للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وقال الحسن) : هو البصري، مما وصله ابن أبي شيبة كما سيأتي (تصلي) : خطابًا لمن سأله عن الصلاة في السفينة: هل يصلي قائمًا أو قاعدًا؟ فأجابه بقوله له: تصلي (قائمًا)؛ أي: حال كونك قائمًا تركع وتسجد (ما لم تشق)؛ بالفوقية والتحتية (على أصحابك)؛ أي: بالقيام، وكلمة (ما) مصدرية ظرفية، معناها المدة؛ والمعنى: تصلي قائمًا مدة دوام عدم شق أصحابك (تدور معها)؛ أي: مع السفينة حيثما دارت، فأفاد بهذا أنه يلزمه التوجه للقبلة عند الاستفتاح، وكلما دارت السفينة، وهو مذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، والجمهور، خلافًا لمن زعم عدم لزوم الدوران، (وإلا) أي: وإن لم يشق على أصحابك القيام؛ (فقاعدًا)؛ أي: فصل حال كونك قاعدًا؛ لأنَّ الحرج مدفوع، وأجاز إمامنا رئيس المجتهدين الصلاة في السفينة قاعدًا مع القدرة على القيام، سواء كان بعذر أم لا، وظاهر كلام الحسن البصري هذا: أنَّ القيام ليس شرطًا؛ لأنَّه جعله لأجل الموافقة للأصحاب، وهو دليل الاستحباب؛ كالصوم في السفر إذا كان يشق على الأصحاب؛ فالمستحب الفطر، وإلا؛ فالمستحب الصوم، فكلام الحسن موافق لما ذهب إليه الإمام الأعظم، ولئن قيل غير ذلك؛ فهم رجال ونحن رجال، فإن الأثر عن التابعي لا يعارض مذهب تابعي آخر، بل الصواب ما عليه إمامنا، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني: (يصلي)؛ بالمثناة التحتية، وكذلك: (يشق على أصحابه)؛ بضمير الغائب، و (يدور)؛ بالتحتية كذلك، وفي غير رواية أبي ذر: (تصلي)، و (تشق)، و (تدور)؛ بالمثناة الفوقية في الثلاثة، وهي أوفق في المعنى، قيل: وفي متن «الفرع» : (وقال الحسن: قائمًا...) إلى آخره، فأسقط لفظة: (يصلي).

قلت: والظاهر: أنها سقطت سهوًا أو غفلة من الناسخ؛ لأنَّه لا بد منها لصحة المعنى؛ فافهم.

وقال إمام الشَّارحين: (وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: حدثنا حفص عن (١) عاصم، عن الشعبي، والحسن، وابن سيرين: أنَّهم قالوا: حل في السفينة قائمًا، وقال الحسن: لا تشق على أصحابك، وفي رواية الربيع بن صالح: أن الحسن ومحمدًا قالا: يصلون فيها قيامًا جماعة، ويدورون مع القبلة حيث دارت، والبخاري اقتصر على الذكر عن الحسن) انتهى.

قلت: ولعل اقتصاره عليه كونه ذكر التفصيل، وهو إذا شق على أصحابه؛ يصلي قاعدًا، وإلا؛ فقائمًا، والظاهر: أن المؤلف اختار قوله فاقتصر عليه، والظاهر: أن القيام ليس بشرط على قول الحسن وكذلك على قول ابن سيرين لأن الشق على الأصحاب لعدم موافقتهم مستحبٌّ لا واجبٌ، كما يستفاد من كلامهما، وهو ظاهر اللفظ، فصار الحاصل: أن القيام فيها غير شرط، بل مستحب؛ لأجل موافقة أصحابه، وهذا كالصوم في السفر كما ذكرنا، والله تعالى أعلم؛ فافهم ذلك.

[حديث: قوموا فلأصل لكم]

٣٨٠ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) : هو التنيسي، وفي رواية: (عبد الله) فقط (قال: حدثنا مالك) : هو ابن أنس الأصبحي، وزعم القسطلاني هو إمام الأئمة.

قلت: لفظة: (إمام الأئمة) لا تطلق إلا على إمامنا الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لأنَّه إمامهم ورئيسهم، إلا أن يقال: المراد إمام أئمة مذهبه، وكذلك لفظة: (الإمام الأعظم) لا تطلق إلا على أبي حنيفة رضي الله عنه؛ لكونه أقدم الأئمة وإمامهم ورئيسهم؛ حيث إن الأئمة الثلاثة من أتباعه، فإن مالك من تلامذته في الفقه، والشافعي من تلاميذ محمد بن الحسن ووكيع، وهما من تلاميذ الإمام الأعظم، وأحمد من تلاميذ الشافعي؛ فافهم.

(عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني والحمُّوي: (عن إسحاق ابن أبي طلحة)؛ بنسبته إلى جده، واسم أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري، المتوفى سنة اثنتين (٢) وثلاثين ومئة، وكان مالك لا يقدم على إسحاق أحدًا في الحديث، (عن أنس بن مالك) : هو الأنصاري خادم النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: (أن جدته)؛ أي: جدة إسحاق لأبيه، وبه جزم القاضي عياض، وابن عبد البر، وعبد الحق، وصححه النووي، واسمها: (مُلَيْكة)؛ بضم الميم، وفتح اللام، وسكون التحتية: هي بنت مالك بن عدي، وهي جدة أنس بن مالك؛ لأنَّ أمه أم سليم، وأمها مُلَيْكة المذكورة، ويؤيده ما رواه أبو داود عن أنس بن مالك: (أن النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم كان يزور أم سليم...)؛ الحديث، وأم سليم: هي أم أنس، وأمها مُلَيْكة المذكورة، واختلف في اسم أم سليم، فقيل: سهلة، وقيل: رميلة، وقيل: رمية، وقيل: الرميصاء، وقيل: الغميصاء، وقيل: أنيفة؛ بالنون، والفاء مصغرة، وتزوج أم سليم مالك بن النضر، فولدت له أنس بن مالك، ثم خلف عليها أبو طلحة، فولدت له عبد الله وأبا عمير، وعبد الله هو والد إسحاق راوي هذا الحديث عن عمه -أخي أبيه لأمه- أنس بن مالك، وقال جماعة: الضمير في (أن جدته) يعود على أنس نفسه، وبه جزم ابن سعد، وابن منده، وابن الحصار، وهو مقتضى ما في «النهاية»، ويؤيده ما ذكره أبو الشيخ الأصبهاني في «فوائد العراقيين» من حديث إسحاق ابن أبي طلحة، عن أنس قال: (أرسلتني جدتي إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، واسمها مليكة...)؛ الحديث، ولا تنافي بين كون مليكة جدة أنس، وبين كونها جدة إسحاق، كذا قرره إمام الشَّارحين رحمه الله تعالى.

(دعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لطعام) أي: لأجل طعام (صنعته)؛ أي: ركبته، والجملة فعلية في محل الجر؛ لأنَّها صفة (لطعام)؛ أي: مليكة جدة أنس، أو إسحاق، أو ابنتها أم سليم والدة أنس بن مالك (له)؛ أي: لأجله عليه السَّلام، (فأكل منه) : وعند ابن أبي شيبة عن أنس قال: (صنع بعض عمومتي للنبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم طعامًا، فقالت: إني أحب أن تأكل منه في بيتي، وتصلي فيه، قال: فأتاه، وفي البيت فحل من تلك الفحول، فأمر بجانب منه، فكنس ورش، فصلى وصلينا معه).

وعند النسائي: (أن أم سليم سألت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يأتيها فيصلي في بيتها فتتخذه مصلًّى، فأتاها، فعمدت إلى حصير فنضحته، فصلى عليه، وصلوا معه).

وفي «الغرائب» للدارقطني عن أنس قال: (صنعت مليكة طعامًا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأكل منه وأنا معه، ثم دعا بوضوء فتوضأ، ثم قال لي: «قم فتوضأ، ومر العجوز فلتتوضأ، ومر هذا اليتيم فليتوضأ، فلأصلي لكم»، قال: فعمدت إلى حصير عندنا).


(١) في الأصل: (بن)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (اثنين)، والمثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>