للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

المحصب؛ وهو المكان الذي نزلوه بعد النفر من منًى خارج مكة، وهي الليلة التي بعد أيام التشريق، سميت بذلك؛ لأنَّهم نفروا من منًى فنزلوا في المحصب وباتوا فيه، والحصبة والحصباء، والأبطح، والبطحاء، والمحصب، وحنيف بني كنانة يراد بها: موضع واحد، وهو بين مكة ومنًى، كذا في «عمدة القاري»، (فأعمرني) وفي رواية: (فاعتمر بي)، وهي مفسرة للأولى؛ فافهم، (من التنعيم) وهو «تفعيل» من النعمة؛ وهو موضع على فرسخ من مكة على طريق المدينة، وفيه مسجد عائشة رضي الله عنها (مكان عمرتي) وفي رواية: (موضع عمرتي) يعني: بدلها، وفي رواية: (قضاء عمرتي) (التي نسكت) من النسك، كذا في رواية الأكثرين؛ ومعناه: أحرمت بها، وفي رواية أبي زيد المروزي: (سكت) من السكوت؛ أي: عمرتي التي تركت أعمالها وسكت عنها، وروى القابسي: (شكت)؛ بالشين المعجمة؛ أي: شكت العمرة من الحيض، وإطلاق الشكاية عليها؛ كناية عن اختلالها وعدم بقاء استقلالها، ويجوز أن يكون الضمير فيه راجعًا إلى عائشة، وكان حقه التكلم، وذكره بلفظ الغيبة التفاتًا، كذا قرره إمام الشارحين.

ثم قال: وظاهر هذا الحديث: أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بعمرة أولًا، وهو صريح حديثها الآتي في الباب بعد، وقولها في الحديث الذي مضى: (خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا نذكر إلا الحج)، وقد اختلفت الرواية عن عائشة فيما أحرمت به اختلافًا كثيرًا، ففي رواية عروة: (فأهللنا بعمرة)، وفي رواية أخرى: (ولم أهل إلا بعمرة)، وفي رواية: (لا نذكر إلا الحج)، وفي أخرى: (لا نرى إلا الحج)، وفي رواية القاسم عنها: (لبينا بالحج)، وفي أخرى: (مهلين بالحج)، واختلف العلماء في ذلك؛ فمنهم: من رجح روايات الحج، وغلط روايات العمرة، وإليه ذهب إسماعيل القاضي، ومنهم: من جمع -لثقة راويها- بأنها أحرمت أولًا بالحج ولم تسق الهدي، فلما أمر الشارع من لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة إن شاء، ففسخت هي فيمن فسخ وجعلته عمرة وأهلت بها، ثم إنها لم تحل منها حتى حاضت، فتعذر عليها إتمامها والتحلل منها، فأمرها أن تحرم بالحج فأحرمت فصارت قارنة، ووقفت وهي حائض، ثم طهرت يوم النحر فأفاضت، وذكر ابن حزم أنه عليه السلام خيرهم بسرف بين فسخه إلى العمرة والتمادي عليه، وأنه بمكة أوجب عليهم التحلل إلا من معه الهدي، وفي «الصحيح» : أنها حاضت بسرف أو قريب منها، فلما قدم مكة؛ قال عليه السلام: «اجعلوها عمرة».

وقال أبو عمر: الاضطراب في حديث عائشة بالحج عظيم، وقد أكثر العلماء في توجه الروايات فيه، ودفع بعضهم بعضًا فيه ببعض، ولم يستطيعوا الجمع بينهما، ورام قوم الجمع في بعض معانيها: روى محمَّد بن عبد الله، عن حمَّاد بن زيد، عن أيُّوب، عن ابن أبي مليكة قال: ألا تعجب من اختلاف عروة والقاسم! قال القاسم: أهلَّت (١) عائشة بالحج، وقال عروة: أهلَّت (٢) بالعمرة، وذكر الحارث بن مسكين، عن يوسف بن عمر، وعن وهب، عن مالك أنه قال: ليس العمل في رفض العمرة؛ لأنَّ العمل عليه عنده في أشياء كثيرة؛ منها: أنه جائز للإنسان أن يعمل بعمرة، ومنها: أن القارن بطواف واحد أو غير ذلك.

وزعم ابن حزم أن حديث عروة عن عائشة منكر وخطأ عند أهل العلم، ثم روى بإسناده إلى أحمد ابن حنبل، فذكر حديث مالك، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة: (خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عام حجة الوداع...)؛ الحديث، فقال أحمد: أثر في هذا الحديث من العجب! هذا خطأ، قال الأشرم: فقلت له: الزُهْرِي عن عروة، عن عائشة تخالفه، قال: نعم؛ وهشام بن عروة.

ودفع الأوزاعي وأبو ثور حديث عروة وابن علية هذا وقالوا: هو غلط لم يتابع عروة على ذلك أحد من أصحاب عائشة، وقال إسماعيل بن إسحاق: قد اجتمع هؤلاء -يعني: القاسم، والأسود، وعُمَيْرة- على أن أم المؤمنين كانت محرمة بحجة، لا بعمرة، فعلمنا بذلك أن الرواية عن عروة غلط، كذا قرره إمام الشارحين في «عمدة القاري».

قال الداودي ومن تبعه: ليس في الحديث دليل على الترجمة؛ لأن (٣) أمرها بالامتشاط كان للإهلال وهي حائض، لا عند غسلها، وأجاب الكرماني بأن الإحرام بالحج يدل على غسل الإحرام؛ لأنَّه سنة ولما سن الامتشاط عند غسله؛ فعند غسل الحيض بالطريق الأولى؛ لأنَّ المقصود منه التنظيف؛ وذلك عند إرادة إزالة أثر الحيض الذي هو نجاسة غليظة أهم، أو لأنَّه إذا سن في النفل؛ ففي الفرض أولى.

وقال إمام الشارحين: (إن الإهلال بالحج يقتضي الاغتسال صريحًا في هذه القصة؛ فيما أخرجه مسلم من طريق ابن الزبير عن مُجَاهِد، ولفظه: «فاغتسلي، ثم أهلي بالحج»، وقيل: جرت عادة البخاري في كثير من التراجم أنه يشير إلى ما تضمنه بعض طرق الحديث وإن لم يكن منصوصًا فيما ساقه) انتهى، والله تعالى أعلم.

(١٦) [باب نقض المرأة شعرها عند غسل المحيض]

هذا (باب) بيان حكم (نقض) أي: حل وفك (المرأة) مطلقًا، حرة أم أمة، بكرًا أم ثيبًا (شعرها)؛ بالتحريك، أي: شعر رأسها (عند غُسل) بفتح الغين المعجمة، وبضمِّها، وهو الأفصح (المحيض) أي: الحيض، وجوابه مقدر؛ أي: هل يجب أم لا؟ وظاهر الحديث الوجوب، وقد ذكرنا الاختلاف في الباب السابق.

والمناسبة بين البابين ظاهرة؛ لأنَّ النقض والامتشاط من جنس واحد وحكم واحد.

[حديث: دعي عمرتك وانقضي رأسك وامتشطي]

٣١٧ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا عبيد) بضمِّ العين المهملة؛ مصغرًا (بن إسماعيل) هو ابن محمَّد الهَبَّاري -بفتح الهاء، وبالباء الموحدة المشددة، وبالراء- الكوفي، ويقال: اسمه عبيد الله، مات سنة خمسين ومئتين (قال: حدثنا أبو أسامة) هو حمَّاد بن أسامة الهاشمي الكوفي، (عن هشام) هو ابن عروة، (عن أبيه) هو عروة بن الزبير بن العوام، (عن عائشة) هي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنهما (قالت: خرجنا)


(١) في الأصل: (أهللت).
(٢) في الأصل: (أهللت).
(٣) في الأصل: (لا).

<<  <   >  >>