للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وليس من كلام شيخه، كذا في «عمدة القاري»، (عن عبد الرحمن بن الأسود) : هو ابن يزيد النخعي، من كبار التابعين، المتوفى سنة تسع وتسعين، (عن أبيه) : هو الأسود بن يزيد المذكور، (عن عائشة) : الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما (قالت: كانت إحدانا)؛ أي: إحدى زوجات النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي رواية: (كان إحدانا)؛ بدون التاء، وحكى سيبويه في «كتابه» : (أن بعض العرب تقول: قال (١) امرأة) انتهى، (إذا كانت حائضًا)؛ أي: متلبسة بالحيض (فأراد رسول الله) : وللأصيلي: (النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم أن يباشرها) : من المباشرة التي هي أن يمس الجلد الجلد، وليس المراد به الجماع، بالإجماع كما قدمناه، فإذا أراد مباشرتها؛ (أمرها أن تتَّزر)؛ بتشديد الفوقية، وللكشميهني: (أن تأْتزر)؛ بهمزة ساكنة بدون إدغام، وهي اللغة الفصحى كما قدمناه، وفي «المصابيح» : (أنه القياس) (في فَوْرِ)؛ بفتح الفاء، وسكون الواو، آخره راء (حَيضتها)؛ بفتح الحاء المهملة لا غير، وأرادت به معظم حيضها، ووقت كثرتها، وقال الجوهري: (فورة الحر؛ شدته، وفار القدر فورًا؛ إذا جاشت)، كذا في «عمدة القاري»، ووقع في رواية أبي داود: (فوح)؛ بالحاء المهملة، (ثم يباشرها)؛ أي: بملامسة بشرته لبشرتها، (قالت) أي: عائشة: (وأيكم يملك إِرْبه؟)؛ بكسر الهمزة، وسكون الراء، بعدها موحدة، قيل: هو عضوه التي يستمتع به، وقيل: حاجته، وفي كتاب «المنتهى» : (فيه لغات: إرب، وإربة، وأرب، ومأرَبة، ومأرُبة)، وعن ابن سَلَمَة: (ولكنه أملككم لإربه)، قال الأصمعي: (هي الحاجة؛ أي: أضبطكم لشهوته)، وقال ابن الأعرابي: أي: لحزمه، وضبط نفسه، وقد أرب يأرب أربًا؛ إذا احتاج، يقال: إن فلانًا لأرب بفلانة؛ إذا كان همَّ بها، ويشهد لقول ابن الأعرابي ما جاء في بعض الروايات: (أملككم لنفسه)، وفي «المحكم» و «الجامع» : (والمأرب وهي الآراب والإرَب)، وقال الخطابي: (وأكثر الرواة يقولون: لإربه، والإرب: العضو، وإنما هو الأرَب -مفتوحة الراء-؛ وهي الوطء وحاجة النفس، وقد تكون الإرب الحاجة أيضًا، والأول أبين)، وكذا حكى صاحب «الواعي»، وأما ابن سيده، وابن عديس في «الكتاب الباهر»؛ فقالا: (الإِرَب؛ بكسر الهمزة: جمع إربة؛ وهي الحاجة)، وقال أبو جعفر النحاس: (أخطأ من رواه بكسر الهمزة)، قال: (وإنما هي بفتحها)، وفي «مجمع الغرائب» لعبد الغافر: (هو في الكلام معروف الإرب والإربة بمعنى: الحاجة، فإن كان الأول محفوظًا -يعني: في حديث عائشة-؛ ففيه ثلاث لغات: الإرب، والأرب، والإربه، والأرب، ويكون بمعنى العضو، فيحتمل أنها أرادت: كان أملككم لعضوه؛ لأنَّها ذكرت التقبيل في الصوم)، وفي «المغيث» لأبي موسى: (أرب في الشيء؛ رغب فيه)، كذا في «عمدة القاري».

(كما كان النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم يملك إربه) : فهو عليه السلام أملك الناس لإربه، فلا يُخْشَى عليه ما يُخْشَى على غيره ممن يحوم حول الحمى، وكان يباشر فوق الإزار تشريعًا لغيره ممن ليس بمعصوم، وبحديث الباب استدل إمامنا رئيس المجتهدين الإمام الأعظم، وسَعِيد بن المسيب، وشريح، وطاووس، وسليمان بن يسار، وقتادة، والشافعي في الأصح: على تحريم الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها في غير القبل والدبر بوطء أو غيره، ولحديث الترمذي محسنًا أنَّه عليه السلام سئل عما يحل من الحائض؟ فقال: «ما وراء الإزار»، وهو قول مالك، وعطاء، ورواية عن الإمام أبي يوسف، وذهب الإمام محمَّد بن الحسن إلى أن الممنوع هو الوطء دون غيره، وهو رواية عن الإمام أبي يوسف أيضًا، وهو قول الأوزاعي، والثوري، والنخعي، والشعبي، ومُجَاهِد، وأحمد، وأصبغ، وأبو ثور، وإسحاق، وهو أحد قولي الشافعي، واختاره النووي، ورجحه الحافظ الطحاوي؛ لحديث مسلم عن أنس: أنه عليه السلام قال: «اصنعوا كل شيء إلا النكاح»، فجعلوه مخصصًا لحديث الترمذي السابق، وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعًا بين الأدلة.

وعند أبي داود: (أنه عليه السلام كان إذا أراد من الحائض؛ ألقى على فرجها ثوبًا)، وإسناده قوي، وهذه المباشرة إنَّما تجوز له إذا كان يضبط نفسه، ويمنعها من الوقوع في الجماع، وإن كان لا يملك ذلك؛ فلا يجوز له ذلك؛ لأنَّ من رعى حول الحمى؛ يوشك أن يقع فيه، فلا بدَّ للحائض من الاتِّزار في أيام حيضها؛ لأنَّ النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذ والركبتين تحتجز به؛ أي: تمتنع المرأة به؛ أي: بالإزار عن الجماع، وفي رواية: (محتجزة به)؛ أي: حال كون المرأة ممتنعة به عن الجماع، وأصله من حجزه يحجزه حجزًا؛ أي: منعه، من باب (نصر ينصر)، ومنه الحاجز بين الشيئين؛ وهو الحائل بينهما.

والتقييد بقولها: (في فور حيضته) يدل على الفرق بين ابتداء الحيض وما بعده، ويشهد لذلك ما رواه ابن ماجه في «سننه» بإسناد حسن عن أم سَلَمَة: (أنه عليه السلام كان يتقي سورة (٢) الدم ثلاثًا، ثم يباشرها بعد ذلك، ولا منافاة بينه وبين الأحاديث الدَّالة على المباشرة مطلقًا؛ لأنَّها تجمع على اختلاف الحالين)، كذا في «عمدة القاري»؛ فافهم.

(تابعه)؛ أي: تابع عليَّ بن مسهر في روايته لهذا الحديث (خالدُ) : هو ابن عبد الله الواسطي، وقد وصلها أبو القاسم التنوخي من طريق وهب بن منبه عنه، (و) تابعه (جرير)؛ بالجيم، هو ابن عبد الحميد في رواية هذا الحديث؛ كلاهما (عن الشيباني) : هو أبو إسحاق السابق، وقد وصل هذه المتابعة أبو داود قال: حدثنا عثمان ابن أبي شيبة قال: حدثنا جرير، عن الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأمرنا في فوح حيضتنا...)؛ الحديث، ورواه أيضًا الإسماعيلي، والحاكم في «مستدركه»، وقولها: (فوح)؛ بالفاء والحاء المهملة: معظمه وأوله، ومثله: فوعة الدم، يقال: فاع وفاح بمعنى واحد، وفوعة الطيب: أول ما يفوح منه، ويروى: بالغين المعجمة، وهو لغة فيه، كذا في «عمدة القاري».

[حديث ميمونة: كان رسول الله إذا أراد أن يباشر امرأةً من نسائه]

٣٠٣ - وبه قال: (حدثنا أبو النعمان) : هو محمَّد بن الفضل السدوسي -بمهملات-، المعروف بعارم (قال: حدثنا عبد الواحد) : هو ابن زياد البصري (قال: حدثنا الشيباني) : هو أبو إسحاق السابق (قال: حدثنا عبد الله بن شداد)؛ بالشين المعجمة، وبالدالين المهملتين، أولاهما مشددة، هو ابن أسامة بن الهادي الليثي (قال: سمعت مَيْمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وسكون التحتية، وضم الميم الثانية، هي بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها (قالت: كان النبي) الأعظم، وفي رواية: (تقول: كان رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم) : فالرواية الأولى رواية أبوي ذر والوقت، والأصيلي، وابن عساكر، والثانية رواية غيرهم، والجملة محلها نصب على الحال (إذا أراد أن يباشر


(١) في الأصل: (قالت)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (سودة)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>