للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكوفي، روى له الجماعة، وليس له في «البخاري» غير هذا الحديث، وهو عزيز، كذا في «عمدة القاري»، (عن محمَّد بن علي) : هو أبو جعفر الملقب بالباقر، (عن جابر بن عبد الله) : الصحابي الجليل رضي الله عنه أنه (قال: كان النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم يُفرِغ)؛ بضمِّ المثناة التحتية، آخره غين معجمة: مضارع أفرغ من الإفراغ؛ أي: يصب (على رأسه ثلاثًا)؛ أي: ثلاث غرفات وزاد، وفي رواية الإسماعيلي: (قال: أظنه من غسل الجنابة)، وفيه: فقال رجل من بني هاشم: إن شعري كثير، فقال جابر: شعر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان أكثر من شعرك وأطيب، وفي الحديث: دلالة على ملازمة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الصب ثلاثًا في الغسل؛ لأنَّ لفظة (كان) تدل على الاستمرار، وفيه: دلالة على فضل جابر رضي الله عنه؛ حيث إنه يلازمه حتى حين غسله عليه السلام.

[حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف ويفيضها على رأسه]

٢٥٦ - وبه قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضمِّ النون: هو الفضل بن دكين؛ بالدال المهملة (قال: حدثنا مَعْمَر)؛ بفتح الميم، وسكون العين المهملة في أكثر الروايات، وبه جزم الحافظ المزِّيُّ، وفي رواية القابسي: بضمِّ الميم الأولى، وتشديد الميم الثانية على وزن (مُحَمَّد)، وبه جزم الحاكم (بن يحيى بن سام)؛ بالسين المهملة، وتخفيف الميم، وقد ينسب إلى جده، فيقال: معمر ابن سام، وليس له في «البخاري» إلا هذا الحديث، وقول القسطلاني والعجلوني: وجوَّز الغساني الوجهين؛ لا معنى له بعد ثبوت رواية الأكثرين ورواية القابسي، فإذا كانت الروايتان ثابتتين؛ فما معنى جواز الوجهين، فإنَّ الحافظ المزِّيَّ لا ينكر رواية القابسي؛ بل يسلمها، لكن رواية الأكثرين عنده أرجح، وكذلك الحاكم لا ينكر الرواية الأولى، ولكن عنده الثانية أرجح؛ فافهم.

(قال: حدثني)؛ بالإفراد، وللأَصيلي: بالجمع (أبو جعفر) : هو محمَّد بن علي الباقر، (قال) أي: أبو جعفر (قال لي جابر) زاد الأَصيلي: (ابن عبد الله) : (أتاني ابن عمك)؛ أي: ابن عم أبيك علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ففيه مسامحة؛ لأنَّ الحسن هو ابن عم أبيه لابن عمه؛ فافهم.

(يعرِّض) : جملة وقعت حالًا من (جابر)، والتعريض خلاف التصريح من حيث اللغة، ومن حيث الاصطلاح: هو عبارة عن كناية مسوقة لأجل موصوف غير مذكور، وقال في «الكشاف» : (التعريض أن يذكر شيئًا يدل به على شيء لم يذكره)، كذا في «عمدة القاري» (بالحسن) : وسقطت الموحدة من أوله لابن عساكر (بن محمَّد ابن الحَنفية)؛ بالحاء المهملة، واسمها: خولة بنت جعفر، تزوجها علي بن أبي طالب بعد فاطمة الزهراء، فولدت له محمَّدًا هذا، فاشتُهر بها رضي الله عنه (قال) أي: الحسن بن محمَّد: (كيف الغُسل)؛ بضمِّ الغين المعجمة (من الجنابة؟)؛ أي: على أي كيفية يغتسل الجنب، قال في «عمدة القاري» : وههنا سؤال الحسن بن محمَّد عن جابر بن عبد الله عن كيفية الغسل من الجنابة، وفي الحديث المذكور قبل هذا الباب السؤال وقع عن جماعة بغير لفظ: «كيف»، ووقع جوابه هناك بقوله: «يكفيك صاع»، وههنا جوابه بقوله: «كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذ ثلاث أكف...» إلى آخره، والسؤال في الموضعين عن الكيفية غير أنه لم يذكر لفظ «كيف» هناك؛ اختصارًا، والجواب في الموضعين بالكمية؛ لأنَّ هناك قال: «يكفيك صاع»، وههنا قال: «ثلاثة أكف»، وكل منهما «كم»، وقول بعضهم: السؤال في الأول عن الكمية أشعر بذلك، قوله في الجواب: «يكفيك صاع» ليس كذلك؛ لأنَّه اغتر بظاهر قوله: «يكفيك الغسل»، وقد ذكرنا أن لفظة: «كيف» هناك مطوية؛ لأنَّ السؤال في الموضعين عن حالة الغسل وصفته بلفظ «كيف»؛ لأنَّها تدل على الحالة، فإن قلت: كيف يقول السؤال في الحالتين عن كيفية الغسل والجواب بالكمية؟ قلت: الحالة هي الكيفية، وللغسل حقيقة وحالة، فحقيقته: إسالة الماء على سائر البدن، وحالته: استعمال ماء نحو صاع أو ثلاثة أكف منه، ولم يكن السؤال عن حقيقة الغسل، وإنما كان عن حالة، فوقع الجواب بالكم في الموضعين؛ لأنَّ (كيف) و (كم) من العوارض المنحصرة في المقولات التسع، فطابق الجواب السؤال والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما بعث لبيان الحقائق، وإنما بعث لبيان الأحكام، والأحكام من عوارض الحقائق) انتهى كلامه رحمه الله تعالى، (فقلت) هذا من كلام جابر للحسن المذكور: (كان النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذ ثلاثة أكف) : هي رواية كريمة بالتاء، وفي رواية غيرها: (ثلاث أكف)؛ بغير التاء، و (أكف) : جمع كف، والكف يذكر ويؤنث، فيجوز دخول التاء وتركها على الاعتبارين، كذا قاله إمام الشارحين في «عمدة القاري».

وزعم الكرماني: فإن قلت: الكف مؤنث، فلم دخلت التاء في الـ (ثلاثة)؟

قلت: المراد من الكف: قدر الكف وما فيها، فباعتباره دخلت أو باعتبار العضو، ورده في «عمدة القاري» فقال: (قلت: في الجواب الأول نظر، والثاني لا بأس به، والأحسن أن يقول...) إلى آخر ما علمت، ثم قال إمام الشارحين: (والمراد أن يأخذ في كل مرة كفين؛ لأنَّ الكف اسم جنس فيجوز حمله على الاثنين، والدليل عليه رواية إسحاق ابن راهويه من طريق حسن بن صالح، عن جعفر بن محمَّد، عن أبيه قال في آخر الحديث: «وبسط يديه»، ويؤيده حديث جبير بن مطعم الذي في أول الباب) انتهى؛ أي: فإنه أشار بيديه، فهو مقيد باليدين، فيحمل هذا المطلق على المقيد.

وزعم ابن حجر أنه يحتمل أن تكون هذه الغرفات الثلاث؛ للتكرار، ويحتمل أن تكون لكل جهة من الرأس غرفة؛ كما في حديث القاسم بن محمَّد الآتي.

قلت: إن أراد بقوله هذه الغرفات... إلى آخره أنه يأخذ في كل مرة كفًّا واحدًا؛ فممنوع؛ لأنَّه غير مفهوم من الحديث مع ما يدل على ذلك من رواية إسحاق وحديث جبير المتقدم، ويلزم من ذلك تفريق بين اليدين في الفرق، وهو ينافي قوله ويفيضها، فإن الإفاضة: الإسالة، وإذا رفع يده إلى رأسه؛ لا يبقى فيها شيء من الماء، ولا يحصل التعميم، كما لا يخفى، وإن أراد أنه يأخذ في كل مرة كفين كما قاله إمام الشارحين؛ فمسلَّمٌ، وإن أراد غير ذلك؛ فجوابه على الله تعالى.

وقوله: (ويحتمل أن تكون...) إلى آخره؛ ممنوع؛ لأنَّ ظاهر قوله: (ويفيضها) يقتضي أن يصبها على رأسه من غير ملاحظة جهة من الجهات؛ لأنَّ المراد التعميم، وبما ادَّعاه لا يحصل، فإن الصب في وسط الرأس هو الذي يحصل منه التعميم، كما لا يخفى.

وقوله: (كما في حديث القاسم...) إلى آخره: هذا لا يدل على ما ادَّعاه؛ لأنَّ لفظه أنَّه (فأخذ (١) بكفه، فبدأ بشق رأسه الأيمن...) إلى آخر الحديث، فهو صريح في أنه أخذ بكفٍّ واحد، وهنا ليس كذلك، فكيف يدل على ما ادعاه؟ وكأنه أخذ الاحتمال الأول من هذا الحديث، وهو غير ظاهر كما لا يخفى، وما مثله إلَّا كمثل مَن غرق في بحر عظيم ولم يجد مسلكًا فتعلق بحبال العرمط وهي شرش شجر الصفصاف، ضعيف الحال، لا ينهض الضعيف وينقطع حالًا، والله يحسن الأحوال.

(فيفيضها)؛ بالفاء؛ أي: ثلاثة الأكف، وفي رواية بالواو؛ أي: يصب الماء (على رأسه) وفي بعض النسخ: بدون (على)، كذا في «عمدة القاري»، وكأنه لتضمنه معنى يوصل، (ثم يفيض)؛ أي: الماء بعد أن أفاض على رأسه.

فإن قلت: لم لا يكون مفعوله المحذوف: ثلاثة أكف، بقرينة عطفه عليه؟

قلت: لأنَّ


(١) في الأصل: (أخذ)، والمثبت موافق لما في «الصحيح».

<<  <   >  >>