، وتعلَّقوا بما رواه البغوي في «شرح السُّنة» بإسناده من حديث الشافعي، عن إبراهيم بن محمَّد، عن أبي بكر بن الحويرث، عن الأعرج، عن أبي جُهَيْم بن الصِّمَّة قال: مررت على النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يبول، فسلَّمت عليه، فلم يردَّ عليَّ حتى قام إلى جدار فحتَّه بعصًا كان معه، ثمَّ وضع يده على الجدار، فمسح وجهه وذراعيه، ثمَّ ردَّ عليَّ، قال: هذا حديث حسن، كذا زعمه الكرماني.

وردَّه إمام الشارحين: بأنَّ الجدار إذا كان من حجر لا يحمل التُّراب أصلًا؛ لأنَّه لا يثبت عليه، خصوصًا جدران المدينة؛ لأنَّها من صخرة سوداء، وما رواه البَغوي ضعيف لا يعوَّل عليه، لا يقال: حسَّنه البغوي؛ لأنَّا نقول: كيف حسَّنه وشيخ الشافعي وشيخ شيخه ضعيفان لا يُحتجُّ بهما، كما قَاله مالك وغيره؟ وأيضًا فهو مُنقطع؛ لأنَّ ما بين الأعرج وأبي جُهَيْم عُمَيْر، كما سبق عند البخاري وغيره، ونصَّ عليه البيهقي أيضًا وغيره، وفيه عِلَّة أخرى، وهي حكُّ الجدار، ولم يأت بها أحد غير إبراهيم، والحديث رواه الطبراني، وأبو داود، والبزار، والطَّبراني في «الأوسط»، والحاكم، والطَّحاوي، والنَّسائي، وابن ماجه، وأحمد، والبيهقي، وابن حبَّان، وغيرهم، وليس في حديث أحدهم هذه الزيادة، والزيادة إنَّما تقبل إذا كانت من ثِقةٍ، ولو وقف الكرماني على هذا؛ لما قال ما قال، انتهى.

قلتُ: وأيضًا لم يذكر واحد من هؤلاء الجماعة في حديث أحدهم أنَّه كان مع النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم عصًا، ولو كان معه عصًا؛ لذكروها في الحديث، ووجه ضَعف إبراهيم بن محمَّد، وأبي بكر: أنَّه كان كلٌّ منهما قد اختلط وساء حفظه، فالحديث الذي رواه البغوي معلول، ومُعَارض؛ فلا يُحتج به ولا يُعوَّل عليه وليس هو من حمل المُطلق على المُقيد؛ لأنَّ القَيد غير ثابت، فكيف يُحمل عليه؟ وما هذا إلا عناد وهذيان باردٌ؛ فافهم، والله أعلم.

(ثمَّ ردَّ عليه) أي: على الرَّجل (السَّلام)، زاد في رواية الطبراني في «الأوسط» : (حتى إذا كان الرجل يتوارى في السُّكة، ثمَّ ضرب يديه على الحائط، فمسح وجهه، وذراعيه، ثم ردَّ على الرجل السَّلام، وقال: «إنَّه لم يمنعني أن أردَّ عليك إلا أنِّي كنت على غير طُهرٍ»)، وفي رواية البزار بسند صحيح عن نافع عنه: أنَّ رجلًا مرَّ على النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يبول، فسلَّم عليه الرجل، فردَّ عليه السَّلام، فلمَّا جاوزه؛ ناداه عليه السلام، فقال له: «إنَّما حملني على الردِّ عليك خشية أن تذهب فتقول: إني سلمت على النبيِّ، فلم يردّْ عليَّ، فإذا


(١) في الأصل: (أحمد)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>