للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثوب بسطه فيه، أو في مكان يابس لا تعلق به نجاسةٌ، وقد قال عامَّة الفقهاء: إن من بسط على موضع نجس بساطًا وصلى فيه أنَّ صلاته جائزة، ولو على السرقين بغير بساط؛ لكان مذهبًا له، ولم يجز مخالفة الجماعة به) انتهى؛ يعني: أنه من فعل أبي موسى، وقد خالفه غيره من الصحابة؛ كابن عمر وغيره، فلا يكون حجة، والتمسك بعموم الأحاديث الصحيحة التي منها ما رواه ابن خزيمة، وصححه وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: «استَنْزِهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه»؛ أولى؛ لظهوره في تناول جميع الأبوال، فيجب اجتنابها؛ لهذا الوعيد الشديد، وقال ابن حجر معترضًا على ابن بطال: بأن الأصل عدم الحائل، وقد رواه سفيان في «جامعه» عن الأعمش، ولفظه: (صلى بنا أبو موسى على مكان فيه سرقين)، وهذا ظاهر أنه بغير حائل، ورده في «عمدة القاري» : (بأن الظاهر أنه كان بحائل؛ لأنَّ شأنه يقتضي أن يحترز عن الصَّلاة على السرقين) انتهى.

وزاد في الطنبور نغمة العجلوني، وقال: (بل الظاهر من قوله: (ههنا وثَمَّ سواء) في جواب اعتراضهم عليه أنه لم يحترز والحالة ما ذكر، ولا ينافي هذا ما تقدم أنه كان يشدد في البول؛ لأنَّ المراد به بول الناس) انتهى.

قلت: وهذا مردود وممنوع فإن قوله: (ههنا وثَمَّ سواء)؛ أي: في صحة الصَّلاة كما علمت، واعتراضهم عليه إنَّما كان لأجل أنهم كانوا في مهب ريح أو قرب نجاسة، فاعترضوا عليه؛ لأنَّه ربما يأتي على البساط من السرقين أو النجاسات، فالظاهر المتبادر أنه كان بحائل.

وقوله: (ولا ينافي هذا...) إلخ، بل هو منافٍ له حقيقة؛ لأنَّه إذا كان يشدد في البول؛ ففي غيره من السرقين من باب أولى، على أن المراد بالبول جميع الأبوال، ويدل له حديث: «استنزهوا من البول»، فإنه عام في جميع الأبوال، وإذا كان يحترز عن البول؛ ففي احترازه عن السرقين أولى؛ لأنَّه كان يرى الطهارة من النجاسة شرطًا في صحة الصَّلاة، ويدل له ما تقدم عن أبي نعيم، ولفظه: (صلى بنا أبو موسى في دار البريد وهناك سرقين الدواب)، فهذا ظاهر في أنه كان يحترز عن السرقين، وأنه كان بحائل؛ فليحفظ.

وزعم ابن حجر بأنه قد روى سَعِيْد بن منصور، عن سَعِيْد بن المسيِّب، وغيره: أن الصَّلاة على الطنفسة محدث، إسناده صحيح، ورده في «عمدة القاري» : بأن كون الصَّلاة على الطنفسة محدثة لا يستلزم أن يكون على الحصير ونحوه كذلك، فيحتمل أن يكون أبو موسى قد صلى في دار البريد أو السرقين على حصير أو نحوه، وهو الظاهر على أن الطَِّنفسة؛ بكسر الطاء وفتحها: بساط له خمل رقيق، ولم يكونوا يستعملونها في حالة الصَّلاة؛ لاستعمال المُسرِفين إياها، فكرهوا ذلك في الصدر الأول، واكتفَوا بالدون من السجاجيد تواضعًا، بل كان أكثرهم يصلي على الحصير، بل كان الأفضل عندهم الصَّلاة على التراب تواضعًا ومسكنة) انتهى كلامه رحمه ورضي عنه الله تعالى، اللهم؛ فرج عنا وعن المسلمين.

[حديث: قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم]

٢٣٣ - وبه قال: (حدثنا سُليمان) بضمِّ السين المهملة (بن حَرْب)؛ بفتح الحاء المهملة، وسكون الراء؛ ضد الصلح، الأزدي الواشحي؛ بمعجمة فمهملة، البصري القاضي بمكة، المتوفى سنة أربع وعشرين ومئتين عن ثمانين سنة (قال: حدثنا حمَّاد بن زيد)؛ هو ابن درهم الأزدي الجهضمي البصري، وفي نسخة: (عن حمَّاد بن زيد)، (عن أيُّوب)؛ هو البصري السختياني، (عن أبي قِلابة)؛ بكسر القاف، عبد الله، وتابعه أبو داود، وأبو عوانة، وأبو نعيم في روايتهم عن سليمان بن حرب، وخالفهم مسلم فأخرجه عن هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب، وزاد بين أيُّوب وأبي قِلابة أبا رجاء مولى أبي قلابة، قال الدارقطني وغيره: ثبوت أبي رجاء وحذفه في حديث حمَّاد بن زيد عن أيُّوب صواب؛ لأنَّ أيُّوب حدث به عن أبي قلابة بقصة العرنيين خاصة، وحدث به أيضًا عن أبي رجاء، عن أبي قلابة مولاه، وزاد فيه قصة في (القسامة) مع عمر بن عبد العزيز، والطريقان صحيحان، كذا قاله في «عمدة القاري»، وتمامه فيه، (عن أنس) زاد الأصيلي: (ابن مالك رضي الله عنه)، ورجال السند كلُّهم بصريون (قال: قدم أُناس)؛ بالهمزة المضمومة عند الأكثرين، وفي رواية بدون الهمزة، وعند المؤلف في (الديات) : (قدم أناس على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أو إلى المدينة)، قال الكرماني: (يحتمل أن تكون «المدينة» متعلقًا به على التنازع في قوله: «اجتووا المدينة»)، وكان قدومهم فيما ذكره ابن إسحاق في «المغازي» في غزوة ذي قرد في جماد الآخرة سنة ستٍّ، وذكر المؤلف: بعد الحديبية، وكانت في ذي القعدة منها، وذكر الواقدي: أنها كانت في شوال منها، وتبعه ابن سعد، وابن حبان، وغيرهما، وذكر الواقدي: أن السرية كانت عشرين ولم يقل من الأنصار، وسمى منهم جماعة من المهاجرين منهم؛ يزيد بن الحصيب، وسَلَمَة ابن الأكوع، وكذا سليمان بن جندب، ورافع ابنا مكيت الجهنيان، وأبو ذر، وأبو رهم الغفاريان، وبلال بن الحارث، وعبد الله بن عمرو بن عوف المزنييان (١)، وزعم ابن حجر أن الواقدي لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟ ورده في «عمدة القاري» بقوله: قلت: ما للواقدي؟ وهو إمام وثقه جماعة منهم الإمام أحمد وغيره، والعجب من هذا القائل أنه يقع فيه وهو أحد مشايخ إمامه، انتهى، (من عُكْل)؛ بضمِّ العين المهملة، وسكون الكاف، آخره لام، وهي خمس قبائل؛ لأنَّ عوف بن عبد مناة ولد قَيْسًا، فولد قَيْسٌ وائلًا وعوانة، فولد وائلٌ عوفًا وثعلبة، فولد عوفُ بن وائل الحارثَ وجشمًا وسعدًا وعليًّا وقَيْسًا، وأمهم بنت ذي اللحية؛ لأنَّه كان مطائلًا لحيته، فحضنتهم أمة سوداء يقال لها عُكْل، وقيل: عكل امرأة حضنت ولد عوف بن إياس بن قَيْس بن عوف بن عبد مناة بن أد بن طابخة، وزعم السمعاني أنهم بطن من غنم، ورد: بأن عكل امرأة من حِمْيَر يقال لها: بنت ذي اللحية، تزوجها عوف بن قَيْس بن وائل بن عوف بن عبد مناة بن أد، فولدت له سعدًا وجشمًا وعليًّا، ثم ملكت الحميرية، فحضنت عكل ولدها وهم من جملة الرباب الذين تحالفوا على بني تميم، كذا قاله في «عمدة القاري»؛ فافهم، (أو عُرَيْنَة)؛ بضمِّ العين المهملة، وفتح الراء، وسكون التحتية، وفتح النون مصغر عِرنة؛ بضمِّ العين، وعرينة بن نذير (٢) بن قيسر بن عبقر بن أنمار بن أراش بن الغوث بن طيِّئ بن أدد، وزعم السكري أن عرينة بن عرين بن نذير، فعرينة: حي من بجيلة لا من قحطان، وليس عرينة عكلًا؛ لأنَّهما قبيلتان متفاوتتان، عكل من عدنان، وعرينة من قحطان، وزعم ابن حجر أن الشك فيه من حمَّاد، وزعم الكرماني أن الشك من أنس، وزعم الداودي أنه من الراوي، قال: إنه من حمَّاد لا يدري أي شيء وجه تعيينه بذاك، وللمؤلف في (المحاربين) عن قتيبة، عن حمَّاد: (أن رهطًا من عكل، أو قال: عرينة)، وله في (الجهاد) عن وهيب عن أيُّوب: (أن رهطًا من عكل)، ولم يشكَّ، وكذا في (المحاربين) عن يحيى بن أبي كثير، وفي (الديات) عن أبي رجاء؛ كلاهما عن أبي قلابة، وله في (الزكاة) عن شعبة، عن قتادة، عن أنس: (أن ناسًا من عرينة)، ولم يشكَّ أيضًا،


(١) في الأصل: (المذنبييان)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (بدير)، وهو تصحيف، وكذا في الموضع اللاحق.

<<  <   >  >>