للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المرأة.

(قال) عليه السلام: (مَهْ)؛ بفتح الميم وسكون الهاء؛ اسم للزجر؛ بمعنى: (اكفف)، فإنْ وصلتَ (١)؛ نَوَّنتَه كان نكرة، وإذا حُذف؛ كان معرفة.

فنهاها عليه السلام عن مدح المرأة بما ذكرته أو عن تكلف عمل ما لا يطاق.

وعند مالك: وفيه: (فقيل له: هذه الحولاء لا تنام الليل، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عُرفتِ الكراهة في وجهه)، فهذا يدل للاحتمال الثاني.

ولذا قال: (عليكم) من العمل (بما) بموحدة، وفي رواية بدونها (تطيقون)؛ أي: بالذي تطيقون المداومة عليه، وحذف العائد للعلم به، ويفهم منه النهي عن تكليف ما لا يطاق، وسبب وروده خاص بالصلاة، لكن اللفظ عام فيشمل جميع الأعمال، وعدل عن خطاب النساء إلى خطاب الرجال؛ طلبًا لتعميم الحكم، فغلَّب الذكور على الإناث في الذِّكْر، أفاده في «عمدة القاري»، (فوالله لا يمَل الله) من الملالة؛ وهي السآمة والضجر (حتى) أنْ (تَمَلُّوا)؛ بفتح الميم في الموضعين؛ وهو من باب المشاكلة والازدواج؛ وهو أن يكون إحدى اللفظين موافقة للأخرى وإن خالفت معناها، والملال: ترك الشيء استثقالًا وكراهية له بعد حرص ومحبة فيه، وهذا من صفات المخلوق لا الخالق عز وجل، فيحتاج إلى التأويل، فقال المحققون: هو على سبيل المجاز؛ لأنَّه تعالى لمَّا كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل مَلالًا؛ عبَّر عن ذلك بالمَلال من باب تسمية الشيء باسم سببه، أو معناه: لا يقطع عنكم فضله حتى تمَلُّوا سؤاله.

(وكان أحبَّ الدين)؛ أي: الطاعة، ومنه الحديث في صفة الخوارج: «يمرقون من الدين»؛ أي: من طاعة الأئمة، ويجوز أن يكون فيه حذفًا؛ تقديره: أحب الأعمال الدين (إليه)؛ أي: إلى النبي الأعظم عليه السلام، وفي رواية: (إلى الله)، وليس بين الروايتين تخالف؛ لأنَّ ما كان أحب إلى الله؛ كان أحب إلى رسوله، وفي رواية: (وكان أحبُّ) بالرفع اسم (كان)، (ما داوم) من المداومة؛ وهي المحافظة؛ أي: حافظ وواظب (عليه صاحبه) وإن قَلَّ، فبالمداومة على القليل تستمر الطاعة، بخلاف الكثير الشاق، وربما يزيد القليل الدائم على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة، والمجرور محله نصب خبر (كان)، و (صاحبه) مرفوع بـ (داوم)، وكلمة (ما) للمدة، والتقدير: مدة دوام صاحبه عليه، وفي الحديث دلالة على استعمال المجاز؛ وهو إطلاق المَلل عليه تعالى، وجواز الحلف من غير استحلاف، وأنه لا كراهة فيه وهو مذهب الإمام الأعظم، وقال الشافعي: يكره، وفيه بيان شفقته عليه السلام ورأفته بأمته، وفيه دليل على أن صلاة الليل كلِّه مكروهة، ونفاها مالك ما لم يضر ذلك بصلاة الصبح، والله تعالى أعلم.

(٣٣) [باب زيادة الإيمان ونقصانه]

(بابُ زيادةِ الإيمان ونقصانه) بإضافة (باب) لتاليه قطعًا، (وقولِ الله تعالى) بالجرِّ عطفًا على ما قبله، وفي رواية: (عز وجل) : ({وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: ١٣]) هو الدلالة الموصلة إلى البغية، أو الدلالة مطلقًا؛ لقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي} [الشورى: ٥٢]؛ أي: لتدل، والمعنى: زدناهم دلالة على ما أنزلناه من امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وقوله: ({وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانا} [المدثر: ٣١]) قال البيضاوي: بالإيمان به، انتهى، فيكون المراد بالازدياد: الازدياد بحسب الكمية لازدياد متعلَّقه، فإنَّ الإيمان قد كان يزداد به يومًا فيومًا في زمان الوحي بحسب ازدياد ما يجب الإيمان به؛ فإنَّ مَن آمن بجميع ما جاء من عند الله قبل نزول ما يدل على عدد الزبانية إذا نزل عليهم قوله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: ٣٠] فآمنوا به أيضًا؛ فلا شك أنه يزداد إيمانهم بحسب الكمية لازدياد متعلقه؛ كذا قرره شيخ زاده.

(وقال) بلفظ الماضي، ولم يقل: (وقوله) موافقة لأخويه؛ لبيان غرضه: ({اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣])؛ أي: أكملت لكم شرائع دينكم؛ لأنَّها نزلت يوم كملت الفرائض، والسنن، واستقرار الدين، ولم يقل أحد: إن الدين كان ناقصًا إلى وقت نزول هذه الآية حتى أكمله في هذا اليوم، وإنما المراد: إكمال شرائع الدين في هذا اليوم؛ لأنَّ الشرائع نزلت شيئًا فشيئًا طول مدة النبوة، فلما كملت الشرائع؛ قبض الله نبيه عليه السلام، وليس المراد: التوحيد؛ لوجوده قبل نزول الآية، فإنِ ادَّعى أحدٌ أن الأعمال من الإيمان؛ فليس يتصور؛ لأنَّه يلزم أن يكون كمال الإيمان في هذا اليوم، وقبله كان ناقصًا؛ لأنَّ الشرائع التي هي الأعمال ما كملت إلا في هذا اليوم؛ كذا في «عمدة القاري».

وقال الفاضل الزمخشري: أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام، والتوقيف على الشرائع، وقوانين القياس، وأصول الاجتهاد، انتهى، ومثله ذكر البيضاوي.

فإن قلت: إذا كان تفسير الآية ما ذكر، فما وجه استدلال المؤلف بها على زيادة الإيمان ونقصانه؟ أجيب: بأن الكمال مستلزم للنقص وهو يستدعي قبوله الزيادة.

ومن ثَم قال: (فإذا ترك) وفي رواية: (فإذا تركت) (شيئًا من الكمال؛ فهو نقص)، فيلزم من هذا أن يكون إيمان من مات من الصحابة قبل نزول الفرائض أو بعضها ناقصًا، ولا قائل به؛ لأنَّ الإيمان لم يزل تامًّا، وأجاب القسطلاني: بأنَّ النقص بالنسبة إلى الذين ماتوا قبل نزول الفرائض من الصحابة صوريٌّ نسبيٌّ، ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى، فالأكمليَّة أمر نسبيٌّ، انتهى.

قلت: لا نسلِّم أنَّ إيمانهم ناقص؛ لأنَّ من مات قبل نزول الفرائض على صحبته؛ فهو كامل الإيمان؛ لأنَّ الواجب عليه الإيمان بالله وبرسوله وما جاء به إجمالًا، وقد حصل منه ذلك، فلا يكون إيمانه ناقصًا؛ بل هو تامٌّ، كمن مات بعد نزول الفرائض على صحبته، وقوله: (صوريٌّ نسبيٌّ)؛ أي: بحسب الصورة والنسبة، ولا شكَّ أنَّ من نسب إلى النقص؛ فهو ناقص لا محالة، فإن قيل: مَن نسب إلى النقص لا يلزم أن يكون ناقصًا؛ قلنا: بل هو ناقص؛ إمَّا على النقص التام، أو نقص في بعض الجهات، فرجع الأمر إلى نقص إيمانهم، ولا قائل به، فتحصَّل من هذا: أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن مَن مات قبل نزول الفرائض من الصحابة؛ فهو كامل الإيمان، والله تعالى أعلم.

[حديث: يخرج من النار من قال لا إله إلا الله]

٤٤ - وبه قال: (حدثنا مُسلِم) بضم الميم وكسر اللام مخففًا (بن إبراهيم) أبو عمرو البصري الأزدي الفَرَاهِيدي؛ بفتح الفاء والراء، وبالهاء المكسورة، والمثناة التحتية، والدال المهملة وقيل: معجمة؛ بطن من الأزد مولاهم، القصاب أو الشحام، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومئتين (قال: حدثنا هِشام)؛ بكسر الهاء: ابن أبي عبد الله سندر، الرَّبَعي بفتح الراء والموحدة؛ نسبة إلى ربيعة بن نزار بن معَدِّ بن عدنان، البصري، الدَّسْتَُوائي؛ بفتح الدال وسكون السين المهملتين، بعدهما مثناة فوقية مفتوحة أو مضمومة، مهموز من غير نون، نسبة إلى كورة من كور الأهواز؛ لبيعه الثياب المجلوبة منها، المتوفى سنة أربع وخمسين ومئة، وكان يُرمى بالقدر؛ لكنه لم يكن داعية، (قال: حدثنا قتادة) هو ابن دِعامة، (عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم قال: يَخرج من النار)؛ بفتح المثناة تحت: من الخروج، وفي رواية: بضم المثناة؛ من الإخراج في جميع الحديث، فقوله: (مَن قال) محلُّه رفع على الوجهين، فالرفع على الأول على الفاعلية، وعلى الثاني على النيابة عن الفاعل، و (مَن) موصولة، وما بعدَها جملة صلتها، ومقول القول: (لا إله إلا الله)؛ أي: مع قول: محمد رسول الله، فالمراد المجموع، وصار الجزء الأول منه علمًا للكل؛ كما يقال: قرأت {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ}؛ أي: قرأت السورة، أو كان هذا قبل مشروعية ضمِّها إليه؛ كذا ذكر الاحتمالين الشيخ الإمام بدر الدين العيني.

قلت: الظاهر هو الاحتمال الأول، ولذا نظر القسطلاني في الاحتمال الثاني، ولم يذكر وجهه، ولعل وجهه: أن الإيمان لا يكون إلَّا بتصديق التوحيد بالله وبرسوله معًا، وأنَّ ذلك هو الذي يطلق عليه الإيمان، وقد يجاب: بأنَّ قوله: (قبل المشروعية)؛ أي: حال قيام النبوة؛ فإنَّ النبي أولًا شرع لهم التوحيد لله؛ ردًّا عليهم من عبادة الأوثان، ثم بين لهم: أنِّي نبي مرسل إليكم، على أن المصدق بالله تعالى يلزمه التصديق برسوله؛ لأنَّه جاء من عند الله، فالإيمان بها إيمان إجمالًا، وهو كافٍ؛ كما قدمناه؛ فليحفظ.

(وفي قلبه وزن شعيرة) واحدة الشعير (من خيرٍ)؛ أي: من إيمان؛ كما في الرواية الأخرى، والتنوين فيه للقليل؛ ترغيبًا في تحصيله، والمراد به: الإيمان بجميع ما جاء به الرسول عليه السلام، والجملة اسميَّةٌ حالٌ، وفيه استعارة بالكناية؛ لأنَّ الوزن إنَّما يُتصوَّر في الأجسام دون المعاني، والإيمان معنى، ولكنه شبه الإيمان بالجسم، فأضيف إليه ما هو من لوازم الجسم؛ وهو الوزن.

(ويخرج من النار مَن قال: لا إله إلا الله) محمد رسول الله (وفي قلبه وزن بُرَّة)؛ بضم الموحدة وتشديد الراء المفتوحة: واحدة البُرِّ؛ وهي القمحة، (من خيرٍ، ويخرج من النار مَن قال: لا إله إلا الله) محمد رسول الله (وفي قلبه وزن ذَرَّة)؛ بفتح الذال المعجمة، وتشديد الراء المفتوحة: واحدة الذَّرِّ؛ وهو كما في «القاموس» : صغار النمل، ومئة منها زنة حبة شعير، انتهى.

وقيل: إنَّ الذر: الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤوس الإبر، وعن ابن عباس: إذا وضعت كفَّك على التراب ثم نفضتها، فما سقط من التراب؛ فهو ذرة.


(١) أي: بأن قلت: مهٍ مهٍ.

<<  <   >  >>