للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(مفاعلة)؛ مثل: منابذة؛ وهي أن يجعل نفس النبذ بيعًا، وأن يقول: إذا نبذته إليك؛ فلا خيار لك إذا رأيته، ويحتمل أن يراد به نبذ الحصى، وذلك كأن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، وأن يقول: لك الخيار إلى أن أرمي بهذه الحصاة، أو أن يجعلا نفس الرمي بالحصاة بيعًا كأن يقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة؛ فهو مبيع بكذا، والملامسة والمنابذة وإلقاء الحجر كانت بيوعًا في الجاهلية، وكأن الرجلان يتساومان المبيع، فإذا ألقى المشتري عليه حصاة، أو نبذه البائع إلى المشتري، أو لمسه المشتري؛ لزم البيع، وقد نهى الشَّارع صلَّى الله عليه وسلَّم عن ذلك، كذا في «عمدة القاري» نقلًا عن علمائنا الأعلام قدس الله أرواحهم.

قلت: وهذه الثلاثة البيع فيها فاسد؛ للنهي المذكور في الحديث، وذلك لوجود الشرط الفاسد، أو لعدم الرؤية، أو لوجود القمار، فكانت فاسدة إن سبق ذكر الثمن، وسوف يأتي في (البيوع) بقية الكلام عليه؛ فليحفظ.

(وأن يشتمل) عطف على قوله: (عن بيعتين)؛ أي: ونهى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أيضًا أن يشتمل، وكلمة (أن) مصدرية؛ والتقدير: أي: وعن اشتمال الثوب كالصخرة (الصماء)؛ لأنَّها مسدودة المنافذ، فيتعذر أو يتعسر على المشتمل إخراج يديه منه؛ لما يعرض له في صلاته من دفع بعض الهوام ونحوها، أو لانكشاف عورته على تفسير الفقهاء، وهو الموافق لما عند المؤلف في (اللباس)، كما قدمناه، وفي رواية ابن عساكر: (وأن يُشتمل)؛ بضم أوله مبنيًّا للمفعول، و (الصماءُ)؛ بالرفع نائبًا عن الفاعل، (و) نهى (أن يَحتبِي)؛ بفتح أوله، وكسر الموحدة، وفي رواية ابن عساكر: بضم أوله، وفتح الموحدة (الرجل)؛ أي: عن احتباء الرجل القاعد على إليتيه منصبًا ساقيه، ولفظة (الرجل) ساقطة في رواية الأصيلي وابن عساكر؛ ملتفًّا (في ثوب واحد)؛ أي: ليس على فرجه منه شيء، فإن الاحتباء المطلق هنا محمول على المقيد في الحديث الذي قبله، كما قاله إمام الشَّارحين، ففيه: النهي عن اشتمال الصماء، وهو مكروه على تفسير أهل اللغة، ويحرم على تفسير الفقهاء إن انكشف به بعض العورة، وإلا؛ فيكره، وفيه: النهي عن الاحتباء الذي فيه كشف العورة، وهو حرام مطلقًا، سواء كان في الصلاة أو خارجها، كما قدمناه؛ فافهم.

[حديث: ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان]

٣٦٩ - وبالسند إليه قال: (حدثنا إسحاق) : غير منسوب في رواية الأكثرين، وفي نسخة عن رواية أبي ذر: (إسحاق بن إبراهيم)، قال إمام الشَّارحين: (ولكونه ذكر غير منسوب تردد فيه الحفاظ؛ فمنهم من قال: إسحاق بن منصور، ومنهم من قال: إسحاق بن إبراهيم المشهور بابن راهويه؛ لأنَّ كلًّا منهما يروي عن يعقوب بن إبراهيم، والنسخة التي فيها: إسحاق بن إبراهيم: هي الأصح) انتهى.

ويدل عليه ما قاله الجياني عن ابن السكن: (إذا ذكر إسحاق غير منسوب؛ يكون ابن راهويه).

قلت: وهذا هو الظاهر كما لا يخفى، فهو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي، المشهور بابن راهويه، المتوفى بنيسابور، سنة ثمان وثلاثين ومئتين، وما زعمه ابن حجر رده إمام الشَّارحين؛ فافهم.

(قال: حدثنا) وللأصيلي: (أخبرنا) (يعقوب بن إبراهيم) : هو ابن سعْد؛ بسكون العين المهملة، سبط عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (قال: حدثنا ابن أخي ابن شهاب) : هو محمد بن عبد الله ابن أخي ابن شهاب الزهري، (عن عمه) : هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (حُمَيْد) بضم الحاء المهملة، وفتح الميم، وسكون التحتية (بن عبد الرحمن بن عَوْف)؛ بفتح العين المهملة، وسكون الواو، التابعي: (أن أبا هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه (قال: بعثني أبو بكر) : هو عبد الله بن أبي قحافة، واسمه عثمان الصديق الأكبر رضي الله عنه (في تلك الحجة)؛ أي: التي أمَّر النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم الصديق على الحاجِّ، وهي قبل حجة الوداع بسنة، وهي السنة التاسعة، كما في «عمدة القاري».

(في مؤذنين)؛ أي: في رهط يؤذنون في الناس (يوم النحر) : وهو يوم العاشر من ذي الحجة، وكأنه مقتبس مما قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ} [التوبة: ٣]، وفي رواية أبي داود: (يوم الحج الأكبر يوم النحر)، والحج الأكبر: الحج، قلت: والحج الأصغر: العمرة، قاله إمام الشَّارحين.

(نؤذن)؛ بالنون، ثم الهمزة (بِمِنًى)؛ بكسر الموحدة، والميم، وبالقصر، وهي على ثلاثة أميال من المزدلفة، ومقول (المؤذنين) هو قوله: (ألا يحج بعد العام مشرك)؛ بإدغام نون (أن) في (لا يحج)؛ لأنَّ أصله: أن لا يحج، فصار (ألَّا)؛ بفتح الهمزة، وتشديد اللام، وهذه رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني: (أَلَا لا يحج)؛ بأداة الاستفتاح قبل حرف النفي، ويحتمل أن تكون (أن) تفسيرية، فـ (لا) نافية، و (يحجُ) و (يطوفُ)؛ بالرفع، وزعم ابن حجر أن (لا) حرف نهي، ورده إمام الشَّارحين فقال: (وليس كذلك، بل هو حرف النفي) انتهى.

قلت: وهو الظاهر، والمعنى عليه؛ فافهم.

وقال ابن الدماميني: لأن ما بعده: (ولا يطوف) انتهى.

يعني: فـ (لا) : حرف نفي لا نهي، ويحتمل أن تكون (أن) ناصبة، فـ (يحجَّ) و (يطوفَ) نصبٌ، وقال الكرماني: (هل يكون ذلك العام داخلًا في هذا الحكم أم لا؟

قلت: الظاهر أن المراد: بعد خروج هذا العام لا بعد دخوله)، قال إمام الشَّارحين: (وينبغي أن يدخل هذا العام أيضًا بالنظر إلى التعليل) انتهى.

(ولا يطوف بالبيت عريان)؛ بالنصب عطفًا على المنصوب قبله، أو بالرفع، كما سبق، فإن منع الطواف عاريًا يدل على وجوب ستر العورة، وهذا وجه المطابقة لما ترجم له؛ لأنَّ ستر العورة إذا كان شرطًا في الطواف الذي هو يشبه الصلاة؛ فاشتراطها في الصلاة أولى وأجدر، فهذا الحديث يدل على اشتراط ستر العورة في الصلاة، وهو يتضمن أمر أبي بكر وأمره بذلك من أمر النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ حيث إنه أمَّره بالحج، وقد سبق الكلام عليه في باب (وجوب الصلاة في الثياب)، والله أعلم بالصواب.

(قال: حُمَيْد) بضم الحاء المهملة، وفتح الميم، وسكون التحتية (بن عبد الرحمن) : هو ابن عوف التابعي، (ثم أردف) أي: أرسل (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليًّا) : هو الصديق الأصغر ابن أبي طالب وراء أبي بكر الصديق الأكبر رضي الله عنه، (فأمَّره أن يؤذنُ ببراءةٌ)؛ بالرفع على الحكاية، كما في «فرع الينونينية»، ويجوز الفتح على أنها علم للسورة، ويجوز الكسر مع التنوين؛ أي: بسورة براءةٍ، قال إمام الشَّارحين: (وقول حميد هذا مرسل من قبيل مراسيل التابعين؛ لأنَّ حميدًا ليس بصحابي حتى يقال: إنه

<<  <   >  >>