للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كنسبة المد والصاع إلى جسده عليه السلام، والثالث: أن يكون متفاحش الخلق طولًا وعرضًا، وعظم البطن، وثخانة الأعضاء، فيستحب ألَّا ينقص عن مقدار يكون النسبة إلى بدنه كنسبة المد والصاع إلى النبي عليه السلام).

ثم قال: (واعلم أن الروايات مختلفة في هذا الباب، ففي رواية أبي داود من حديث عائشة: «أنه عليه السلام كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد»، ومن حديث جابر كذلك، ومن حديث أم عمارة: «أنَّه عليه السلام توضأ، فأتي بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد»، وفي رواية عن أنس: «أنه عليه السلام كان يتوضأ بإناء يسع رطلين ويغتسل بالصاع»، وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، والحاكم في «مستدركه» من حديث عبد الله بن زيد: «أنَّه عليه السلام أتي بثلثي مد من ماء، فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه»، وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»، وقال الثوري: «حديث أم عمارة حسن»، وفي رواية مسلم من حديث عائشة: «كانت تغتسل هي والنبي عليه السلام من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد»، وفي رواية: «من إناء واحد تختلف أيدينا فيه»، وفي رواية: «فدعت بإناء قدر الصاع، فاغتسلت فيه»، وفي أخرى: «كانت تغتسل بخمسة مكاكيك وتتوضأ (١) بمكوك»، وفي أخرى: «يغسله عليه السلام الصاع ويوضئه المد»، وفي أخرى: «يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد»، وفي رواية المؤلف: «نحوًا من صاع»، وفي لفظ: «من قدح يقال له: الفَرَق»، وعند النسائي: «نحو ثمانية أرطال»، وفي «مسند أحمد بن منبع» : «حزرته ثمانية أو تسعة أو عشر أرطال»، وعند ابن ماجه بسند ضعيف، عن عقيل، عن أبيه قال عليه السلام: «يجزئ من الوضوء مد ومن الغسل صاع»، وكذا رواه الطبراني في «الأوسط» من حديث ابن عباس، وعند أبي نعيم في «المعرفة» من حديث أم سعيد بنت زيد بن ثابت ترفعه: «الوضوء مد والغسل صاع») انتهى.

قلت: وليس معنى الحديث على التوقيت: أنَّه لا يجوز أكثر منه ولا أقل منه، بل هو تقدير أدنى الكفاية عادة، وليس بلازم حتى من أسبغ بدون ذلك؛ أجزأه، وإن لم يكفه؛ زاد عليه؛ لأنَّ طباع الناس وأحوالهم تختلف، كما في [ما] قدمناه عن «البدائع».

والجمع بين هذه الروايات: أنَّها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله، فدل ذلك على أنَّه لا حدَّ في قدر ماء الطهارة يجب استيفاؤه، والإجماع قائم على ذلك، فالقلة والكثرة باعتبار الأشخاص والأحوال؛ فليحفظ.

وقال في «عمدة القاري» : (والفَرَق: بفتح الفاء وفتح الرَّاء، وقال أبو زيد: «بفتح الرَّاء وسكونها»، وزعم النووي أن الفتح أفصح، وزعم الباجي أنَّه الصواب، وليس كما قال، بل هما لغتان، وقال ابن الأثير: «الفرق -بالتحريك- يسع ستة عشر رطلًا، وهي ثلاثة أصوع، وقيل: الفرق: خمسة [أقساط]، وكل قسط نصف صاع، وأما الفرْق -بالسكون- فمئة وعشرون رطلًا»، وقال أبو داود: سمعت أحمد ابن حنبل يقول: «الفرق: ستة عشر رطلًا، والمكوك: إناء يسع المد المعروف عندهم»، وقال ابن الأثير: «المكوك: المد، وقيل: الصاع»، والأول أشبه؛ لأنَّه جاء في الحديث مفسرًا بالمد، وقال أيضًا: «المكوك: اسم للمكيال، ويختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، ويجمع على مكاكي؛ بإبدال الياء من الكاف الأخيرة، ويجيء أيضًا على مكاكيك»)، انتهى، والله تعالى أعلم.

اللهم إنِّي أسألك بالنبي الأعظم عليه السلام وبآله وأصحابه رضي الله عنهم أن تفرِّج عنا وعن المسلمين، وأن تكشف عنَّا وعنهم الهموم والأحزان، وتبدلها أمنًا وسرورًا برحمتك يا أرحم الراحمين؛ لأنَّ في يوم الاثنين العاشر صفر سنة سبع وسبعين سكَّروا أبواب البلد، ووضعوا العساكر في الأسواق والطرقات، ومسكوا النظام، ففرَّ من فرَّ، وقرَّ من قرَّ، وضجَّ من ضجَّ، وهجَّ من هجَّ، وعزم من عزم، ودعا من دعا، وكبَّر من كبَّر، وأغلق من أغلق، وبات الناس في كرب عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنَّه على ما يشاء قدير، وأستغفر الله العظيم.

(٤٨) [باب المسح على الخفين]

هذا (باب) جواز (المسح على الخفين) في الوضوء بدلًا عن غسل الرجلين، وإنَّما عبَّر بـ (الخفين)؛ إشارةً إلى أنه لو لبس خفًّا واحدة؛ لا يجوز عليها المسح، لكن إذا كانت إحدى رجليه مقطوعة مما فوق الكعب؛ فإنه يجوز كما أفصح به في «الينابيع» وغيره، وإنما قال: (على الخفين)؛ إشارةً إلى أنَّ المسح لا يكون إلا على ظاهرهما، وإنَّما سمِّي الخف خفًّا؛ لأنَّه من الخفة؛ لأنَّ الحكم خفَّ به من الغسل إلى المسح، كما في «البحر» و «السراج»، قلت: وفيه أنَّه يقتضي حصول التسمية حين المشروعية مع أن اللغة سابقة على ورود الشرع، وقد قال العلامة خير الدين الرملي الحنفي: المسح على الخفين من خصائص هذه الأمة، فكيف يعلل للوضع السابق عليه؟ وقد يجاب: بأنَّ الواضع هو الله تعالى، كما هو قول الأشعري، وهو تعالى عالم بما يشرعه على لسان نبيه الأعظم عليه السلام؛ فليحفظ.

وهو في اللغة: إمرار اليد على الشيء، واصطلاحًا: عبارة عن رخصة مقدرة جُعِلَتْ للمقيم يومًا وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها، كذا في «البحر»، واعترضه في «النهر» وقال: (الأولى أن يقال: هو إصابة اليد المبتلة الخف أو ما يقوم مقامها في الوضع المخصوص في المدة الشرعية) انتهى، وهو شامل لما لو كان المسح باليد أو الخرقة ونحوهما كالمطر.

وإنَّما قلنا بالجواز؛ للإشارة إلى أنَّ المسح غير واجب؛ لأنَّ العبد مخيَّر بين فعله وتركه، كذا قالوا، وينبغي أن يكون المسح واجبًا في مواضع؛ منها: إذا كان معه ماء لو غسل به رجليه؛ لا يكفي وضوءَه، ولو مسح على الخفين؛ يكفيه، فإنَّه يتعين عليه المسح، ومنها: ما لو خاف خروج الوقت لو غسل رجليه؛ فإنه يمسح، وتمامه في «منهل الطلاب».

[حديث سعد في مسح النبي على الخفين]

٢٠٢ - وبه قال: (حدثنا أَصْبَغ)؛ بفتح الهمزة، وسكون الصَّاد المهملة، وفتح الموحدة، آخره معجمة، أبو عبد الله (بن الفَرَج)؛ بفتح الفاء والرَّاء آخره جيم، الفقيه القرشي المصري، المصطعلك بالفقه والنظر، المتوفى سنة ست وعشرين ومئتين (عن ابن وَهب)؛ بفتح الواو: هو عبد الله القرشي المصري، ولم يكن في المصريِّين أكثر حديثًا منه، طُلِبَ للقضاء؛ فجنن نفسه، وانقطع، وكان أصبغ ورَّاقًا له (قال: حدثني)، وفي رواية: (أخبرني)؛ بالإفراد فيهما (عَمرو)؛ بفتح العين المهملة؛ أي: ابن الحارث، كما في روايةٍ، أبو أمية المؤدب الأنصاري المصري القارئ الفقيه، المتوفى بمصر سنة ثمان وأربعين ومئة (قال: حدثني) بالإفراد (أبو النَّضْر)؛ بفتح النُّون وسكون المعجمة، سالم بن أبي أمية القرشي المديني، مولى عمر بن عبد الله التيمي وكاتبه، المتوفى سنة تسع وعشرين ومئة، (عن أبي سلَمة)؛ بفتح اللام؛ أي: عبد الله (بن عبد الرحمن)؛ أي: ابن عوف القرشي الفقيهالمدني، (عن عبد الله بن عمر)؛ أي: ابن الخطاب رضي الله عنهما، (عن سعْد) بسكون العين المهملة (بن أبي وقَّاص)؛ بتشديد القاف وبالصَّاد المهملة، أحد العشرة رضي الله عنه.

قال في «عمدة القاري» : وهذا من مسند سعد بحسب الظاهر، وكذا جعله صاحب «الأطراف»، ويحتمل أن يكون من مسند عمر أيضًا، وقال الدارقطني: (رواه أبو أيوب الأفريقي، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، عن عمر وسعد عن النبي عليه السلام)، ثم قال الدارقطني: (والصواب: قول عمرو بن الحارث، عن أبي النضر، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، عن سعد (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم أنَّه مسح على الخفين)؛ بشروط؛ منها: لبسهما بعد غسل الرجلين، ومنها: سترهما للكعبين، ومنها: إمكان متابعة المشي فيهما، ومنها: خلوُّ كل منهما عن خرق قدر ثلاث أصابع، ومنها: استمساكهما على الرجلين من غير شدٍّ، ومنها: منعهما وصول الماء إلى الجسد، ومنها: أن يبقى من مُقدَّم القدم قدر ثلاث أصابع، كما هو مبسوط في كتب الفروع، ففيه دليل على ثبوته بالسنة، وقيل: إنَّه ثبت بالكتاب؛ عملًا بقراءة الجر، فإنها لمَّا عارضت قراءة النصب؛ حُمِلَتْ على ما إذا كان متخففًا، وحُمِلَتْ قراءة النصب على ما إذا لم يكن متخففًا، واختاره في «غاية البيان»، وقال الجمهور: إنَّه لم يثبت بالكتاب بدليل قوله: {إِلَى الكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦]؛ لأنَّ المسح غير مُقَدَّرٍ بها بالإجماع، والصحيح أنَّه ثابت بالسنة، كما في «البحر» عن «المستصفى»، واختاره الجمهور، وحملوا قراءة الجر عطفًا على المغسول، والجر؛ للجوار، وقد جاءت السنة بجوازه قولًا وفعلًا، فمُنْكِرُهُ مبتدع، وقال صاحب «البدائع» : (المسح على الخفين جائز عند عامة الفقهاء وعامة الصحابة إلا شيئًا روي عن ابن عباس: «أنه لا يجوز»، وهو قول الرافضة والخوارج)، ثم قال: (وروي عن الحسن البصري أنَّه قال: «أدركت سبعين صحابيًّا كلهم يرى المسح على الخفين»، وقال الإمام الأعظم: «ما قلت بالمسح حتى جاءني فيه مثل فلق الصبح»، وروي: «مثل ضوء النهار»، فكان الجحود ردًّا على كبار الصحابة رضي الله عنهم، ونسبته إياهم إلى الخطأ، فكان (٢) بدعة)، وقال شيخ الإسلام: (والدليل على أنَّ


(١) في الأصل: (يتوضأ).
(٢) في الأصل: (لكان)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>