للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فلما أُكثر)؛ بضم الهمزة على صيغة المجهول؛ أي: فلما أكثر الناس السؤال (عليه) عليه السلام؛ (غضب) جواب (لما) وسبب غضبه تعنُّتهم في السؤال وتكلُّفهم فيما لا حاجة إليه، ولهذا قال عليه السلام: «إن أعظم المسلمين جرمًا (١) من سأل عن شيء، فحرم من أجل مسألته»، أخرجه المؤلف، (ثم قال) عليه السلام (للناس: سلوني) وسقط (للناس) في رواية، (عما شئتم)؛ بالألف: وللأصيلي: بحذفها؛ لأنَّه يجب حذف ألف (ما) الاستفهامية إذا جُرَّت وإبقاء الفتحة؛ دليلًا عليها؛ للفرق بين الاستفهام والخبر، وهذا كان منه عليه السلام بوحي من ربه تعالى، (قال رجل) هو عبد الله بن حذافة الرسول إلى كسرى: (من أبي) يا رسول الله؟ (قال) عليه السلام: (أبوك حُذَافَة)؛ بضم الحاء (٢)، والذال المعجمة وفاء مفتوحتين، القرشي السهمي، المتوفى في خلافة عثمان رضي الله عنه، وإنما سأله؛ لأنَّه كان ينسب إلى غير أبيه، وإنما عرف عليه السلام أنَّه ابنه إما بالوحي، أو بحكم الفراسة، أو بالقياس، أو الاستحقاق، والظاهر الأول، (فقام) رجل (آخر) هو سعد بن سالم، (فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال) وفي رواية: (قال عليه السلام) : (أبوك سالم مولى شيبة) بن ربيعة، وهو صحابيٌّ، وإنَّما سأله؛ لأنَّه قيل في نسبه لغير أبيه، وجوابه عليه السلام بوحي من ربه تعالى، (فلما رأى) أي: أبصر (عمر) بن الخطاب (ما [في] وجهه) عليه السلام من أثر الغضب، و (ما) موصولة، والجملة محلها النصب مفعول (رأى)؛ (قال: يا رسول الله؛ إنا نتوب إلى الله عز وجل) من الأسئلة المكروهة مما لا يرضاه رسول الله عليه السلام، وفيه: فَهْم عمر رضي الله عنه وفضل علمه، وفيه: كراهة السؤال للتعنُّت، وفيه: معجزة النبيِّ الأعظم عليه السلام.

(٢٩) [باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث]

هذا (باب من بَرَك)؛ بفتحتين وتخفيف الراء (على ركبتيه عند الإمام أو المحدث) وإسناد البرك للإنسان مجاز؛ لأنَّ (برك) حقيقة في البعير.

[حديث: أن رسول الله خرج فقام عبد الله بن حذافة]

٩٣ - وبه قال: (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا) وللأصيلي: (حدثنا) (شعيب) بن أبي حمزة؛ بالمهملة والزاي، (عن الزهري) محمد بن مسلم ابن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أنس بن مالك) رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) من حجرته، فسئل، فأكثروا عليه، فغضب فقال: (سلوني)، (فقام عبد الله بن حذافة) السهمي المهاجري (فقال) : يا رسول الله؛ (من أبي) حتى ألحق به؟ (فقال) عليه السلام، وفي رواية: (قال: من أبي؟ فقال) : (أبوك حذافة) وفي مسلم: أنه كان يدعى لغير أبيه، ولما سمعت أمه سؤاله؛ قالت: ما سمعت بابن أعقَّ منك، أأمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهليَّة فتفضحها على أعين الناس؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به، انتهى، قلت: وجوابه عليه السلام له بوحي من ربه تعالى، (ثم أكثر أن يقول) عليه السلام: (سلوني)؛ لأنَّه أوحي إليه به؛ إذ لا يعلم كل ما يسئل عنه من المغيَّبات إلَّا بإعلام الله تعالى له، (فبَرَك)؛ بفتحتين وتخفيف الراء (عمر) رضي الله عنه (على ركبتيه) يقال: برك البعير إذا استناخ، واستعمل في الإنسان؛ مجازًا، (فقال) عمر: (رضينا بالله ربًّا)؛ أي: رضينا بما عندنا من كتاب الله، (وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا)؛ أي: رضينا بما عندنا من سنة نبيِّنا واكتفينا بها عن السؤال أبلغ كفاية، وإنما قال ذلك عمر؛ أدبًا وإكرامًا للنبيِّ الأعظم عليه السلام وشفقة للمسلمين؛ لئلَّا يؤذوا النبيَّالأعظم، فيدخلوا تحت قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} [الأحزاب: ٥٧]، وانتصاب (ربًّا) و (دينًا) و (نبيًّا) على التمييز، ويجوز على المفعولية؛ لأنَّ (رضي) إذا عُدِّي بالباء؛ يتعدَّى لمفعول واحد، والمراد بالدين: التوحيد، (فسكت) النبيُّ الأعظم عليه السلام حين سمع مقالة عمر، وفي رواية: (فسكن غضبه)، وإنما قال: (بالإسلام) ولم يقل: بالإيمان؛ لأنَّ الإسلام والإيمان واحد لا تغاير بينهما؛ كما قدمناه.

(٣٠) [باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه]

هذا (باب من أعاد الحديث) في أمور الدين (ثلاثًا؛ ليُفهَم)؛ بضم التحتية وفتح الهاء (عنه) وفي رواية: حذف (عنه) وكسر الهاء، وفي أخرى: كذلك مع فتحها، (فقال: ألا)؛ بالتخفيف: حرف تنبيه، وفي رواية: (فقال النبيُّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: ألا) (وقولُ) مرفوع هنا على الحكاية (الزُّور)؛ بضم الزاي: الكذب؛ أي: الشهادة بالكذب؛ فلذا أنَّث الضمير بقوله: (فما زال يكررها)؛ أي: فما دام يكررها في مجلسه لا مدة عمره، وهذا طرف من حديث وصله بتمامه في (الشهادات)، (وقال ابن عمر) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (قال النبيُّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: هل بلغت؟ ثلاثًا)؛ أي: قال: (هل بلغت؟) ثلاث مرَّات، وهذا التعليق وصله في (خطبة الوداع).

[حديث: كان إذا سلم سلم ثلاثًا وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا]

٩٤ - وبه قال: (حدثنا عَبْدة)؛ بفتح المهملة وسكون الموحدة، ابن عبد الله الخزاعي البصري أبو سهل الكوفي الأصل، المتوفى سنة ثمان وخمسين ومئتين (قال: حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث التيمي العنبري البِصري أبو سهل، المتوفى سنة سبع ومئتين، (قال: حدثنا عبد الله بن المُثَنَّى)؛ بضم الميم، وفتح المثلثة، وتشديد النون المفتوحة، ابن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري القاضي بالبصرة (قال: حدثنا ثُمامة)؛ بضم المثلثة وتخفيف الميمين، زاد في رواية: (ابن عبد الله)؛ أي: ابن أنس بن مالك الأنصاري البصري، (عن) جده (أنس)؛ أي: ابن مالك رضي الله عنه، (عن النبيِّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سلَّم)؛ بتشديد اللام، على الناس، وهذا يشعر بالاستمرار؛ لأنَّ (كان) تدل على الثبوت والدوام واسمها مستتر فيه، والجملة بعدها خبرها (سلم ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات، ومعناه: أنه إذا أتى على قوم؛ سلَّم عليهم للاستئذان، وإذا دخل؛ سلَّم للتحية، وإذا قام؛ سلَّم للوداع، وكلها مسنونة، هكذا يجب أن يفهم، كما أوضحه إمامنا الشيخ بدر الدين العيني، (وإذا تكلم) عليه السلام (بكلمة)؛ أي: بكلام من إطلاق البعض على الكل؛ (أعادها ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرَّات، وإعادته إما لأنَّ [في] الحاضرين من يقصر فهمه عن وعيه، فيكرره ليفهم، وإما أن يكون القول فيه بعض إشكال، فيتظاهر بالبيان، وتمامه في «عمدة القاري».

[حديث: كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه]

٩٥ - وبه قال: (حدثنا عبدة بن عبد الله) زاد في رواية (الصفَّار)، وسقط (ابن عبد الله) في رواية؛ أي: السابق (قال: حدثنا عبد الله بن المثنى) هو الأنصاري (قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله) بن أنس، وفي رواية: ثمامة ابن أنس، فنسبه لجدِّه، (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه، (عن النبيِّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا تكلم بكلمة)؛ أي: كلام، وعبر بـ (كان)؛ لدلالتها على الثبوت والدوام بخلاف (صار)؛ فإنها تدل على الانتقال، (أعادها)؛ أي: الكلمة المفسَّرة بالكلام (ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات (حتى تُفهَم منه)؛ أي: حتى تُعقل منه، كما في رواية الترمذي، وهو على صيغة المجهول، و (حتى) هنا مرادفة لكي التعليلية، (و) كان عليه السلام (إذا أتى على قوم فسلم عليهم) هذا ليس جواب (إذا) وإنما هو عطف على قوله: (أتى) من تتمة الشرط، والجواب هو قوله: (سلم عليهم ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرات: الأولى: للاستئذان، والثانية: للتحية، والثالثة (٣) : للوداع، وهذا الحديث سقط في رواية، ولا يخفى الاستغناء عنه بالثاني،؛ فافهم.

[حديث: تخلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر سافرناه]

٩٦ - وبه قال: (حدثنا مسدَّد) بن مسرهد (قال: حدثنا أبو عَوانة)؛ بفتح العين المهملة، الوضَّاح اليشكري، (عن أبي بشر)؛ بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفر بن إياس، (عن يوسف بن ماهَِك)؛ بكسر الهاء وفتحها ممنوع من الصرف؛ للعلمية والعجمة، وللأصيلي: بالصرف؛ لأجل الصفة، (عن عبد الله بن عمرو)؛ أي: ابن العاص رضي الله عنه (قال: تخلَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ أي: تأخر خلفنا (في سفر سافرناه) وفي السابقة: (في سفرة سافرناها) كما في رواية هنا، وهو من مكة إلى المدينة، كما في «مسلم»، (فأدركَنا)؛ بفتح الكاف؛ أي: النبيُّ الأعظم عليه السلام (وقد أرهقْنا)؛ بإسكان القاف (الصلاةَ) بالنصب على المفعولية؛ أي: ضاق وقتها، وفي رواية: (أرهقتنا) بزيادة مثناة للتأنيث وفتح القاف، و (الصلاةُ) : بالرفع على الفاعلية (صلاةَُ العصر) بالنصب أو الرفع على البدلية من (الصلاة) (ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا)؛


(١) في الأصل: (حرمانًا)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».
(٢) في الأصل: (الهمزة)، وليس بصحيح.
(٣) في الأصل: (والثالث)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>