للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصَّلاة والتيمم على غيرها أولى؛ لاحتمال أنَّها أرض غضب (١) الله عليها، أو على أهلها، أو كانت مسكن أهل الشرك والطغيان، أو كانت مسكن قوم عاد، أو غيره ممن أهلكهم الله تعالى، فإن كانت كذلك؛ فالصَّلاة والتيمم عليها مكروهة، كما نص عليه علماؤنا الأعلام، وإن كانت غير ذلك؛ فلا كراهة فيها، وحكمها حكم بقية الأرض؛ فافهم.

قال إمام الشارحين: (ومطابقة هذا للترجمة من حيث إن معنى الطيِّب الطاهر والسبخة طاهرة، فتدخل تحت الطيِّب، ويدل عليه ما رواه ابن خزيمة من حديث عائشة رضي الله عنها في شأن الهجرة أنَّه عليه السلام قال: أريت دار هجرتكم سبخة ذات نخيل)؛ يعني: المدينة، قال: وقد سمَّى النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة طيِّبة، فدل على أن السبخة داخلة في الطيِّب، ولم يخالف في ذلك أحد من العلماء إلا إسحاق بن راهويه، انتهى.

[حديث: كنا في سفر مع النبي وإنا أسرينا]

٣٤٤ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا مسدد) زاد في رواية: (ابن مسرهد) (قال: حدثنا) وفي رواية: (حدثني)؛ بالإفراد: (يحيى بن سَعِيْد)؛ بكسر العين المهملة: هو القطان، قال بندار: (ما أظن أنَّه عصى الله قط) (قال: حدثنا عوف) هو الأعرابي، يقال له: عوف الصَّدوق، (قال: حدثنا أبو رَجاء)؛ بفتح الرَّاء، وتخفيف الجيم، وبالمد: هو العطاردي، واسمه عمران بن مِلحان؛ بكسر الميم، وبالحاء المهملة، قال البخاري: (الأصح أنَّه ابن تيم أدرك زمانَ النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يره، وأسلَم بعد الفتحِ، وأتى عليه مئة وعشرون سنة، مات في سنة بضع ومئة) (عن عِمْران) بكسر العين المهملة، وسكون الميم، آخره نون: هو ابن حُصين؛ بضمِّ الحاء المهملة، أسلم عام خيبر، بعثه عمر بن الخطابِ رضي الله عنه إلى البصرة؛ ليفقههم في الدين، وكانت الملائكة تُسلِّمُ عليه، وكان قاضيًا بالبصرة، ومات بها سنة اثنتين (٢) وخمسين (قال) أي: عمران: (كنَّا) أي: أنا والصحابة، وكانوا سبعةَ رهطٍ، كما في رواية مسلم (في سَفَر)؛ بفتح السِّين المهملة، والفاء: اسم للسير من مكان إلى آخر، بخلاف السِّفْر؛ بسكون الفاء؛ فإنه اسم للكتاب، قال تعالى: {كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}؛ يعني: كتبًا، وإنما سمي السَّفر سفرًا؛ لأنَّه يسفر عن أخلاق صاحبه؛ يعني: يكشفها (مع النَّبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) واختلفوا في تعيين هذا السَّفر:

ففي «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة: (أنه وقع عند رجوعهم من غزوة خيبر).

وفي حديث ابن مسعود رواه أبو داود: (أقبل النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم من غزوة الحديبية ليلًا، فنزل فقال: «من يكلؤنا؟»، فقال بلال: أنا).

وفي حديث زيد بن أسلم مرسلًا أخرجه مالك في «الموطأ» : (عَرَّسَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليلًا بطريق مكة، ووكل بلالًا).

وفي حديث عطاء بن يسار مرسلًا رواه عبد الرزاق: (أن ذلك كان بطريق تبوك)، وكذا في حديث عُقْبَة بن عامر رواه البيهقي في «الدَّلائل».

وفي رواية لأبي داود: (كان ذلك في غزوة جيش الأمراء)، قاله إمام الشَّارحين.

قلتُ: ورواية أبي داود هذه من حديث خالد بن سمين، عن عبد الله بن رباح: حدثنا أبو قتادة؛ فذكره، قال أبو عمر بن عبد البر: وقول خالد: (جيش الأمراء) وهمٌ عند الجميع؛ لأنَّ جيش الأمراء كان في موته عليه السَّلام، وهي سرية لم يشهدها النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم)، وقال ابن حزم: (وقد خالف خالد من هو أحفظ منه)؛ فتأمل.

(وإنَّا أُسرينا) بفتح الهمزة أوله، بعدها سينٌ مهملة (حتى كنَّا في آخرِ الليلِ) وزعم الكرَمَانيُّ أنَّ في بعض النسخ: (سرينا)؛ يعني: بدون الهمزة.

قال إمام الشَّارحين: (يقال: سرى وأسرى؛ لغتان).

وقال الجوهري: (سريت وأسريت؛ بمعنى: إذا سِرتَ ليلًا).

وفي «المحكم» : (السرى: سيرُ عامةِ اللَّيل).

وقيل: سير اللَّيل كله، والحديث يخالف هذا القول، والسَّرى يذكر ويؤنث، ولم يعرف اللحياني إلا التأنيث، وقد سرى وسرى، أو سرية وسرية؛ فهو سار.

وذكر ابن سيده: (وقد سرى به، وأسرى به، وأسراه).

وفي «الجامع» : (سرى يسري سريًا؛ إذا سارَ ليلًا، وكلُّ سائرٍ ليلًا؛ فهو سريًا) انتهى ما قاله رحمه رب العالمين.

(وقعنا وقعة) أي: نمنا نومة؛ كأنهم سقطوا عن الحركة، وعند مسلم من حديث أبي هريرةَ: (أنه عليه السَّلام حين قفل من غزوة خيبر؛ سارَ ليلةً حتى إذا أدركه الكرى؛ عرَّسَ، وقال لبلال: «اكلأ لنا (٣) الليل» فلما تقارب الفجر؛ استند إلى راحلته، فغلبته عيناه...)؛ الحديث، (ولا وقعة) كلمة (لا) لنفي الجنس، و (وقعة) اسمها (عند المسافر)، خصَّه بالذِّكر؛ لأنَّ الكلام فيه، ولأن المسافر هو الذي يجد المشقة والنَّصب من قلة النوم، وقوله: (أحلى) صفة للـ (وقعة)، وخبر (لا) محذوف، ويجوز أن يكون (أحلى) خبرًا (منها)؛ أي: من الوقعة آخر الليل، وهو كما قال الشاعر:

. . . . . . . . . . . . . . . ... وأحلى الكرى عند الصَّباحِ يطيبُ

(فما أيقظنا إلا حرُّ الشَّمس)، وفي رواية مسلم: (فلم يستيقظ بلالٌ ولا أحدٌ من الصَّحابة حتَّى ضربتهم الشَّمس)، وفي «الدلائل» للبيهقي عن عُقْبَة بن عامر: (فاستيقظ حين كانت الشمس قدر رمح...)؛ الحديث، (وكان) وفي رواية:


(١) في الأصل: (عضب)، وهو تصحيف.
(٢) في الأصل: (اثنين)، والمثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (اكلأنا)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>