للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الافتراش؟!

وعلى ما قاله؛ إن من فهم هذا المعنى لا يكون ممن يدرك دقائق المعاني ومدارك الألفاظ العربية، وهو كذلك فإن من يدرك ذلك لا يقول هذا الكلام المتناقض، ولا يحمل هذا الحمل الباطل، وفوق كل ذي علم عليم.

وفي الحديث: دليل على صحة صلاة الصبي.

وفيه: دليل على صحة صلاة الرجل الذي صلى محاذيًا للصبي خلافًا لمن زعم فساد صلاته.

وفيه: أن إمامة المرأة للرجال غير صحيحة؛ لأنَّه إذا كان مقامها متأخرًا عن مرتبة الصبي فبالأولى ألَّا تتقدمهم إمامة النساء مطلقًا، وحكى بعض العلماء إجازة إمامة الصبي والمرأة في التراويح إذا لم يوجد قارئ غيرهما.

واستدل الإمام أبو يوسف ومحمد بن الحسن وتبعه الشافعي على أن الأفضل في نوافل النهار أن تكون ركعتين، وقال الإمام الأعظم: الأفضل في النهار الأربع، وأجاب عن هذا الحديث: أنه إنَّما فعله؛ لبيان الجواز ولأجل التعليم.

وزعم ابن حجر أن فيه الاقتصار على نافلة النهار على ركعتين خلافًا لمن اشترط أربعًا.

ورده إمام الشَّارحين فقال: إن كان مراده الإمام الأعظم؛ فليس كذلك؛ لأنَّه لم يشترط ذلك، بل قال: الأربع أفضل، سواء كان في الليل أو النهار، انتهى.

قلت: فانظر إلى ما زعمه ابن حجر؛ فإنه لم يفرق بين الاشتراط وبين الأفضل، على أنَّ هذا الحديث من صلاته عليه السَّلام ركعتين إنَّما كان لأجل التعليم؛ فإنه عليه السَّلام أراد تعليم أفعال الصلاة مشاهدة مع تبركهم بذلك، ومعلوم أن بالصلاة ركعتين يحصل التعليم وهو المقصود، فليس فيه دليل على أن الأفضل في النهار ركعتان (١)؛ لأنَّه قد ورد على سبب، يدل لهذا قوله في الحديث: (فصلى لنا)؛ أي: لأجلنا، وإنما عادته عليه السَّلام في صلاة الليل والنهار الأربع، كما دل على ذلك أحاديث كثيرة، وكأن ابن حجر لم يطلع (٢) على ذلك؛ فافهم.

وفي الحديث: استحباب تنظيف مكان المصلى من الأوساخ، وكذلك التنظيف من الكناسات والزبالات.

وفيه: أن الأفضل أن تكون النوافل في البيت؛ لأنَّ المساجد تبنى لأداء الفرائض.

وفيه: الصلاة في دار الداعي وتبركه بها.

وفيه: استحباب التعليم لأفعال الصلاة مشاهدة.

وزعم ابن حجر أن المرأة قلما تشاهد أفعاله عليه السَّلام في المسجد؛ فأراد عليه السَّلام أن تشاهدها وتتعلمها وتعلمها غيرها.

قلت: وفيه نظر؛ فإن النساء كن يخرجن إلى المساجد ويصلين معه عليه السَّلام كما هو ثابت في الصحيح، ولا ريب أن من صلى مع آخر يشاهد أفعاله ويتعلمها؛ فإنه بسبب اقتدائهن به ضرورة يتعلمن أفعاله ويشاهدن خصاله، ولكن عليه السَّلام في هذا الحديث إنَّما أراد التعليم؛ لعلمه أن هذه العجوز لا تخرج إلى المسجد، فلم تشاهد أفعاله؛ لضعف بنيتها، وعدم قدرتها على الخروج، فكأنه عليه السَّلام لم يرها في المسجد، فأراد تعليمها في بيتها، والظاهر: أنه عليه السَّلام أراد أيضًا تعليمها الوضوء، يدل عليه رواية الدارقطني عن أنس قال: صنعت مليكة طعامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكل منه وأنا معه، ثم دعا بوضوء فتوضأ، ثم قال لي: «قم فتوضأ، ومُرِ العجوز فلتتوضأ، ومُرْ هذا اليتيم فليتوضأ، فلأصلي لكم...»؛ الحديث، فهذا يدل على أنه عليه السَّلام أراد تعليمها مع اليتيم أفعال الوضوء والصلاة، فإن الوضوء لم تشاهده، وكذلك الصلاة؛ لكونها عجوزة لا قدرة لها على الخروج لضعفها وكبر سنها؛ فافهم.

وفي الحديث: إجابة الدعوة وإن لم تكن وليمة عرس، والأكل من طعامها.

وفيه: جواز صلاة النافلة بالجماعة وهو جائز عندنا من غير كراهة؛ لأنَّه على سبيل التداعي، أما إذا لم يكن على سبيل التداعي؛ فكره أئمتنا الأعلام وجماعة التنفل بالجماعة في غير رمضان.

فإن قلت: جاء في رواية أبي المسيح: (فحضرت الصلاة)، وفي رواية مسلم: (فربما تحضر الصلاة وهو في بيتها).

قلت: لا يلزم من حضوروقت الصلاة أن صلاته عليه السَّلام في بيت مليكة كانت للفرض، ألا ترى أن في الرواية الأخرى لمسلم: («قوموا فلأصلي لكم» في غير وقت صلاة، فصلى بنا) على أنه لم ينقل عنه عليه السَّلام أنه ترك صلاة الجماعة في المسجد، ولهذا قال بعض أئمتنا الأعلام: إن صلاة الجماعة واجبة؛ لمواظبته عليه السَّلام عليها، وقال أحمد: إنها فرض، والصحيح عندنا أنها سنة مؤكدة، وظاهر حديث الباب وغيره: أن صلاته عليه السَّلام في بيت مليكة كانت نافلة، ومعنى قوله في الرواية: (فحضرت الصلاة)؛ أي: هيِّئ مكانها من بسط الحصير وكنسه ورشه، وفراغ وضوء أنس واليتيم والعجوز، فهذا معنى حضورها، والله تعالى أعلم.

(٢١) [باب الصلاة على الخمرة]

هذا (باب) حكم (الصلاة على الخُمْرة)؛ بضم الخاء المعجمة وسكون الميم: سجادة صغيرة من سعف النخل تزمل بخيوط.

فإن قلت: قد ذكر المؤلف ذلك في حديث ميمونة في الباب الذي قبل باب (الصلاة على الحصير)، فما فائدة إعادته هنا؟

قلت: لأنَّه رواه هناك عن مسدد مطولًا، وههنا رواه عن أبي الوليد مختصرًا، فأعاده موافقة له، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: يعني أنه ذكر هناك حكم الصلاة على الخمرة استطرادًا وتبعًا لحكم ما إذا أصاب ثوب المصلى امرأته إذا سجد، وههنا ذكر حكم الصلاة على الخمرة استقلالًا بانفراده وحده على حدة؛ فافهم.

[حديث: كان النبي يصلي على الخمرة]

٣٨١ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدَّثنا أبو الوَلِيد) هو هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدَّثنا شُعْبة) هو ابن الحجاج (قال: حدَّثنا سُلَيْمان الشَّيبَانِي) هو أبو إسحاق سليمان بن فيروز التابعي، (عَنْ عَبْد اللّه بْنِ شَدَّادِ) هو ابن الهاد المدني، (عَن مَيْمُونَةُ) هي بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها (قَالَتْ: كَانَ النَبِيُّ) الأعظم، وللأصيلي: (رسول الله) (صلَّى الله عليه وسلَّم) وجملة قولها (يُصَلِّي) محلها النصب خبر (كان) (عَلَى الخُمْرَةٍ)؛ بضم الخاء المعجمة وسكون الميم: سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل، وتزمل بالخيوط، وسميت خمرة؛ لأنَّها تستر وجه المصلي عن الأرض، ومنه سمي الخمار الذي يستر الرأس، والخمرة تطلق على التي كانت قدر طول الرجل أو أكثر أو أقل منه، وجمعها: خُمُر بضمتين.

وإفادة لفظة (كان) أنه عليه السَّلام كان يصلي على الخمرة دائمًا


(١) في الأصل: (ركعتين)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (يضطلع)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>