للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مشهور بها، وكان له أربع نسوة، ودفع الثلث فأصاب كل امرأة منهن ألف ألف ومئتا ألف، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومئة ألف.

(إنِّي لأسمعك تحدث)؛ أي: لأسمع تحديثك، وحذف مفعوله، وفي رواية إسقاط: (إنِّي)، (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث) : الكاف للتشبيه، و (ما) : مصدرية؛ أي: كتحديث (فلان وفلان) : سمَّى منهما في رواية ابن ماجه: عبد الله بن مسعود، (قال)؛ أي: الزبير: (أَمَا)؛ بفتح الهمزة وتخفيف الميم، حرف تنبيه (إِنِّي)؛ بكسر الهمزة (لم أفارقه) عليه السلام، جملة من الفعل والفاعل والمفعول، محلها الرفع خبر: (إنَّ)، زاد في رواية: (منذ أسلمت)، وأراد به عدم المفارقة الصرفية؛ أي: ما فارقته سفرًا وحضرًا، وهجرته إلى الحبشة كانت قبل ظهور شوكة الإسلام؛ أي: ما فارقته عند ظهوره، أو المراد في أكثر الأحوال.

(ولكني) : وفي رواية: (لكنني)؛ بنونين، ويجوز في (أن) وأخواتها إلحاق نون الوقاية بها وعدم الإلحاق، وهي للاستدراك، وشرطه التوسط بين كلامين متغايرين، وهما هنا لازم عدم المفارقة السماع، ولازم السماع التحديث عادة، ولازم الحديث الذي ذكره في الجواب عدم التحديث، والمناسب لـ (سمعت) (قال)؛ ليوافقا ماضيًا لكن عدل (١) إلى المضارع؛ استحضارًا لصورة القول للحاضرين والحكاية عنها كأنه يريهم أنه قائل به الآن.

(سمعته) عليه السلام (يقول: من) : موصولة تتضمن معنى الشرط، وقوله: (كَذب)؛ بفتح الكاف وتخفيف الذال (عليَّ)؛ بفتح التحتية، أو لي صلة الموصول، وقوله: (فليتبوأ) : جواب الشرط، فلذا دخلته الفاء بكسر اللام هو الأصل، وبالسكون هو المشهور، وهو أمر من التبوُّء؛ وهو اتخاذ المباءة (٢)؛ أي: المنزل؛ أي: فليتخذ.

(مقعدَه)؛ بالنصب مفعول لـ (يتبوأ) (من) : هي بمعنى (في)؛ كما في قوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ} [الجمعة: ٩]؛ أي: في (النار) : والأمر هنا معناه الخبر، يريد: أن الله يبوِّئه مقعده من النار، وقيل: الأمر بالتبوء تهكم وتغليظ، وقيل: الأمر على حقيقته؛ أي: من كذب فليأمر نفسه بالتبوء، والظاهر والأولى أن يكون الأمر أمر تهديد، أو يكون دعاء على معنى بوأه الله مكانًا في النار.

واختلف في الكذب؛ فقيل: معناه الخصوص؛ أي: الكذب في الدين، كأن ينسب إليه تحريم حلال أو تحليل حرام، وقيل: كان ذلك في رجل بعينه كذب عليه عليه السلام، واحتجاج الزبير ينفي التخصيص، فهو عام في كل كذب في الدين والدنيا، ومن قصد الكذب على النبي الأعظم عليه السلام ولم يكن في الواقع كذبًا؛ فإنَّه يأثم بسبب قصده للكذب لا بسبب الكذب؛ لأنَّ قصد المعصية معصية، وإنما توقف الزبير في الرواية والإكثار منها؛ لأجل خوفه الغلط والنسيان، والغالط والناسي وإن كان لا إثم عليه فقد ينسب إلى تفريط؛ لتساهله، وأمَّا من أكثر منهم؛ فمحمول على أنهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتثبت وإطالة أعمارهم فسئلوا فلم يمكنهم الكتمان.

والحديث بعمومه يتناول العامد، والساهي، والناسي في إطلاق اسم الكذب عليهم، غير أن الإجماع انعقد على أن الناسي لا إثم عليه، كذا قرره الشيخ الإمام بدر الدين العيني في «عمدة القاري» قدس سره.

[حديث: من تعمد علي كذبًا فليتبوأ مقعده من النار]

١٠٨ - وبه قال: (حدثنا أبو مَعْمَر)؛ بفتح الميمين وسكون العين: عبد الله بن عمرو، المشهور بالمقعد المنقري البصري (قال: حدثنا عبد الوارث) : بن سعيد التميمي البصري، (عن عبد العزيز) : بن صهيب البصري (قال: قال أنس) : هو ابن مالك رضي الله عنه، وفي رواية: بإسقاط (قال) الأولى.

(إنَّه)؛ بكسر الهمزة والتشديد؛ أي: الشأن (ليمنعني) : اللام للتأكيد، والجملة محلها الرفع خبر (إنَّ) (أَنْ)؛ بفتح الهمزة وتخفيف النون (أحدثكم) : فهي ومعمولها في محل نصب مفعول أول (ليمنعني)؛ لأنَّ منع يتعدى لمفعولين، و (أن) : مصدرية؛ والتقدير: ليمنعني تحديثكم (حديثًا)؛ بالنصب مفعول مطلق، والمراد به الجنس (كثيرًا) : صفة له (أنَّ)؛ بفتح الهمزة وتشديد النون (النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم قال) : فـ (أن) واسمها وخبرها في محل رفع فاعل (يمنعني) (من تعمد عليَّ كذبًا) عام في جميع أنواع الكذب؛ لأنَّ النكرة في سياق الشرط كالنكرة في سياق النفي تعم، فـ (من) : موصولة تتضمن معنى الشرط، وقوله: (تعمد عليَّ كذبًا) : صلته، والمراد من قوله: (أحدثكم حديثًا) : هو حديث النبي الأعظم عليه السلام؛ لأنَّه هو المراد في عرف الشرع عند الإطلاق، كما أنه إذا أطلق الإمام الأعظم؛ فالمراد به هو أبو حنيفة النعمان التابعي الجليل رأس المجتهدين.

وقوله: (فليتبوأ) : جواب الشرط؛ أي: فليتخذ (مقعدَه)؛ بالنصب مفعوله (من)؛ أي: في (النار) : أمر تهديد أو دعاء كما مر، وكثرة الحديث وإن كان صادقًا فيه ينجر إلى الكذب غالبًا عادة، ومن حام حول الحمى؛ أوشك أن يقع فيه، فالتعليل للاحتراز عن الانجرار إليه، ولو كان وقوعه على سبيل الندرة، فأفاد أنس أن توقيه من التحديث لم يكن للامتناع من أصل التحديث للأمر بالتبليغ، وإنما هو لخوف الإكثار المفضي إلى الخطأ.

[حديث: من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار]

١٠٩ - وبه قال: (حدثنا المكي) : وفي رواية: بالإفراد والتنكير (بن إبراهيم) : البلخي (قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد)؛ بالتصغير: أبو خالد الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع، المتوفى سنة ست أو سبع وأربعين ومئة، (عن سَلَمَة)؛ بفتح المهملات (ابن الأكوع) : سنان بن عبد الله الأسلمي المدني، المتوفى سنة أربع وسبعين عن ثمانين سنة، المدفون بالمدينة، الذي كلَّمه الذئب، قال سلمة: رأيت الذئب قد أخذ ظبيًا فطلبته حتى نزعته منه، فقال: ويحك ما لي وما لك، عمدت إلى رزق رزقنيه الله ليس من مالك فنزعته مني، قال: قلت: أيا عباد الله إن هذا لعجب ذئب يتكلم، فقال الذئب: أعجب منه أن رسول الله عليه السلام في أصول الحل يدعوكم إلى عبادة الله وتأبون إلا عبادة الأوثان، قال: فلحقت برسول الله عليه السلام فأسلمت.

(قال سمعت النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: كلامه حال كونه (يقول: من) : موصولة تتضمن معنى الشرط (يقل) : أصله: يقول، حذفت الواو؛ للجزم لأجل الشرط، (ما لم أقل)؛ أي: الذي لم أقله، وهذا اللفظ خاص بالقول، لكن لا شك أن الفعل في معناه؛ لاشتراكهما في علة الامتناع وهو الجسارة على الشريعة، ومشرعها عليه السلام.

(فليتبوَّأ) : جواب الشرط؛ أي: فليتخذ (مقعدَه) : مفعوله (من) في (النار) : واحتج بظاهره من منع رواية الحديث بالمعنى، والجمهور على عدم المنع؛ لأنَّ المراد من النهي الإتيان بلفظ يوجب تغيير الحكم، على أن الإتيان باللفظ أولى بلا شك.

[حديث: تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي]

١١٠ - وبه قال: (حدثنا)؛ بالجمع، وفي رواية: بالإفراد (موسى) : هو ابن إسماعيل المنقري التبوذكي البصري (قال: حدثنا أبو عَوانة)؛ بفتح العين: الوضاح اليشكري، (عن أبي حَصِين)؛ بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين: عثمان بن عاصم الكوفي، المتوفى سنة سبع أو ثمان وعشرين ومئة، (عن أبي صالح) : ذكوان السمان الزيات المدني، (عن أبي هريرة) : عبد الرحمن بن صخر، (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم قال: تَسَمُّوا)؛ بفتح التاء والسين وتشديد الميم، أمر بصيغة الجمع من باب التفعل (باسمي) : محمد وأحمد، (ولا تَكْتَنوا)؛ بفتح التائين، بينهما كاف ساكنة، وفي رواية الأربعة: (ولا تكَنُّوا)؛ بفتح الكاف وتشديد النون بدون تاء ثانية، من باب التفعل، وأصله: لا تتكنوا، فحذفت أحد التائين، أو بضم التاء، وفتح الكاف، وضم النون المشددة، من باب التفعيل، أو بفتح التاء وإسكان الكاف، والكل من الكناية، وهي في الأصل: أن يتكلم بشيء ويريد (٣) به غيره.

والاسم العلم إما أن يكون مشعرًا بمدح أو ذم، وهو اللقب، وإما ألَّا يكون، فإما أن يصدر؛ بنحو الأب أو الأم وهو الكنية، أو لا وهو الاسم، فاسم النبي الأعظم عليه السلام: محمد، وكنيته: أبو القاسم، ولقبه: رسول الله وسيد المرسلين مثلًا عليه السلام.

(بكنيتي) : وهو من عطف المنفي على المثبت، واستدل بهذا أهل الظاهر على منع التكني بكنيته عليه السلام مطلقًا، قال الشافعي: ليس لأحد أن يكتني بأبي القاسم، سواء كان اسمه محمدًا أم لا، ومنع قوم تسمية الولد بالقاسم كيلا يكون سببًا للتكنية، وقال قوم: يجوز التكني بأبي القاسم لغير من اسمه محمد أو أحمد، ويجوز التسمية بأحمد ومحمد ما لم يكن له كنية بأبي القاسم.

وقال إمامنا الإمام الأعظم والجمهور: إن النهي منسوخ في الإباحة، وبه قال مالك لما في «أبي داود» من حديث محمد بن الحنفية قال: قال علي: قلت: يارسول الله؛ إنْ وُلِدَ لي وَلَدٌ من بعدك أنسميه باسمك ونكنيه بكنيتك؟ قال: «نعم».

وقال أحمد بن عبد الله: ثلاثة تكنوا بأبي القاسم محمد بن الحنفية، ومحمد بن أبي بكر، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، وقال ابن جرير: النهي في الحديث للتنزيه والأدب لا للتحريم، وقيل: النهي مقصور على حياة النبي الأعظم؛ لأنَّه ذكر أن سبب الحديث أن رجلًا نادى: يا أبا القاسم، فالتفت النبي الأعظم، فقال: لم أعنك وإنما دعوت فلانًا، وقيل:


(١) في الأصل: (عدم).
(٢) في الأصل: (المناءة).
(٣) في الأصل: (وتريد).

<<  <   >  >>