للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا يلزم من مشاكلة الصيغتين)، واعترضه العجلوني بقوله: (لم يدَّعيا القطع، بل أرادا الظهور).

قلت: لو أرادا الظهور لا القطع؛ لصرحا بالظهور، وعدم تصريحهما بالظهور دليل على ادعائهما القطع، وهو ممنوع، بل احتمالهما أيضًا ممنوع، والحق ما عليه الجماعة المحققون من أن قوله: (ثم توضئي...) إلخ من كلام عروة موقوفًا عليه بدليل ظاهر السياق، فإن ظاهره يدل على أنه موقوف على عروة؛ لأنَّ قوله: (قال: وقال أبي) يدل على ذلك، فإنه لو كان من المرفوع؛ لم يقل (قال: وقال أبي)؛ بل أسقطها، ووصله.

وقوله: (ثم توضئي...) إلخ؛ مقول القول، ودعوى ابن حجر: أنه لو كان هذا كلام عروة؛ لقال: ثم تتوضأ؛ بصيغة الإخبار، فلما أتى بصيغة الأمر؛ شاكل الأمر الذي هو المرفوع، وهو قوله: (فاغسلي) ممنوع؛ لأنَّه لا يلزم من إتيانه بصيغة الأمر أن يكون مرفوعًا، وإنما أتي به بهذه الصيغة؛ لإفادة أنها مأمورة بالوضوء لوقت كل صلاة بدليل آخر غير هذا من الأحاديث التي أوردناها، والمشاكلة لا تدل على الرفع؛ لأنَّه يقع في الكلام كثير (١) مما ظاهره المشاكلة، ويكون الأمر على خلافه، فالحق ما عليه القوم من المحدثين من أنه موقوف على عروة، وليس من المرفوع، كما لا يخفى؛ فليحفظ.

قال في «عمدة القاري» : (وفي الحديث: جواز استفتاء المرأة بنفسها ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بأمر من أمور الدين، وفيه: جواز استماع صوت المرأة عند الحاجة الشرعية، وفيه: دليل على نجاسة الدم، وفيه: دليل واضح على إيجاب الوضوء من خروج الدم من غير السبيلين؛ لأنَّه عليه السلام علل نقض الطهارة بخروج الدم من العرق، وكل دم يبرز من البدن؛ فإنما يبرز من عرق؛ لأنَّ العروق هي مجاري الدم من الجسد)، وقال الخطابي: (وليس معنى الحديث ما ذهب إليه هؤلاء، ولا مراد رسول الله عليه السلام من ذلك ما توهموه، وإنما أراد أن هذه العلة إنَّما حدثت بها من تصدع العرق، وتصدُّع العرق علة معروفة عند الأطباء يحدث ذلك عند غلبة الدم، فتتصدَّع العروق إذا امتلأت تلك الأوعية).

ورده في «عمدة القاري» : (بأنه ليس معنى الحديث ما ذهب إليه الخطابي؛ لأنَّه قيَّد إطلاق الحديث، وخصَّص عمومه من غير مخصص، وهو ترجيح بلا مرجح وهو باطل) انتهى.

قلت: على أن قوله عليه السلام في الحديث: «إنما ذلك عرق» يشمل جميع العروق التي في الجسد؛ لأنَّه قد أتى به نكرة، وهي في مثله تعمُّ، وإنما أراد عليه السلام بيان الحيض والاستحاضة، فبيَّن أن الاستحاضة هي التي تخرج من عروق البدن؛ لأنَّه مركَّب على العروق، وهي مجاري الدم، فكل دم يخرج؛ فإنما يخرج من العروق، وأما الحيض؛ فإنه يخرج من الرحم فقط، فما قاله الخطابي، وتبعه الكرماني غير ظاهر، وإنما هو من التعصُّب بمكان؛ لأنَّه كلام بارد، وبحث جامد، وهذا دأب الشافعية في الكلام، والله الموفق الموصل لكل مرام.

(٦٤) [باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة]

هذا (باب) بيان حكم (غسل المنيِّ) عند كونه رطبًا (و) بيان حكم (فركه) عند كونه يابسًا، والفرك: هو الدلك حتى يذهب أثره، والمنيُّ؛ بتشديد الياء: ماء خاثر أبيض يتولَّد منه الولد وينكسر به الذكر، ورائحته رائحة الطلع، (و) بيان (غسل ما يصيب) الثوب أو الجسد (من المرأة) عند مخالطته إياها، وهذه الترجمة مشتملة على ثلاثة أحكام، ولم يذكر في هذا الباب إلا حكم غسل المنيِّ، وذكر الحكم الثالث في أواخر كتاب (الغسل) من حديث عثمان رضي الله عنه، وقال ابن حجر: (لم يُخَرِّجِ البخاري حديث الفرك، بل اكتفى بالإشارة إليه في الترجمة على عادته؛ لأنَّه ورد من حديث عائشة رضي الله عنها أيضًا، ورده في «عمدة القاري» : بأن هذا اعتذار بارد؛ لأنَّ الطريقة أنه إذا ترجم الباب بشيء ينبغي أن يذكره.

وقوله: (بل يكتفي بالإشارة إليه) كلام واهٍ؛ لأنَّ المقصود من الترجمة معرفة حديثها، وإلا؛ فمجرد ذكر الترجمة لا يفيد شيئًا، والحديث الذي في هذا الباب لا يدل على الفرك، ولا على ما يصيب من المرأة، واعتذر الكرماني عنه بقوله: واكتفى بإيراد بعض الحديث، وكثيرًا يفعل مثل ذلك، أو كان في قصده أن يضيف إليه ما يتعلق به، ولم يتفق له أو لم يجد رواته على شرطه، ورده في «عمدة القاري» : بأن هذا كله لا يجدي شيئًا.

قلت: أي: لأنَّ قوله: (واكتفى...) إلخ؛ ممنوع، فإن المذكور في هذا الباب من الحديثين لا يدل على الفرك أصلًا.

وقوله: (أو كان في قصده...) إلخ؛ ممنوع أيضًا؛ لأنَّه لم يُظْهِر العذر الحامل له على عدم ذِكْره.

وقوله: (أو لم يجد رواته على شرطه) ممنوع أيضًا، فإن رواة حديث الفرك رواة «الصحيحين»، وسيصرح به المؤلف، فمن أين جاء الكرماني بهذا الكلام الذي هو غير موصل للمرام؟ وقد ذكر العجلوني عبارة الكرماني بالحرف، وادَّعى أن صاحب «عمدة القاري» قد أهمل ما يدفع الإيراد.

قلت: وهو باطل، فإن صاحب «عمدة القاري» نقل عبارة الكرماني بالمعنى الصحيح من كلامه، ولم يهمل منه شيئًا من حيث المعنى، ومعلوم أن إهمال محلِّ المقصود معيب، ولكن العجلوني لما كان قصير الفهم ولا قدرة له على نقل الكلام بالمعنى؛ قال ذلك متورِّكًا على صاحب «عمدة القاري»، ولا ريب أن العجلوني لو اشتغل آناء الليل وأطراف النهار؛ لما وصل إلى فهم صاحب «عمدة القاري» حتى يتورَّك عليه، وأين هو منه وشتان ما بينهما؟ فإن صاحب «عمدة القاري» حين كان يدرس ويؤلِّف ويفيد الخاص والعام كان العجلوني منيًّا في ظهر آبائه، ثم صار يرعى البقر في عجلون في الصحراء، فالفهم السقيم جاءه من هناك؛ فافهم.

[حديث: كنت أغسل الجنابة من ثوب النبي فيخرج إلى الصلاة]

٢٢٩ - وبه قال: (حدثنا عَبْدان)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الباء الموحدة، لقب عبد الله بن عثمان العتكي المروزي (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا) (عبد الله بن المبارك) وفي رواية إسقاط (ابن المبارك)، وفي أخرى: (عبد الله هو ابن المبارك)، وفي أخرى وعليها شَرَحَ الكرماني: (عبد الله؛ أي: ابن المبارك)، قال في «عمدة القاري» : فكأنه وقع في نسخته عبد الله منسوبًا إلى الأب بـ (التفسير) من «البخاري»، ثم قال: (وقاله على سبيل التعريف؛ إشعارًا بأنه لفظه لا لفظ شيخه) انتهى؛ فافهم، (قال: أخبرنا عمرو) بفتح العين (بن مَيمُون)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية (الجَزَرَي) بالزاي، والراء، والجيم المفتوحات، منسوبًا إلى الجزيرة، المتوفى سنة مئة وخمس (٢) وأربعين، وكان ميمون بن مهران والد عمرو، نزلها فنسب إليها ولده، وفي رواية: (عمرو ابن مهران) نسبة لجدِّه، وقال ابن حجر: (وقع في رواية الكشميهني وحده (الجوزي)؛ بواو ساكنة، بعدها زاي، وهو غلط منه.

ورده في «عمدة القاري» : (بأن الظاهر أن الغلط من الناقل، أو الكاتب فدوَّر رأس الزاي، ونقط الراء، فصار: الجوزي، وقد يقع من الناقلين والكتاب الجهلة أكثر من هذا وأفحش) انتهى.

(عن سيلمان) بضمِّ السين المهملة (ابن يسار) بفتح التحتيتة أوله، وتخفيف السين المهملة، ضد اليمين، مولى ميمونة أم المؤمنين، فقيه المدينة، العابد الحجة، المتوفى سنة سبع ومئة، (عن عائشة) الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها (قالت: كنت أغسل الجنابة)؛ أي: أثرها أو موجبها على حذف مضاف، أو سمِّي المنيُّ بها مجازًا من باب تسمية الشيء


(١) في الأصل: (كثيرًا)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (وخمسة)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>