للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المطابقة بين الحديث والترجمة، ويلزم من الصب على شق الرأس الأيمن غسلُ الشق الأيمن من الشخص نفسه؛ لأنَّ بمجرد الصب على شق الرأس ينزل الماء على الجسد، وفي الأيسر كذلك، فغسل باقي الجسد مستلزم لذلك، كما لا يخفى.

وقال في «عمدة القاري» : (فإن قلت: كيف ظهور هذه المطابقة، وفي الترجمة تقديم الشق الأيمن من الرأس، وفي الحديث تقديم الأيمن من الشخص؟

قلت: المراد من أيمن الشخص: أيمنه من رأسه إلى قدمه، فيدل حينئذٍ على الترجمة)؛ انتهى فافهم.

وزعم ابن حجر أنَّ الذي يظهر أنه حَمْلَ الثلاثِ في الرأس على التوزيع، كما سبق في باب (من بدأ بالحِلَاب)، وفيه التصريح بأنه بدأ بشق رأسه الأيمن.

قلت: هذا الظاهر غير صحيح؛ لأنَّ قولها: (ثم تأخذ بيدها...) إلخ تفصيل وبيان لقولها: (أخذت بيديها) المجمل، ففي أخذها الماء بيديها فوق رأسها تصبه على الأيمن باليمنى، وعلى الأيسر باليسرى، وهو في الإناء الصغير، فليس فيه توزيع هنا، وكذا في باب (من بدأ بالحِلَاب)؛ لأنَّ لفظه هناك: (فأخذ بكفيه)؛ بالتثنية على الرواية الصحيحة، فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، فقال بهما على وسط رأسه، فهذا كما رأيت ليس فيه توزيع أصلًا وإن كان صرح بالبداءة بشق رأسه الأيمن؛ لأنَّ قوله: (فقال بهما على وسط رأسه) ينافي ذلك، وإنما كان يفعل بأن يأخذ الماء بكفيه فيفرغه على وسط رأسه، يبدأ فيه بشق الأيمن من الرأس، ثم بالأيسر، وهكذا، أو المراد: يأخذ الماء بيديه؛ ثم بيدٍ باليمنى لليمين من جهة أسفل، وبالأيسر كذلك حتى يجتمعان وسط رأسه، وعلى كل؛ فليس فيهما توزيع كما لا يخفى؛ فافهم، على أنَّ العادة جارية أن الصب يكون باليدين جميعًا لا بيد واحدة، كما هو ظاهر حديث الباب، وباب (من بدأ بالحلاب)؛ فالمراد باليد: الجنس الصادق على اليدين معًا، لا يقال: إذا كان المراد الجنس؛ فليس ثَمَّ أولى ولا أخرى؛ إذ لا مغايرة بين لفظتي (بيدها)؛ لأنَّا نقول ليست المغايرة بحسب الذات، بل بحسب الصفة، فهما متغايران باعتبار وصف أخذ الماء أولًا، وثانيًا من الإناء وجمعها، وبهذا تعلم فساد ما زعمه العجلوني من أنَّ ظاهر قوله: (ثم تأخذ بيدها) أنَّ الصب بكل يد على شق في حالة واحدة؛ فافهم، والله أعلم.

وقال صاحب «عمدة القاري» : (وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن صفية المذكورة، ولفظه: «قالت: كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة؛ أخذت ثلاث حفنات هكذا- تعني: بكفيها جميعًا- فتصب على رأسها، وأخذت بيد واحدة فتصبها على هذا الشق، والأخرى على الشق الأيسر، فمجموع هذا الغسل من ثلاث حفنات وغرفتان، الحفنات الثلاث على الرأس، والواحدة من الغرفتين على الشق الأيمن والأخرى على الشق الأيسر») انتهى.

قلت: يعني: أن الحفنات الثلاث على الرأس، وما نزل عنه؛ فيعم سائر الجسد، وأن الواحدة من الغرفتين على الشق الأيمن فيعممه، وعلى الأيسر كذلك لأجل التعميم؛ لاحتمال موضع لم يصبه الماء، كما لا يخفى.

وزعم العجلوني فاعترضه بأنه إن أراد بقوله: (فمجموع هذا الغسل) جميع الغسل للبدن؛ فهو بعيد؛ إذ كيف تكفي غرفتان لما عدا الرأس؟ وإن أراد غسل الرأس فقط؛ فهو قريب، لكن ما فائدة غسله بالغرفتين بعد الثلاث حفن؟

قلت: واعتراضه مردود عليه؛ لأنَّه فاسد؛ لأنَّ مراده بقوله: (فمجموع هذا الغسل) جميع الغسل للجسد؛ الرأس والبدن، وهو ظاهر غير بعيد، كما زعمه؛ لأنَّ الجسد اسم للرأس والبدن، وأمَّا البدن؛ فهو اسم لما عدا الرأس والأطراف، فهذا القائل لم يفرق بين الجسد والبدن.

وقوله: (إذ كيف...) إلخ ممنوع، فإن الحفنات الثلاث صبت على الرأس، ويلزم منها سيلانها على جميع البدن من جهة قدام وخلف، والغرفتان للأيمن والأيسر؛ لأجل التعميم، وهو ظاهر.

وقوله: (وإن أراد غسل الرأس فقط...) إلخ هذا ليس بمراد له، وإنما مراده ما قدمناه.

وقوله: (لكن ما فائدة...) إلخ، إن قلنا: إن هذا مراده يكون فائدة غسله بالغرفتين تعميم الجسد بالماء؛ لاحتمال أن موضعًا لم يصبه الماء، فبالغرفتان يتعمم الجسد جميعه بالماء، فيكون غسله تامًّا صحيحًا، كما لا يخفى، ولقد أكثر هذا القائل من التعصب على صاحب «عمدة القاري»، ولله در من قال:

يا ناطح الجبل العالي ليكْلِمه... أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

تنبيه: ثمن ماء اغتسال المرأة من جنابة أو حيض انقطع لعشرة أيام أو أقل، وثمن ماء وَضوئها على زوجها ولو كانت غنية كما في «فتح القدير»، وفصَّل في «الجوهرة» بين انقطاع الحيض لعشرة؛ فعليها لاحتياجها إلى أداء الصَّلاة، ولأقل منها؛ فعليه لاحتياجه إلى وطئها.

قال في «منهل الطلاب» : (وقد يقال: إن ما تحتاج إليه مما لا بد لها منه واجب عليه سواء كان هو محتاجًا إليه أو لا؛ فالأوجه الإطلاق، كما في «البحر».

وقال في «المحيط» : (ثمن ماء الغُسل والوضوء هل يجب على الزوج؟ قيل: يجب عليه مطلقًا غنية كانت أو فقيرة، وقيل: لا يجب مطلقًا، وقيل: إن كانت فقيرة، قيل له: ائذن لها تنقل الماء، أو تنقل الماء إليها) انتهى.

والمعتمد القول الأول كما علمت، وأمَّا ثمن ماء الاغتسال من النفاس؛ فعلى الزوج أيضًا انقطع لأربعين يومًا أو أقل ولو كانت غنية؛ لأنَّه لا بد لها منه، فصار كماء الشرب، فأجرة الحمام على الزوج، كذا في «جامع الفصولين» ولو كان الاغتسال لا عن جنابة وحيض ونفاس، بل لإزالة الشعث والتفث؛ فقال شيخ الإسلام المحقق الرملي الحنفي: إنه لا يلزم الزوج ثمنه، انتهى.

أما لو أمرها بإزالته؛ فقال شيخ شيخنا في «حواشيه» : (إنه يلزمه) انتهى، والله تعالى أعلم.

(٢٠) [باب من اغتسل عُريانًا وحده في الخلوة ومن تستر فالتستر أفضل]

(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا هي ثابتة في رواية أبي ذر وحده قبل (باب)، ساقطة في روايات غيره، هذا (باب) جواز (من اغتسل) من الجنابة أو الحيض والنفاس (عُريانًا)؛ بضمِّ العين المهملة، وسكون الراء (وحده)؛ أي: منفردًا، فهو منصوب على الحال (في الخلوة) وللكشميهني: (في خلوة)؛ أي: عن الناس، وعليهما؛ فهو تأكيد لقوله: (وحده)؛ لأنَّهما لفظان متلازمان بحسب المعنى، (ومن تَستَّر)؛ بتشديد المثناة الفوقية الثانية المفتوحة، وبفتح الأولى أيضًا من باب (التفعل)، وفي رواية المستملي والحمُّوي: (ومن يستتر)؛ بتحتية أوله، ومثناتين فوقيتين، من باب (الافتعال)، وقوله: (والتستر أفضل) : جملة حالية بالواو في أكثر الروايات، فهو معطوف على قوله: (من اغتسل) من عطف المفردات، وفي رواية بالفاء، فهي في جواب (من) الثانية، فهو من عطف الجمل، ودل قوله: (أفضل) على جواز التجرد للغسل في الخلوة، ومثله الاستنجاء، وهو مذهب الجمهور، وهل يكره أم لا، فيه خلاف، فقيل: إنه مكروه، وقيل: إن أمن دخول أحد عليه؛ يعذر، وقيل: يجوز في المدة اليسيرة، ويتجرد للغسل، ويجرد زوجته للجماع في بيت مقداره خمسة أذرع أو عشرة أذرع، وقيل: لا يكره أن يغتسل متجردًا في الماء الجاري أو غيره في الخلوة، وهذا هو المعتمد من مذهب الإمام الأعظم، وبه قال مالك وغيره والجمهور، لما في «مراسيل الزُّهري» فيما رواه أبو داود في «مراسيله» عنه عن النبيِّ عليه السلام قال: «لا تغتسلوا في الصحراء إلا أن تجدوا متوارًى، فإن لم تجدوا متوارًى؛ فليخط أحدكم كالدائرة، ثم يسمي الله، ويغتسل فيه»، وروى أبو داود في «سننه» عن عطاء، عن يعلى أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأى رجلًا يغتسل بالبراز، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم؛ فليستتر»، وأخرجه النسائي أيضًا، وهذا يدل على الجواز وعدم الكراهة؛ لأنَّ المقصود ستر العورة عن الناس،

<<  <   >  >>