للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

النبوة روايات كثيرة، ففي «مسلم» عن جابر بن سمرة: (ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده)، وفي رواية لأحمد من حديث أبي رمثة التميمي (١) قال: (خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله عليه السلام، فرأيت برأسه رَدْع حناء، ورأيت على كتفه مثل التفاحة، فقال أبي: إني طبيب، ألا أبطها لك؟ قال: «طيَّبها الذي خلقها»)، وقوله: (رَدْع حناء)؛ بفتح الرَّاء وسكون الدَّال آخره عين مهملة؛ أي: لطخ حناء، والحِنَّاء؛ بالكسر والتشديد وبالمد معروف، والحناه: أخص منه، وقوله: (ألا أبطها) من البط، وهو شق الدمَّل والخرَّاج، وفي «صحيح الحاكم» : (شعر مجتمع)، وفي «كتاب البيهقي» : (مثل السلعة)، وفي «الشامل» : (بَضعة ناشزة)، والبضعة؛ بفتح الموحدة: هي القطعة من اللحم، و (ناشزة)؛ بالنُّون والشين والزاي المعجمتين؛ أي: مرتفعة عن الجسم، وفي حديث عمرو بن أحطب: (كشيء يختم به)، وفي «تاريخ ابن عساكر» : (مثل البندقة)، وفي «الترمذي» : (كالتفاحة)، وفي «الروض» : (كأثر المحجم القابض على اللحم)، وفي «تاريخ ابن أبي خيثمة» : (شامة خضراء محتفرة في اللحم)؛ أي: غائصة فيه، وأصله من حفر الأرض، وفيه أيضًا: (شامة سوداء تضرب إلى الصفرة، حولها شعرات متراكبات كأنها عُرْفُ الفرس)، وفي «تاريخ القضاعي» : (ثلاث مجتمعات)، وفي كتاب «المولد» لابن عابد: (كأن نورًا يتلألأ)، وفي «سيرة ابن أبي عاصم» : (عذرة كعذرة الحمامة)، قال أبو أيوب: (يعنى: قرطمة الحمامة)، وفي «تاريخ نيسابور» : (مثل البندقة من لحم، مكتوب فيه باللحم: محمد رسول الله)، وعن عائشة رضي الله عنها: (كتينة صغيرة تضرب إلى الدهمة، وكانت مما يلي القفا، قالت: فلمسته حين توفي، فوجدته قد رفع)، وذكر أبو دحية الحافظ: (كان الخاتم الذي بين كتفي النبي عليه السلام كأنه بيضة حمامة مكتوب في باطنها: الله وحده، وفي ظاهرها: توجه حيث شئت؛ فإنك منصور)، ثم قال: (حديث غريب مستنكر)، ولا منافاة بين هذه الروايات؛ لاحتمال أنَّه عليه السلام متَّصف بجميعها، قال في «المواهب» : (واختلفت أقوال الرواة في خاتم النبوة، وليس ذلك باختلاف، بل كلٌّ شبَّه بما سنح له، وكلها ألفاظ مرادها واحد)، وقال القاضي عياض: وهذه الروايات متقاربة متفقة على أنه شاخص في جسده الشريف.

وليس الخاتم مختصًا به عليه السلام، فقد أخرج الحاكم في «المستدرك» عن وهب بن منبه أنه قال: (لم يبعث الله نبيًّا إلا وقد كان عليه شامات النبوة في يده اليمنى إلا نبينا عليه السلام؛ فإن شامات النبوة كانت بين كتفيه بإزاء قلبه)، وعلى هذا فيكون وَضْعُ الخاتم بين كتفيه بإزاء قلبه مما اختصَّ به على سائر الأنبياء عليهم السلام، والله تعالى أعلم.

وفي يوم الأربعاء السابع عشري محرم سنة سبع وسبعين قد أمر فؤاد باشا المحقق بشنق أربعة في كل شارع واحد، فشنقوا بعد الظهر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي ثاني يومٍ الخميس أمر بإخراج أرباب البيوت التي في زقاق القنوات من البوابة التي عند بيت جعفر آغا إلى قنطرة نهر قنوات، وهي تبلغ مئة ونيف وعشرين بيتًا، فأخرجوا في الحال، والظاهر: لأجل أن يسكن فيها النصارى التي في القلعة، ونسأل الله الحنَّان المنَّان أن يفرج عنَّا وعن المسلمين كلَّ غمٍّ وهمٍّ وكربٍ بجاه النبي الأعظم عليه السلام، وهو أرحم الراحمين.

(٤١) [باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة]

هذا (باب: من تمضمض)؛ بإضافة (باب) إلى (مَن)، وهي موصولة، أو نكرة موصوفة بقوله: (تمضمض)، وفي رواية: (مضمض)؛ بحذف المثناة الفوقية أوله (واستنشق من غرفة واحدة) : متعلق بكل من الفعلين على التنازع؛ لاتفاق أهل الكوفة والبصرة على جواز إعمال كلٍّ منهما، وعلى مذهب الكوفيين، فهو متعلق بـ (تمضمض)، وحذف متعلق (استنشق)؛ تقديره: منها، وعلى مذهب البصريين متعلق بـ (استنشق)، وحذف متعلق (تمضمض)؛ تقديره: منها، ومذهب الكوفيين هو الأَولى؛ فافهم، و (الغَرفة)؛ بفتح الغين المعجمة أو بضمها وبهما قُرئ في قوله تعالى: {وَهُمْ فِي الغُرُفَاتِ} [سبأ: ٣٧]، والثاني: أظهر، وهذا صادق بثلاث صور: بأن يتمضمض ثلاثًا ولاءً ثم يستنشق كذلك؛ كلاهما من غرفة واحدة، وبأن يتمضمض مرة ثم يستنشق مرَّة يفعل كذلك من غرفة واحدة، وبأن يتمضمض ثم يستنشق من غرفة واحدة، ثم يتمضمض ويستنشق من غرفة ثانية كذلك، ثم ثالثة كذلك، وهذه الصورة هي الأَولى والأحسن؛ لموافقتها لظاهر اللفظ؛ فافهم.

[حديث عبد الله بن زيد في وصف وضوء النبي وفيه: مضمض واستشق من كفة]

١٩١ - وبه قال: (حدثنا مسَدَّد)؛ بالسين والدَّال المشددة المهملتين المفتوحتين: هو ابن مسرهد (قال: حدثنا خالد بن عبد الله)؛ أي: ابن عبد الرحمن الواسطي، أبو الهيثم الطحان، المتصدِّق بزنة بدنه فضة ثلاث مرات، المتوفى سنة تسع وستين ومئة، كذا في «عمدة القاري»، وفي «التقريب» : (وكان مولده سنة عشر ومئة، ومات سنة اثنتين وثمانين ومئة)، وفي «الكرماني» وتبعه القسطلاني: (أنَّه مات سنة تسع وسبعين)، ففي مقدار عمره اختلاف؛ فافهم (قال: حدثنا عَمرو) بفتح العين المهملة (بن يحيى)؛ أي: المازني الأنصاري، (عن أبيه)؛ أي: يحيى بن عمارة، (عن عبد الله بن زيد)؛ أي: ابن عاصم بن كعب الأنصاري المازني، أبو محمد الصحابي المشهور، قيل: قتله مسيلمة الكذاب، واستشهد بالحرَّة سنة ثلاث وستين (أنَّه)؛ بفتح الهمزة؛ أي: بأنَّ عبد الله بن زيد، ويحتمل كسرها؛ أي: قائلًا يحيى: إنَّ عبد الله (أفرغ) أي: صبَّ الماء (من الإناء على يديه فغسلهما)؛ أي: معًا ثلاثًا أو مرتين على ما سبق، لكنَّ أكثر الرواة على الأول؛ فافهم.

(ثم غسل)؛ أي: عبد الله فمه؛ لأجل المضمضة، فالمفعول محذوف (أو مضمض) شكٌّ من الراوي أيًّا كان، وقال الكرماني: (الظاهر: أنَّ الشكَّ من يحيى التابعي)، قال ابن حجر: (وهو غريبنم، والظاهر: أن الشك من مسَدَّد شيخ المؤلف)، قال في «عمدة القاري» : (كل منهما محتمل، وكونه من الظاهر من أين؟ بلا قرينة) انتهى، واستند ابن حجر في «الانتقاض» للاستظهار الذي قاله بما في «مسلم»، عن محمد بن الصباح، عن خالد بسنده هذا من غير شك بلفظ: (ثم أدخل يده، فاستخرجها، فمضمض واستنشق)، وبما أخرجه الإسماعيلي من طريق وهب بن بقية عن خالد كذلك؛ فإنه لا شكَّ في روايتهما عن التابعي، فينبغي حمل كلام المؤلف عليهما وأن الشك من غيره، فهذا قرينة، واحتمال أن التابعي رواه بالشك تارة وبغيره أخرى مرجوح؛ إذ الأصل عدم التعدد، انتهى.

قلت: وما استند به لا ينهض دليلًا لما قاله، فإن ما ذكره مسلم والإسماعيلي هو عين ما أورده المؤلف في باب (غسل الرجلين إلى الكعبين) عن شيخه موسى بن إسماعيل، فهذا دليل على أن الشك من يحيى التابعي، وأنَّه رواه هناك عن أبيه عن عبد الله بدون الشك، وهنا بالشك؛ لأنَّ الراوي يروي الذي سمعه بدون زيادة ولا نقص، وهذا لا يكون قرينة على ما ذكره؛ لأنَّ الرواة مختلفة، فكلٌّ روى ما سمعه، وقوله: (فينبغي...) إلخ: لا حاجة لهذا الانبغاء المقول بالرأي الفاسد بعد العلم بأن اللفظين مختلفان، وقوله: (واحتمال...) إلخ: ممنوع، فهذا الاحتمال على زعمه هو عين اليقين في تغاير اللفظين، فلا يكون هذا الاحتمال مرجوحًا، كما زعمه، بل هو الواقع حقيقة، وقوله: (الأصل: عدم التعدد) : ممنوع؛ لأنَّ حجتنا مثبِتة، وكلامه ناف، والمثبِت مقدَّم على النافي عند المحققين، فلا وجه لما ذكره هذا القائل، كما لا يخفى على أولي الألباب.

(واستنشق من كَفة واحدة)؛ بفتح الكاف وضمها-لا بكسرها؛ لأنَّه لغة في كِفة الميزان لا في واحد الأكف- آخره هاء تأنيث، وفي رواية الأكثرين: (من كفٍّ)؛ بلا تاء، وفي أخرى: (من كفٍّ واحدة)؛ بالتأنيث، وفي أخرى: (من كفأة) مهموزًا، وفي أخرى: (من غرفة واحدة)، قال ابن بطال: (والمراد بالكفة؛ أي: الحفنة، فاشتق لذلك من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى، ولا يعرف في كلام العرب إلحاق هاء التأنيث في «الكف»)، وقال ابن التين: (اشتق ذلك من اسم الكف، فسمي الشيء باسم ما كان فيه)، وقال في «المطالع» : (هي بالضم والفتح مثل: غرفة؛ أي: ملء كفِّه من ماء).

وزعم ابن حجر أنَّ محصَّل ذلك أنَّ المراد من قوله: (كفة) : (فعلة) في أنها تأنيث الكف.

واعترضه في «عمدة القاري» : (بأنَّ هذا محصَّل غير حاصل، فكيف يكون «كفة» تأنيث «كف»، والكف مؤنث،


(١) في الأصل: (أبي رمية التيمي)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>