للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وفيه نظر؛ لأنَّ فائدة الوجوب للأداء وهو أمر اختياري، فأضيف الوجوب إلى الأداء؛ لهذا المعنى)؛ فتأمل.

وقيل: إن السبب الجنابة أو ما في معناها، واختاره في «غاية البيان».

وقيل: إن السبب وجوب ما لا يحل مع الجنابة، واختاره المحقق في «فتح القدير».

وقيل: إن السبب إرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة من صلاة، وقراءة قرآن، ودخول مسجد، ومس مصحف، واختاره في «الكافي»، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام في «المبسوط»، وتمامه في شرحنا على «القدوري» المسمى بـ «منهل الطلاب»، والله أعلم بالصواب.

[حديث: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل]

٢٩١ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا مُعاذ) بضمِّ الميم أوله، وبالذال المعجمة آخره (بن فَضالة) بفتح الفاء، وتخفيف الضاد المعجمة، البصري (قال: حدثنا هشام)؛ هو الدستوائي. (ح) : مهملة بين الإسنادين من التحويل، وتقدم أن الأصح أنها للتحويل، قال العجلوني: وفي بعض النسخ هي ساقطة؛ لإغناء الواو عنها في قوله: وحدثنا) انتهى.

قلت: وهو ممنوع فإن فائدة ثبوت (ح) الإشارة إلى تعدد الإسناد، وهي للتحويل من إسناد إلى آخر، و (الواو) لا تدل على هذا بدونها، الأصح ضمها إليه، فهما متلازمان في الدلالة؛ فافهم.

(وحدثنا أبو نُعيم)؛ بضمِّ النون، وسكون التحتية، هو الفضل بن دُكين؛ بضمِّ الدال المهملة، (عن هشام)؛ هو الدستوائي السابق، وإنما فرقهما؛ لأنَّ أبا نعيم قال: (عن)، ومعاذًا قال: (حدثنا)، والرواة إلى الصحابي كلهم بصريون، كذا في «عمدة القاري»، (عن قَتادة) بفتح القاف، هو ابن دعامة المفسر، (عن الحسن) هو البصري، (عن أبي رافع)؛ هو نُفيع -بضمِّ النون- مصغرًا الصائغ؛ بالمهملة آخره معجمة، (عن أبي هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، (عن النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أنه (قال: إذا جلس) الضمير المرفوع فيه، وفي (جهد) يرجع إلى (الرجل)، وأما الضمير الذي في (شعبها) وفي (جهدها) يرجعان إلى المرأة، وإن لم يمض ذكرها؛ لدلالة السياق عليه، كما في قوله تعالى: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص: ٣٢]، كذا في «عمدة القاري»، وقد صرح بذلك في رواية لابن المُنْذِر من وجه آخر عن أبي هريرة قال: إذا غشي الرجل امرأته فقعد (بين شُعَبها الأربع)؛ بضمِّ الشين المعجمة، وفتح العين المهملة، جمع شعبة، ويروى: (أشعبها) جمع شعيب، وقال ابن الأثير: الشعبة: الطائفة من كل شيء، والقطعة منه، والشعب: النواحي، واختلفوا في المراد بالشعب الأربع؛ فقيل: هي اليدان والرجلان، وقيل: الرجلان والفخذان، وقيل: الرجلان والشفران، واختار القاضي عياض: أن المراد من الشعب الأربع: نواحيها الأربع، والأقرب أن يكون المراد اليدين والرجلين والفخذين، ويكون الجماع مكنيًّا عنه بذلك يكتفى بما ذكر عن التصريح، وإنما رجح هذا؛ لأنَّه أقرب إلى الحقيقة في الجلوس بينهما، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري»، (ثم جَهَدها)؛ بفتح الهاء والجيم؛ أي: بلغ جهده في العمل فيها، وقيل: بلغ مشقتها، يقال: جهدته وأجهدته (١)؛ إذا بلغت مشقته، وقيل معناه: كدها بحركته.

وفي رواية مسلم من طريق شعبة عن قتادة: (ثم اجتهد)، وقيل: الجهد من أسماء النكاح، فمعنى (جَهَدها) : جامعها، وإنما عدل إلى الكناية؛ للاجتناب عما يفحش ذكره صريحًا، وروى أبو داود من طريق شعبة وهشام معًا، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان؛ فقد وجب الغسل»؛ أي: موضع الختان بموضع الختان؛ لأنَّ الختان اسم للفعل، وهذا يدل على أن الجهد هنا كناية عن معالجة الإيلاج.

وفي رواية البيهقي من طريق ابن أبي عَروبة عن قتادة: (إذا التقى الختانان؛ فقد وجب الغسل)، ورواه ابن ماجه من طريق القاسم بن محمَّد، عن عائشة برجال ثقات، ورواه مسلم من طريق أبي موسى الأشعري، عن عائشة، ولفظه: (مس الختان الختان)، والمراد بالمس: الالتقاء، يدل عليه رواية الترمذي، ولفظه: (إذا جاوز)، وليس المراد حقيقة المس حتى لو حصل المس بدون التقاء الختانين؛ فلا يجب الغسل بلا خلاف، كذا في «عمدة القاري».

(فقد وجب الغسل)؛ أي: على كل من الرجل والمرأة، ولا يتوقف على نزول المني، بل متى غابت الحشفة في الفرج؛ وجب الغسل عليهما وإن لم يوجد الإنزال، يدل عليه رواية مسلم من طريق ابن الوراق، عن الحسن في آخر هذا الحديث: (وإن لم ينزل)، ووقع ذلك في رواية قتادة أيضًا.

رواه ابن أبي خيثمة في «تاريخه» عن عفان قال: حدثنا همام وأبان؛ قالا: أخبرنا قتادة به، وزاد في آخره: (أنزل أو لم ينزل)، وكذا رواه الدارقطني، وصححه من طريق علي بن سهل، عن عفان، وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي عن حمَّاد بن سَلَمَة، عن قتادة، ولا فرق في ذلك بين أن يكون قبلًا أو دبرًا، طائعًا أو مكرهًا، نائمًا أو مستيقظًا، فإن الفسقة يرجحون قضاء الشهوة من الدبر على قضائها من القبل؛ لما يدعون فيه من اللين والحرارة والضيق، والمراد: غيبوبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها، أما مجرد التلاقي؛ فلا يوجب الغسل، لكنه يوجب الوضوء عند الإمام الأعظم والإمام أبي يوسف؛ لأنَّ ذلك لا يخلو على ظهور مذي غالبًا، فصار كالمتحقق، وقال الإمام محمَّد: لا يجب حتى يظهر المذي.

وقيدنا بالرجل والمرأة؛ لأنَّه لو أولج في فرج بهيمة؛ لا يجب الغسل إلا بالإنزال، لكنه يعزَّر وتذبح البهيمة وتحرق على وجه الاستحباب، ولا يحرم أكل لحمها، كذا في «القنية»، وكذلك الميتة إذا أولج في فرجها لا يجب الغسل إلا أن ينزل، ولا يجب الوضوء فيه في المسألتين كما في «شرح النقاية» للعلامة القهستاني، لكنه يغسل ذكره ندبًا، وقيدنا بالرجل والمرأة احتراز عن الصغيرة الغير المشتهاة؛ فلا يجب الغسل بوطئها إلا أن ينزل؛ لعدم كمال السببية، وقال في «السراج» : (فيه خلاف؛ فقيل: يجب الغسل مطلقًا سواء أفضاها -أي: خلط مسلك سبيلها- أم لا، وقيل: لا يجب مطلقًا، والصحيح: أنه إذا أمكن الإيلاج في محل الجماع من الصغيرة ولم يفضها فهي ممن يجامع مثلها؛ فيجب الغسل، لكن قد صرحوا بأن وجوب الغسل مشروط بزوال البكارة، كما هو مشروط في الكبيرة، ففيها بالأولى)، وقال في «البحر» : (بقاء البكارة دليل على عدم الإيلاج، فلا يجب الغسل)، كما اختاره في «النهاية»، والمراد بالصغيرة: التي لا يجامع مثلها هي بنت ست مطلقًا، أو سبع، أو ثمان إذا لم تكن عبلة؛ أي: سمينة ضخمة، كما في «شرح المنية»، ولو لف على ذكره خرقة وأولج ولم ينزل، قال بعضهم: يجب الغسل، وقال بعضهم: لا يجب، والأصح أنه إن كانت الخرقة رقيقة بحيث يجد حرارة الفرج واللذة؛ وجب الغسل، وإلا؛ فلا، والأحوط وجوب الغسل في الوجهين، كذا في «البحر» عن «السراج».

والصبي ابن عشر لو جامع زوجته البالغة؛ يجب عليها الغسل؛ لوجود إيلاج الحشفة، ولا يجب عليه؛ لانعدام الخطاب إلا أنه يؤمر بالغسل تخلقًا واعتيادًا، كما في «الخانية»، ولا بد أن يكون الصبي ممن يشتهى؛ لأنَّه لو لم يكن كذلك؛ لا يجب عليها الغسل، كما في «الدر»؛ لأنَّ ذكره بمنزلة الإصبع، ولا يجب الغسل بإدخال إصبع ونحوه؛ كذكر غير آدمي؛ كجني، وقرد، وحمار، وذكر خنثى مشكل، وذكر ميت، وصبي لا يشتهى، وما يضع على صورة الذكر من خشب ونحوه في الدبر أو القبل على المختار، كما في «التجنيس».

لكن في «حواشي نوح أفندي»، و «شرح المنية» : (أن المختار وجوب الغسل في القبل إذا قصد الاستمتاع؛ لغلبة الشهوة فيهن، فأقيم السبب مقام المسبب وهو


(١) في الأصل: (اجتهدته)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>