للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بكسر الهاء: هو ابن عروة (قال: حدثني) بالإفراد (أبي) هو عروة بن الزُّبير بن العوام (عن) خالته (عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما، زوج النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، (قالت: كان النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) هذا التركيب وأمثاله يفيد الدوام والاستمرار؛ لوجود لفظة (كان) فإنَّها لإفادة ذلك؛ فافهم، (يصلِّي)؛ أي: صلاته من الليل، وقوله: (وأنا راقدة)؛ أي: نائمة، جملة حالية، وقوله: (معترضة) : صفة لـ (راقدة)، أو خبر بعد خبر، وقوله: (على فراشه) : متعلق بـ (راقدة) أو بـ (معترضة) والأظهر: الأول، وهل اعتراضها كان بين النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وبين القبلة، أو كانت منحرفة عنه؟ والظَّاهر: الأول؛ لما سبق من حديثها: أنها كانت تعترض بينه وبين القبلة، ولأن البيوت كانت وقتئذ ضيقة لا تسع غير الفراش أو الفراشين؛ فتأمل، (فإذا أراد أن يوتر)؛ أي: فإذا فرغ من صلاته النافلة وأراد النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم أن يصلِّي الوتر الواجب في آخر الليل؛ (أيقظني) من الإيقاظ؛ أي: نبهني من النَّوم؛ لأجل أن أصلي معه (فأوترتُ معه)؛ بتاء المتكلمة لا الغائبة؛ أي: صلَّيت معه الوتر، ففيه: استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه، وفيه: أن صلاة الوتر إمامًا في غير رمضان إذا كانت على سبيل التداعي؛ غير مكروهة، وهذا مذهب الإمام الأعظم رأس المجتهدين، وأصحابه، والجمهور.

ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرة، لا يقال: إن التَّرجمة خلف النائم، والحديث خلف (١) النائمة؛ لأنَّا نقول: حكم الرجال والنساء واحد في الأحكام الشرعية إلا ما خصَّه الدليل، على أنَّه إذا جاز خلف النائمة؛ فخلف النائم بالطريق الأولى، وأراد بـ (النائم) : الشخص النائم ذكرًا كان أو أنثى، ففي الحديث: دليل على أنَّ الصلاة خلف النائمين جائزة بلا كراهة عندنا.

وقال ابن بطال: الصلاة خلف النائم جائزة إلا أن طائفة كرهتها؛ خوف ما يحدث من النائم فيشتغل المصلي به أو يضحكه؛ فتفسد صلاته، وقال مالك: لا يصلِّي إلى نائم إلا أن يكون دونه سترة، وهو قول طاووس، وقال مجاهد: أصلي وراء قاعد أحب إلي من أن أصلي وراء نائم، انتهى.

قلت: وما قالت به الطَّائفة من الكراهة وتعليلهم بالخوف؛ أمر موهوم غير محقق، والأحكام لا تبنى على الوهم، وما قاله مالك؛ فيه نظر؛ لأنَّه ليس للسترة فائدة، فإن مشروعية السترة درء المارين، ولا نعهد نائمًا يمشي، فإن كان مراده بنفي الصلاة إلى النائم: الكراهة وبوجود السترة تنتفي الكراهة؛ فلا وجه له؛ لأنَّ علة الكراهة: ظهور شيء يشغل المصلي أو يضحكه، وإن كان مراده أنه لا بدَّ من السترة؛ فهي لا تفيد شيئًا، وليست مشروعة، كما لا يخفى.

وروى أبو داود عن ابن عبَّاس: أن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث»، وأخرجه ابن ماجه أيضًا، وروى البزار عن ابن عبَّاس أن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم قال: «نهيت أن أصلي إلى النيام والمتحدثين»، وروى ابن عدي عن ابن عمر نحوه، وروى الطَّبراني عن أبي هريرة نحوه.

وأجاب الإمام البخاري وأشار بهذه التَّرجمة إلى ضعف هذه الأحاديث، ولهذا قال أبو داود: طرق حديث ابن عبَّاس كلها واهية، كما في «عمدة القاري».

وقال الخطابي: حديث ابن عبَّاس لا يصحُّ؛ لضعف سنده، قال إمام الشَّارحين في «عمدة القاري» : وفي سند أبي داود رجل مجهول، وفيه عبد الله بن يعقوب لم يسمِّ مَنْ حدَّثه، وفي سند ابن ماجه أبو المقدام هشام بن زياد البصري لا يحتج بحديثه، وحديث أبي هريرة وابن عمر واهيان أيضًا، وروى البزار عن محمَّد ابن الحنفية عن أبيه علي رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلِّي إلى رجل، فأمره أن يعيد الصلاة، قال: يا رسول الله؛ إني صليت وأنت تنظر إلي)، قال: هذا حديث لا نحفظه إلا بهذا الإسناد، وكأنَّ هذا المصلي كان مستقبل الرجل بوجهه؛ فلم يتنح عن حياله.

وروى أبو بكر ابن أبي شيبة عن مجاهد: (أن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلَّى خلف النُّوام والمتحدثين)، وفي سنده عبد الكريم بن أمية؛ وهو متروك الحديث، انتهى.

والحاصل: أن هذه الأحاديث ضعيفة لا يحتج بها، لا يقال: إنها تتقوى بتعدد طرقها واختلاف أسانيدها؛ لأنَّا نقول: إن تقوت؛ فهي محمولة على ما إذا كان للمتحدثين أصوات يخاف منها التغليط أو الشغل للمصلي، وعلى ما إذا (٢) كان للنائمين شيء يظهر فيضحك المصلي فيفسد صلاته، وفي الحديث: استحباب إيقاظ النائم للطاعة، وفيه: أن الوتر يكون بعد النَّوم، والله تعالى أعلم.

(١٠٤) [باب التطوع خلف المرأة]

هذا (باب) حكم صلاة (التطوع)؛ أي: النافلة، ومثلها الفريضة والواجبة (خلف المرأة) ومثله خلف الرجل بالأولى، هل هو جائز مع الكراهة أو بدونها؟ ويجوز التنوين في لفظة: (باب) فـ (التطوع) : مبتدأ، والظرف خبره متعلق بخاص؛ نحو: جائز؛ للقرينة على ذلك، وما قدرناه هو ما ارتضاه إمامنا الشَّارح في «عمدة القاري»، وتبعه القسطلاني، وهو أولى مما زعمه العجلوني؛ لأنَّه قاصر، وفيه ركاكة مع خفاء المعنى المراد منه؛ فافهم.

[حديث: قالت كنت أنام بين يدي رسول الله ورجلاي في قبلته]

٥١٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي المنزل (٣) الدمشقي المولد (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي المدني، (عن أبي النَّضْر)؛ بفتح النُّون وسكون المعجمة: هو سالم المدني (مولى عمر بن عبيد الله)؛ بالتصغير: هو التيمي المدني، (عن أبي سَلَمَة)؛ بفتحات: هو عبد الله (بن عبد الرحمن) هو ابن عوف رضي الله عنه، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر (زوجِ النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) ورضي الله عنهما، وهو بالجر صفة لـ (عائشة) (أنها قالت: كنت أنام) أي: في حجرتي (بين يدي) بالتثنية (رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو في حجرتها يصلي التهجد ليلًا (ورجلاي) بصيغة التثنية (في قبلته) جملة اسمية وقعت حالًا؛ أي: في مكان سجوده، (فإذا سجد)؛ أي: فإذا أراد عليه السَّلام السُّجود؛ (غمزني) : من الغمز باليد أو ضربني بيده من غير حائل، كما هو الأصل، وفي «الصِّحاح» : غمزت الشيء باليد وغمزته بعيني، قال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: ٣٠]، وفي «القاموس» : غمزه بيده: شِبْهُ لهزه، شِبْهُ نخسه، وبالعين والجفن والحاجب: أشار، انتهى، فالمراد ههنا: الغمز باليد، قال الكرماني: فالغمز قبل السُّجود لا فيه؛ لأنَّ (إذا) للاستقبال، انتهى.

وروى أبو داود من حديث أبي سلمة عن عائشة أنها قالت: (كنت أكون نائمة ورجلاي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل، فإذا أراد أن يسجد؛ ضرب رجلي، فقبضتها، فسجد)، كذا في «عمدة القاري».

قلت: وهذه الرواية أصرح في المقصود؛ لأنَّها بيَّنت أن المراد بالغمز: الضرب باليد، وهو الموافق لما في كتب اللُّغة؛ فليحفظ.

وزعم القسطلاني عند قوله: (غمزني بيده)؛ أي: مع حائل، انتهى.

قلت: وهذا تفسير من عنده، ذكره ترويجًا لما ذهب إليه الشَّافعي: من أن المسَّ باليد مبطل للوضوء، والحق الصَّواب: أن هذا فاسد الاعتبار؛ لأنَّ قولها: (غمزني)؛ أي: بيده بدون حائل فإنَّه الأصل، ولو كان ثمة حائل؛ لصرَّحت به، على أنَّه -الرِّجْل واليد عند أهل التحقيق- كانتا بغير حائل، بل كان ذلك بالمسِّ؛ البشرة على البشرة، ويدل لذلك رواية أبي داود فإنَّها مصرحة


(١) في الأصل: (خالف)، ولعله تحريف.
(٢) في الأصل: (ذا)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٣) في الأصل: (الأصل)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>