للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مع الحدث، وإن داود يقول: يجب الوضوء والغسل في الجنابة المجردة، فلا ريب أن هذا يكون لفرض الغسل؛ لأنَّه لو لم يوجد الوضوء لم يصحَّ الغسل في زعمهما.

وقوله: (بل لأمر مندوب) ممنوع، بل هو لأمر مفروض كما علمت، فكأنه جعل الوضوء عندهما من فرض الغسل، إن وجد؛ صح، وإلا؛ فلا، فكيف يقال: فلا يضر البيان؟ وما هو إلا قول بارد.

وقوله: (وإن أراد الاعتراض على ابن حجر) علمت أنه لم يعين بذلك ابن حجر، بل قصد بيان الحكم لكل واحد من الناس.

وقوله: (فكذلك لا يرد...) إلخ ممنوع، بل هو وارد، وكلامه مردود عليه.

وقوله: (لأنَّه قال: والاختيار في الغسل...) إلخ ممنوع؛ لأنَّه عام يحتمل الوجوب، والسنية، والاستحباب، ولم يبيِّن واحدًا منها عند قوله: هذا بل عدل عنه، وقدر في الترجمة الاستحباب وهو قاصر.

وقوله: (وأما تقديره حكم الوضوء...) إلخ هذا اعتراف منه بأن عبارة «عمدة القاري» هي الصحيحة؛ لأنَّها شاملة للوجوب القائل به داود.

وقوله: (فهو أكثر فائدة من تقدير استحبابه) قلت: بل هو الفائدة بعينها، ولا فائدة في ذلك؛ لأنَّه قاصر على قول من أقوال العلماء بخلاف تقدير الحكم، فإنه عام يشمل الأحكام كلها.

وقوله: (لكنه...) إلخ هذا الاستدراك ممنوع بعد أن علمت أن داود يقول بوجوبه قبل الغسل لا بعده.

وقوله: (وفي تعبيره...) إلخ ممنوع، بل ليس فيه إشعار بالتوقف أصلًا، بل فيه قطع ويقين في كونه غير مجمل، وغير مطلق؛ لأنَّ النص لا يحتمل غيره لا سيما والقرينة عينته، بل فيه قرائن التعيين.

وقوله: (كما قررناه في الآية) ممنوع؛ لأنَّه قد علمت رده فيما سبق مفصلًا، فلا تغفل، قال في «منهل الطلاب» : فإن قيل: ما فائدة تقديم الوضوء مع أنه يجب غسل جميع البدن؟ قلت: لأنَّ فيه إعمالًا لنص إيجاب الوضوء، ولنص إيجاب الغسل، واتباعًا للسنة، وحتى تنقَّى أعضاء الوضوء؛ لأنَّها لا تخلو عن أوساخ؛ كالرجلين، فيتعاهدها كما يتعاهد المؤقين، والمنخرين، والفم، والأذنين، فإذا اغتسل؛ فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر والأصغر سواء نوى أو لم ينو؛ لأنَّ النية ليست بشرط عند الجمهور، فإن نوى؛ كان أكمل؛ لأنَّها سنة، وعن مالك أنه ينوي به رفع حدث الجنابة في تلك الأعضاء فإن نوى الفضيلة؛ لزمه إعادة غسلها، والمعتمد عند الشافعية: أنه إذا تجردت جنابته عن الحدث الأصغر يكفيه أن ينوي بوضوئه سنة الغسل، وإلا؛ فلا بد من نية رفع الحدث الأصغر، والله تعالى أعلم.

[حديث: أن النبي كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه]

٢٤٨ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) هو التنيسي (قال: حدثنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي، (عن هشام) هو ابن عروة، (عن أبيه)؛ هو عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنه، (عن عائشة زوج النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها: (أن النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا اغتسل)؛ أي: أراد أن يشرع في الاغتسال (من الجنابة)؛ يعني: لأجل الجنابة، فـ (من) للسببية، قال في «عمدة القاري» : فإن قلت: لم ذكر في ثلاثة مواضع بلفظ الماضي وهي قولها: (بدأ)، و (فغسل)، و (ثم توضأ)، وذكر البواقي بلفظ المضارع، وهي قوله: (يدخل)، و (فيخلل)، و (يصب)، و (يفيض)؟

قلت: النكتة فيه أن (إذا) إذا كانت شرطية؛ فالماضي بمعنى المستقبل، والكل مستقبل معنًى، وأما الاختلاف في اللفظ؛ فللإشعار بالفرق بما هو خارج من الغسل وما ليس كذلك، وإن كانت ظرفية؛ فما جاء ماضيًا؛ فهو على أصله، وعدل عن الأصل إلى المضارع؛ لاستحضار صورته للسامعين) انتهى؛ (بدأ)؛ بالهمزة في آخر، من البداءة، وهي الفعل الأول (فغسل يديه)؛ أي: ثلاثًا إلى الرسغين قبل أن يدخلهما في الإناء، كما في رواية ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام، وهذا هو الغسل المشروع عند القيام من النوم، ويشهد له هذه الرواية، ويحتمل أن هذا الغسل لأجل التنظيف مما به يكره، وقولها: (أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان...) إلخ يدل على الملازمة والتكرار، وهو يدل على استحباب غسل يديه قبل الشروع في الوضوء والغسل إلا إذا كان عليهما (١) شيء مما يجب إزالته؛ فحينئذٍ يكون واجبًا، كذا قرره صاحب «عمدة القاري»، وهذا الغسل غير الغسل الذي في الوضوء، فلا تكفيه عن تثليث الوضوء لما في «مسلم» في هذا الحديث: (فيفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه)، ولما عند ابن خزيمة: (يصب من الإناء على يده اليمنى، فيفرغ عليها فيغسلها، ثم يصب على شماله، فيغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة)، ومثله عند أبي داود، والترمذي، فهذا يدل على أنه يغسلهما؛ ليكون متناولًا الماء بآلة طاهرة لمزيد التنظيف، ويؤيده قوله في الحديث: «ثم يتوضأ كوضوئه للصلاة»، فلا شك في التغاير، وهو ظاهر عبارة «الهداية»، و «التنوير»، وزيادة غسل الفرج فائدة عظيمة؛ لأنَّه مظنة النجاسة، فيفيض الماء عليه بيده اليمنى، ويغسله باليسرى حتى ينقيه وإن لم يكن به نجاسة كما فعله عليه السلام؛ ليطمئن قلبه بوصول الماء إلى الجزء الذي ينضم حال القيام وينفرج حال الجلوس، وبهذا يعلم وجه تسميته فرجًا، وإنما وسطه بين غسل اليدين والوضوء؛ لأنَّه مظنة النجاسة فيطمئن قلبه بزوالها حتى لا تشيع على بدنه ولو كانت قليلة فيتنجس، والمراد بالفرج قُبل الرجل والمرأة، وقد يطلق على الدبر أيضًا، كما في «المغرب» للعلامة المطرزي، وفي «البرجندي» : (والمراد به هنا: القبل والدبر وإن اختص لغة بالقبل)، كذا في «منهل الطلاب»، (ثم يتوضأ) ولأبي ذر: (ثم توضأ) (كما يُتوضَّأ للصلاة) مبني للمفعول أو للفاعل؛ أي: مثل وضوء الصَّلاة فيثلث الغسل، ويأتي بجميع سننه وآدابه كما في «البحر»، قال: (ويمسح رأسه هو الصحيح)، وفي «البدائع» : أنه ظاهر الرواية عن الإمام الأعظم، وروى الإمام الحسن عن الإمام الأعظم أنه لا يمسحه؛ لأنَّه لا فائدة فيه؛ لأنَّ الإسالة تقوم مقام المسح، لكن المذهب المصحح أنه يمسحه كما نص عليه في «مبسوط شيخ الإسلام»؛ لأنَّه أتمُّ للغسل، وهذا الوضوء قبل الغسل سُنَّة كما دل عليه الحديث، كما دل على أنه لا يؤخر غسل رجليه سواء كان في مستنقع الماء أو لا، وهو ظاهر إطلاق «الكنز»، و «التنوير»، لكن ظاهر حديث ميمونة الآتي يدل على أنه يؤخر غسلهما سواء كان في مستنقع الماء أو لا، وهو ظاهر إطلاق الأكثرين، ووفق بين الحديثين في «البحر» : بأنه إن كان في مستنقع الماء؛ فيؤخر، وإن كان على شيء مرتفع؛ كقبقاب أو كرسي؛ لا يؤخر، وصحَّحه في «المجتبى»، وجزم به في «الهداية»، و «الكافي»، و «المبسوط»، قال في «البحر» : (والظاهر: أن الخلاف في الأولوية لا في الجواز)، كذا في «منهل الطلاب»، وروى هذا الحديث مسلم من طريق أبي معاوية عن هشام، وقال في آخره: (ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه)، وهذه الزيادة تفرَّد بها أبو معاوية عن هشام دون أصحابه، وقول البيهقي: إنها صحيحة، يرده: أن الحفاظ قد تكلموا في رواية (٢) أبي معاوية وعلى فرض صحتها؛ فالمحفوظ في حديث عائشة هو الأول، أو يحمل على أنه أعاد غسلهما؛ لاستيعاب الغسل بعد أن كان غسلهما في الوضوء، فيوافق ما في حديث الباب، وهذا هو الأفضل عند الشافعي ومالك على المشهور، وقيل: يؤخر إلى ما بعد الفراغ من الغسل؛ لحديث ميمونة، وعن مالك: إن كان في موضع وسخ؛ أخَّرهما، وإلا؛ فلا، وزعم ابن حجر أن الروايات عن عائشة تحمل على أكثر الوضوء، ويستدل برواية أبي معاوية على جواز التفريق في الوضوء.

قلت: وهذا غير صحيح، فإن الوضوء ليس له أكثر ولا أقل شرعًا بخلافه لغة، فكأنه خلط معناه اللغوي بالمعنى الشرعي مع أن المقام هنا والمراد معناه الشرعي، فإن كان الوضوء ناقصًا؛ فلا يقال: إنه توضَّأ، ولا تصح معه الصَّلاة، كما لا يخفى.

وقوله: (ويستدل...) إلخ هذا غير ظاهر، بل الظاهر منها أنه يستدل بروايته على عدم


(١) في الأصل: (عليها)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (روايته)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>