للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

على هذا الأثر موصولًا عن ابن عمر؛ حيث لم يتعرض لذلك، ولهذا قال ابن حجر: لم أره موصولًا عنه.

قلت: وعدم رؤيته له لا ينفي رؤيته لغيره على أنَّه المؤلف حافظ أجمع على جلالته المسلمون، فلا ينقل شيئًا يكون غير ثابت، وقد جنح لهذا إمام الشَّارحين حيث أيَّد فعل ابن عمر بما رواه الحاكم في «المستدرك» عن أنس، وعليه؛ فلا كلام؛ فافهم.

[حديث: كان النبي يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله]

٤٢٦ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا سليمان بن حرب) بحاء، وراء مهملتين، ثم موحدة (قال: حدثنا شعبة)؛ هو ابن الحجاج، (عن الأَشْعَث) بفتح الهمزة، وسكون المعجمة، وفتح العين المهملة، آخره مثلثة (بن سُليم)؛ بضمِّ السين المهملة؛ مصغَّرًا، (عن أبيه)؛ هو سليم بن الأسود المُحاربي -بضمِّ الميم- الكوفي، (عن مسروق)؛ هو ابن الأجدع الكوفي أبو عائشة، أدرك الصدر الأول من الصحابة، وأسلم قبل وفاته عليه السَّلام، وسمي مسروقًا؛ لأنَّه سرقه سارق في صغره، (عن عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنهما أنَّها (قالت: كان النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أفادت (كان) الدَّوام والاستمرار (يحب التيمُّن)؛ بالنصب على المفعولية؛ أي: البداءة باليمين لحسنه.

إن قلت: المحبَّة أمر باطني، فمن أين علمت عائشة محبته؟

قلت: قد علمت محبَّته عليه السَّلام لهذه الأشياء إمَّا بالقرائن، أو بإخباره عليه السَّلام لها بذلك، انتهى.

قلت: ويقال: علمت ذلك بسبب مداومته واستمراره على فعله ذلك، كما أفاده تعبيرها بـ (كان)؛ فافهم.

(ما استطاع) يجوز أن تكون كلمة (ما) موصولة، فتكون بدلًا من التيمُّن، ويجوز أن تكون بمعنى: ما دام، وبه احترز عمَّا لا يستطيع فيه التيمُّن شرعًا؛ كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، قاله إمام الشَّارحين (في شأنه كلِّه) الجار والمجرور يتعلق بالتيمُّن، ويجوز أن يتعلق بالمحبة أو بهما، على سبيل التنازع، وتأكيد الشأن بقولها: (كلِّه) يدلُّ على التعميم، فيدخل فيه نحو: لبس الثوب، والخفَّ، والسراويل، ودخول المسجد، والصلاة على ميمنة الإمام وميمنة المسجد، والأكل، والشرب، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقصِّ الشارب، ونتف الإبط، وحلق الرأس، والخروج من الخلاء، وغير ذلك، إلا ما خُصَّ بدليل؛ كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثوب والسراويل، فاستحب فيها التياسر؛ لأنَّه من باب الإزالة، والقاعدة: (أنَّ كل ما كان من باب التكريم والتزين؛ فاستحب فيه اليمين، وكل ما كان من باب الإزالة؛ فاستحب فيه التياسر)، لا يقال: حلق الرأس من باب الإزالة، فيبدأ فيه بالأيسر؛ لأنَّا نقول: هو من باب التزين، وقد ثبت الابتداء فيه بالأيمن.

(في طُهوره) بضمِّ الطاء المهملة؛ لأنَّ المراد: تطهره، وتفتح؛ أي: البداءة بالشق الأيمن في الغسل، وباليمين في اليدين والرجلين على اليسرى في الوضوء، وروى أبو داود في «سننه» من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «إذا توضأتم؛ فابدؤوا بميامنكم»، فإن قَدَّم اليسرى؛ جاز، ولكنَّه يكره تنزيهًا، وأمَّا الكَفَّان والخدان والأذنان؛ فيُطهرَان دفعة واحدة، نصَّ أئمتنا الأعلام عليه، (وترجله) بالجيم؛ أي: الابتداء بالشق الأيمن في تسريح لحيته ورأسه، ومن المستحبات جمع الشعر والظفر ونحوهما من أجزاء البدن ودفنها، وألا يقطع شيئًا إلا وهو متوضئ، وروى الترمذي في «الشمائل» من حديث عبد الله بن معقل قال: (نهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الترجل إلا غبًّا؛ أي: وقتًا بعد وقت)، وظاهره: أنَّه يُرجل بعد كلِّ وضوء، وقيل: إنَّه يفعل يومًا ويترك يومًا، ونقل عن الحسن: أنَّه في كل أسبوع، ولعله محمول على تمشيط شعر الرأس.

قلت: وظاهر الحديث: يدل على أنَّه بعد كل وضوء؛ لحديث الباب وحديث أنس قال: «كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أخذ مضجعه من الليل وُضع له سواكه وطهوره ومشطه، فإذا هيئه الله من الليل؛ استاك وتوضأ وامتشط»، رواه ابن الجوزي في كتاب «الوفاء»، وفي حديث أُبي بن كعب قال: قال عليه السَّلام: «من سرَّح لحيته كلَّ يوم؛ عوفي من أنواع البلاء، وزيد في عمره»، وعنه عليه السَّلام: «من مرَّ المشط على حاجبيه، عوفي من البلاء»، وعن علي بن أبي طالب مرفوعًا: «عليكم بالمشط؛ فإنَّه يذهب الفقر، ومن سرَّح لحيته حين يصبح؛ كان له أمانًا حتى يمسي»، وعن وهب بن منبه: (من سرَّح لحيته بلا ماء؛ زاد همُّه، أو بماء؛ نقص همُّه، ومن سرَّحها قائمًا؛ ركبه الدين، أو قاعدًا؛ ذهب عنه الدين، ومن سرَّحها يوم الأحد؛ زاده الله نشاطًا، أو الاثنين؛ قضى حاجته، أو الثلاثاء؛ زاده الله رخاءً، أو الأربعاء؛ زاده الله نعمة، أو الخميس؛ زاد الله في حسناته، أو الجمعة؛ زاده الله سرورًا، أو السبت؛ طهر قلبه)، كذا في «نزهة المجالس» لعبد الرحمن الصفوري.

قلت: وهذا يدل لما قلناه، ويدل عليه أيضًا ما في «الشمائل» عن أنس قال: (كان عليه السَّلام يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته)، وفي «الإحياء» في حديث غريب: (أنَّه عليه السَّلام كان يسرح لحيته في اليوم مرتين)، وقد أوضح المقام الإمام المحقق خاتمة المحدثين منلا علي القاري في رسالة خاصة في تسريح اللحية، والله أعلم.

(وتنعله)؛ بفتح الفوقية والنون، وتشديد العين المهملة المضمومة؛ أي: الابتداء بلبس اليمين من نعليه، وموقع (في طهوره) من الإعراب: البدل من قوله: (في شأنه) بدل بعض من كلٍّ.

فإن

<<  <   >  >>