للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قدمه)؛ بحذف كلمة (أو)، وكذا وقع للبخاري من حديث أنس في أواخر (الصلاة)، ورواية كلمة (أو) أعم وأشمل، قاله الشَّارح.

وزعم الكرماني فإن قلت: لفظ (عن يساره) شامل لقدمه اليسرى، فما فائدة تخصيصها بالذِّكر؟ قلت: ليس شاملًا لها؛ إذ جهة اليمين والشمال غير (١) جهة التحت والفوق، انتهى.

ورده إمام الشَّارحين: (بأن فيه تناقضًا (٢)) انتهى.

قلت: ووجهه أن اليسار -أي: يسار الواقف- يتناول الجهة كلها فوق وتحت، والقدم اليسرى مختصٌ بموضع القدم من تحت، فليس هو شامل لها، وبينهما فرقٌ بيِّنٌ (٣)، وإنما خصَّها؛ لاحتمال الدفن، ويؤيده قوله: (وكفَّارتها دفنها).

وزعم الكرماني فإن قلت: هذه الترجمة مقيدة بالقدم اليسرى، ولفظ الحديث ليس فيه تقييد القدم باليسرى، قلت: يُقيَّدُ به عملًا بالقاعدة المقررة من تقييد المطلق.

وردَّه إمام الشَّارحين: (بأن لفظ الحديث: «أو تحت قدمه اليسرى»، وكأن في نسخته قد سقطت منه لفظة «اليسرى»، فبنى هذا السؤال والجواب على هذا) انتهى.

قلت: لفظة (اليسرى) ثابتة في جميع الروايات، وليس لأحدٍ روايةٌ بإسقاطها، فنسخة الكرماني خطأ، وبنى عليها كلامه من غير تدبرٍ ولا تفحص، فإنا قد عَهِدنا الشراح يجمعون نسخًا متعددة؛ لأجل المراجعة في ضبط الألفاظ على الوجه الصحيح، ولم نعهد أن أحدًا يتصدر لشرح مثل هذا الكتاب، وليس عنده إلا نسخة واحدة، فليس هذا دَأَب المحصلين؛ فافهم.

(وعن الزهري) هو محمد بن مسلم: (سمع حُميدًا) : هو ابن عبد الرحمن السابق، (عن أبي سعيد) أي: الخدري (نحوَه)؛ بالنَّصب؛ يعني: مثل الحديث السابق، وأشار المؤلف بهذا إلى أن الزهري روى هذا الحديث من وجهين؛ أحدهما: بالعنعنة، والآخر: صرح فيه بسماعه من حميد، وزعم الكرماني أن هذا تعليق، واعترضه ابن حجر بأنَّه وهم، بل هو موصول، ورده إمام الشَّارحين، فقال: (ظاهر الأمر أنه تعليق، ودعوى أنه موصول يحتاج إلى دليل، ولم يبين وجه ذلك) انتهى.

قلت: يعني: أن البيِّنة للمدَّعي، فالمدَّعي بشيء إذا لم يبين حجته؛ لم يقبل منه؛ لأنَّه خبر محتمل لوجهين؛ أرجحهما الثاني؛ فافهم.

(٣٧) [باب كفَّارة البزاق في المسجد]

هذا (باب) بيان (كفارة) خطيئة (البُزَاق) بضمِّ الموحدة، وفتح الزاي (في المسجد) بدفنه، والألف واللام فيه للجنس؛ أي: في كل مسجد، ولو كان مصلَّى عيد وجنازة.

قال إمام الشَّارحين: (والكفَّارة على وزن «فَعَّالة»؛ للمبالغة؛ كقتَّالة وضرَّابة، وهي من الصفات الغالبة في باب الاسمية، وهي عبارة عن الفعلة والخَصْلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة؛ أي: تسترها وتمحوها، وأصل المادة من الكفر، وهو الستر، ومنه سمي الزَّراع كافرًا؛ لأنَّه يستر الحَب في الأرض، وسُمِّي المخالف لدين الإسلام كافرًا؛ لأنَّه يستر الدين الحق، والتكفير: هو فعل ما يجب بالحديث، والاسم منه: الكفَّارة) انتهى.

[حديث: البزاق في المسجد خطيئة]

٤١٥ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا آدم)؛ بالمدِّ: هو ابن أبي إياس (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج (قال: حدثنا قتادة) : هو ابن دعامة التابعي المفسر (قال: سمعت أنس بن مالك) هو الأنصاري: أنَّه (قال: قال النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) والجملة فعلية محلها نصب على الحال، أو مفعول ثان لـ (سمعت) (البُزَاق)؛ بضمِّ الموحَّدة، وفتح الزاي؛ ما يخرج من الفم (في المسجد) الألف واللام فيه للجنس، فيشمل كل مسجد، ومثله مصلَّى الجنازة والعيدين.

قال إمام الشَّارحين: (وهو ظرف للفعل، فلا يُشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه؛ تناوله النهي) انتهى.

قلت: لأنَّه حينئذٍ يصدق عليه أنه بصق في المسجد، وفي رواية مسلم: (التفل في المسجد)؛ بالمثناة الفوقية، وفي رواية أبي داود: (وكفَّارته أن تواريه)؛ أي: تغيِّبه؛ يعني: تدفنه (خطيئة)؛ أي: إثم، وأصلها بالهمزة، ولكن يجوز تشديد التحتية، قاله إمامنا الشَّارح.

قلت: فأفاد أن الرواية بالهمز، ويجوز التشديد؛ فافهم.

(وكفَّارتها) أي: الخطيئة (دفنها)؛ أي: في تراب المسجد، ورمله، وحصائه إن كانت هذه الأشياء فيه، وإلا؛ فيخرجه، وروى أبو داود من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «من دخل هذا المسجد، فبزق فيه أو تنخَّم؛ فليحفر فليدفنه، فإن لم يفعل؛ فليبزق في ثوبه، ثم ليخرج به»، وقوله: «فإن لم يفعل»؛ أي: فإن لم يحفر أو لم يمكن الحفر؛ فليبزق في ثوبه، وروى الطبراني في «الأوسط» عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «البزاق في المسجد خطيئة، وكفَّارته دفنه»، وإسناده ضعيف، وزعم النووي أن هذا في غير المسجد، وأما المصلِّي في المسجد؛ فلا يبزق إلا في ثوبه.

قلت: وما زعمه مخالف لصريح الأحاديث، ولهذا قال القاضي عياض: (البزاق إنَّما يكون خطيئة إن لم يدفنه، فمن أراد دفنه؛ فليس بخطيئة).

قال إمام الشَّارحين: (ويرد على ما زعمه النووي أحاديث كثيرة، وكلها تدل على أن ذلك كان في المسجد، فقد روى أحمد في «مسنده» من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا بإسناد حسن: «من تنخَّم في المسجد؛ فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه، فيؤذيه»، وروى أحمد أيضًا والطبراني بإسنادٍ حسن من حديث أبي أمامة مرفوعًا: «من تنخَّع في المسجد، فلم يدفنه؛ فسيِّئة، وإن دفنه؛ فحسنة»، وفي حديث أبي ذرٍّ عند مسلم: «وجدت في مساوئ أعمال أمتي النُّخامة تكون في المسجد لا تدفن»، قال القرطبي: «فلم يثبت لها حكم السيِّئة بمجرد إيقاعها في المسجد، بل فيه وبتركها غير مدفونة»، وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة: أنه تنخَّم في المسجد ليلة، فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار، ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم تكتب عَلَيَّ خطيئة) انتهى.

قلت:


(١) في الأصل: (عين)؛ ولعله تحريف.
(٢) في الأصل: (تناقض)، وليس بصحيح.
(٣) في الأصل: (فرقا بينا)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>