للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

شاهده بنفسه)، وقال الكرماني: (ولفظ: «قال حميد» و «قال أبو هريرة» يحتمل أن يكون كل منهما تعليقًا من البخاري، ويحتمل أن يكونا داخلين تحت الإسناد، لكن الظاهر من مسألة الإرداف أنه لم يسندها حميد)، وقال في «التوضيح» : (وقول حميد يحتمل أن يكون تلقاه من أبي هريرة، ويكون الزهري رواه عنه موصولًا عند البخاري)، ورده إمام الشَّارحين فقال: (الوجه الذي ذكرناه هو الوجه، كما نص عليه المزي وغيره) انتهى.

قلت: يعني: إنه مرسل من قبيل مراسيل التابعين... إلى آخر، ما ذكرناه عنه قريبًا؛ فافهم.

(قال: أبو هريرة) هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي: (فأذَّن)؛ بتشديد الذال المعجمة، (معنا) بفتح العين المهملة وسكونها (علي) : هو ابن أبي طالب؛ أي: مع الرهط الذين يؤذنون في الناس (في أهل مِنًى)؛ بكسر الميم، والقصر (يوم النحر) : هو يوم العاشر من ذي الحجة، فقالوا: (لا يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوفُ بالبيت عريان)؛ بالرفع في (يحج) و (يطوف) فقط، والحكمة في إعطاء علي براءة؛ لأنَّ براءة تضمنت نقض العهد، وكانت سيرة العرب؛ إذ لا يحل العقد إلا الذي عقده أو رجل من أهل بيته، فأراد عليه [الصَّلاة و] السَّلام أن يقطع ألسنة العرب بالحجة، وأرسل ابن عمه الهاشمي حتى لا يبقى (١) لهم متكلم، وقيل: لأنَّ في سورة براءة ذكر الصديق؛ يعني: قوله تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ} [التوبة: ٤٠]، فأراد عليه [الصَّلاة و] السَّلام أن غيره يقرؤها.

فإن قلت: كان علي مأمورًا بالتأذين ببراءة، فكيف قال: (فأذن معنا بأنه لا يحج)؟

قلت: إمَّا لأنَّ ذلك داخل في سورة براءة، وإمَّا أن معناه: أنه أذن فيه أيضًا معنا بعد تأذينه ببراءة، كذا في «عمدة القاري».

قلت: والثاني أوجه؛ فتأمل.

وقال ابن عبد البر: (أمر النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكر رضي الله عنه بالخروج إلى الحج، وإقامته للناس، فخرج أبو بكر، ونزل صدر براءة بعده، فقيل: يا رسول الله؛ لو بعثت بها إلى أبي بكر؛ يقرؤها على الناس في الموسم، فقال: «إنه لا يؤديها عني إلا رجل من أهل بيتي»، ثم دعا عليًّا رضي الله عنه، فقال: «اخرج بهذه القصة من صدر براءة، وأذن بها في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا في منًى»، فخرج على ناقة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأذن علي رضي الله عنه، فقال أبو بكر: استعملك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أن أقرأ براءة على الناس، فقال أبو بكر: أميرًا أو مأمور؟ فقال: بل مأمور)، وذكر أحمد في (فضائل علي) : (لما بلغ أبو بكر ذا الحليفة، وفي لفظ: «بالجحفة»؛ بعث النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أبي بكر، فرده، وقال: «لا يذهب بها إلا رجل من أهل بيتي»، وفي لفظ: (فرجع أبو بكر، فقال: يا رسول الله؛ نزل فيَّ شيء؟ قال: «لا، ولكن جبريل عليه السَّلام جاءني، فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك»)، انتهى.

قلت: وفي هذا بيان حكمة إعطاء علي براءة أيضًا؛ فليحفظ.

وفي «عمدة القاري» : (ويستنبط منه أنه عليه السَّلام أبطل ما كانت الجاهلية عليه من الطواف عراة، واستدل بهذا الحديث على أن ستر العورة واجب في الصلاة وخارجها، وهو الموافق لترجمة الباب) انتهى.

وزعم الكرماني أنه استدل به على أن الطواف يشترط له ستر العورة، قال إمام الشَّارحين: (قلت: إذا طاف الحاج عريانًا؛ لا يعتد به عندهم، وعندنا يعتد به، ولكنه يكره) انتهى.

قلت: يعني: أنه في مذهب الإمام الأعظم رضي الله عنه لا تشترط ستر العورة في الطواف، فلو طاف عريانًا؛ يصح، ولكنه يكره، وعند الشافعي يشترط سترها فيه، ولو طاف عريانًا؛ لا يصح، واستدل بالحديث المذكور، فاستدل الإمام الأعظم بقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، وهو مطلق، فيشمل العاري وغيره، ولا دلالة للشافعي في هذا الحديث؛ لأنَّه خبر واحد، وزيادة على النص، وهو نسخ، فلا يثبت به الحكم، ولأنه لا يشترط في الطواف الاستقبال، ولا عدم المشي إجماعًا، فعدم اشتراط ستر العورة أولى وأجدر على أن المراد بهذا الحديث النهي، وهو يقتضي الكراهة لا عدم الصحة، فما قاله الإمام الأعظم هو الصواب، والله تعالى أعلم.

(١١) [باب الصلاة بغير رداء]

هذا (باب) : حكم (الصلاة بغير رداء)؛ بكسر الراء، وفتح الدال المهملتين، وبالمد: هو ثوب يستر النصف الأعلى من الإنسان بخلاف الإزار؛ فإنه يستر النصف الأسفل.

[حديث: دخلت على جابر وهو يصلي في ثوب ملتحفًا به]

٣٧٠ - وبالسند إليه قال: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) هو الأويسي (قال: حدثنا ابن أبي الموالي) : هو عبد الرحمن بن زيد بن أبي المَوالي؛ بفتح الميم على وزن (الحواري) (عن محمد بن المنكدر) : هو التابعي المشهور (قال: دخلت على جابر بن عبد الله) : هو الأنصاري؛ أي: في بيته، كما يقتضيه السياق (وهو يصلي) جملة حالية؛ أي: صلاة نافلة؛ لأنَّ الفرائض يصليها مع النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم بالجماعة في المسجد (في ثوب) أي: واحد (ملتحفًا)؛ بالنصب على الحال (به)؛ أي: بالثوب، وهذا رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي والحموي: (ملتحفٌ)؛ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو ملتحف، كذا في «عمدة القاري».

قلت: ويجوز فيه الجر صفة لـ (ثوب) المجرور، وقيل: على الجوار، وما زعمه ابن حجر رده إمام الشَّارحين.

(ورداؤه موضوع) : جملة اسمية وقعت حالًا؛ أي: موضوع على الشيء، وهناك موضوع على المشجب، كذا في «عمدة القاري».

قلت: فمعنى أنه موضوع؛ يعني: عن جسده يحتمل على الأرض أو غيرها، وقوله: (وهناك)؛ يعني في باب (عقد الإزار على القفا)، والمِشْجَب؛ بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح الجيم، آخره موحدة: وهو ثلاث عيدان تعقد رؤوسها، ويفرج بين قوائمها، يعلق عليها الثياب، ويقال لها: السِّيْبَه؛ بكسر السين المهملة، وسكون التحتية، وفتح الموحدة، آخره هاء.

(فلما انصرف)؛ أي: فرغ جابر من صلاته؛ (قلنا) أي: قال له أصحابه، ومنهم ابن المنكدر: (يا با عبد الله) أصله: يا أبا عبد الله؛ بالهمزة، فحذفت الهمزة تخفيفًا، وهو كنية جابر رضي الله عنه، (تصلي)؛ أي: في ثوب واحد؛ والتقدير: أتصلي؛ بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار (ورداؤك موضوع) عنك على الأرض أو المشجب؟ (قال)؛ أي: جابر لهم: (نعم) أي: أصلي في ثوب واحد وردائي موضوع؛ (أحببت أن يراني الجهال) وفي الرواية السابقة: (ليراني أحمق) (مثلكم)؛ بالرفع صفة لـ (الجُهَّال)، وهو بضم الجيم، وتشديد الهاء، جمع جاهل، وقدمنا هناك أن (مثل) متوغل في التنكير، فلا يتعرف وإن أضيف إلى المعرفة، فلذلك وقع صفة لنكرة، وهو قوله: (أحمق)، وأمَّا هنا؛ فإنه وقع صفة للمعرفة، فوجهه أنه إذا أضيف إلى ما هو مشهور بالمماثلة؛ تعرَّف، وههنا كذلك، على أن التعريف في (الجهال) للجنس، وهو في حكم النكرة، والمثل؛ يعني: المثيل على وزن (فعيل)، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والمفرد والجمع، فلذلك لم يطابق (الجهال) مع أن التطابق بين الصفة والموصوف في الإفراد والجمع شرط، أو تقول: هو قد اكتسب الجمعية في المضاف إليه، أو هو جنس يطلق على المفرد والمثنى والجمع، كذا قرره إمام الشَّارحين،


(١) في الأصل: (يبق)، والمثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>