للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي: الصحابة مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة (موافين لهلال ذي الحجة) أي: مكملين ذا القعدة مستقبلين هلال ذي الحجة، وفي رواية: (موافقين)، وزعم النووي أي: مقارنين لاستقباله، واعترضه في «عمدة القاري»، وجزم أن معناه: مشرفين، يقال: أوفى على كذا؛ أي: أشرف، ولا يلزم الدخول فيه، وكان خروجهم قبله لخمس ليال بقين من ذي القعدة يوم السبت، وقدم النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم مكة لأربع أو خمس من ذي الحجة، فأقام في طريقه إلى مكة تسعة أيام أو عشرة أيام، كذا في «عمدة القاري»، وتبعه القسطلاني صحيح؛ فافهم.

(فقال) ولأبوي ذر والوقت: (قال) (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) لأصحابه: (من أحب أن يهلَّ)؛ بلام واحدة مشددة، وفي رواية: (يهلل)؛ بلامين؛ أي: يحرم (بعمرة؛ فليهل)؛ بتشديد اللام في رواية الأكثرين، وفي رواية: (فيلهلل)؛ بفك الإدغام؛ أي: فليحرم بها، (فإني لولا أني أهديت) أي: سقت الهدي، وإنما كان وجود الهدي علة؛ لانتفاء الإحرام بالعمرة؛ لأنَّ صاحب الهدي لا يجوز له التحلل حتى ينحر، ولا ينحر إلا في يوم النحر، والمتمتع يتحلل قبل يوم النحر؛ فهما متنافيان؛ (لأهللت) كذا في رواية، وفي أخرى: (لأحللت) (بعمرة).

قال الكرماني: هذا الحديث دليل على أن التمتع أفضل من الإفراد، فماذا قال الشافعي في دفعه؟

وأجاب إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: إنه عليه السلام إنَّما قاله؛ من أجل فسخ الحج إلى العمرة والذي هو خاص بهم في تلك السنة خاصة؛ لمخالفة الجاهلية؛ حيث حرموا العمرة في أشهر الحج، ولم ير بذلك التمتع الذي فيه الخلاف وقال: هذا تطييبًا لقلوب أصحابه وكانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج إليها؛ لإرادتهم موافقته عليه السلام، ومعناه: ما يمنعني من موافقتكم مما أمرتكم به إلا سوق الهدي ولولاه؛ لوافقتكم، قلت: الرواية عن الإمام الأعظم رأس المجتهدين أن الإفراد أفضل من التمتع، وتبعه الشافعي، ولكن المذهب أن التمتع أفضل من الإفراد؛ لأنَّ فيه جمعًا بين عبادتي العمرة والحج في سفر واحد، فأشبه القران) انتهى كلامه.

قلت: والقران أفضل من التمتع فالحج قارنًا؛ كالصَّلاة إمامًا، والحج متمتعًا؛ كالصَّلاة مقتديًا، والحج مفردًا؛ كالصَّلاة منفردًا، هذا هو مذهب الإمام الأعظم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم؛ لقول الله عز وجل: {وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]، وإتمامهما أن يحرم بهما من دويرة أهله، كذا فسرته الصحابة رضي الله عنه، وهو القران، وحديث أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «لبيك عمرة وحجًّا، لبيك عمرة وحجًّا» رواه الشيخان، وعن علي رضي الله عنه قال: أتيت النبي عليه السلام فقال: «كيف أهللت؟» فقلت: أهللت بإهلالك، فقال: «إني سقت الهدي وقرنت» رواه أبو داود والنسائي، وهذا حجة على مالك، وأحمد، والشافعي؛ حيث قالوا: إن الإفراد أفضل، ثم التمتع، ثم القران؛ لما روي عنه عليه السلام: القران رخصة؛ فالعزيمة أولى، قلنا: هذا نفي لقول الجاهلية: إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، أو يقال: سقوط سفر العمرة صار رخصة، وتمامه فيما قدمناه؛ فليحفظ.

(فأهل بعضهم) أي: بعض الصحابة (بعمرة) أي: صاروا متمتعين، (وأهل بعضهم) أي: بعض الصحابة (بحج) أي: صاروا مفردين (وكنت أنا ممن أهل بعمرة) وهذا مقول عائشة، فصارت متمتعة، (فأدركني يوم عرفة) وهو التاسع من ذي الحجة (وأنا حائض) أي: متلبسة به، (فشكوت)؛ بالشين المعجمة، من الشكاية؛ أي: شكت العمرة من الحيض (إلى النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) وإطلاق الشكاية عليها؛ كناية عن اختلالها وعدم بقاء استقلالها، (فقال) أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لها: (دعي عمرتك)؛ بكسر الكاف، حقيقة؛ ذلك أنه أمرها برفض العمرة بالحج، وقوله: (وانقضي)؛ بالقاف؛ أي: حلي وفكي (١) (رأسك) أي: شعره، (وامتشطي) أي: سرحيه (٢) يدل على ما قلناه، وقول الكرماني وتبعه القسطلاني: (أي: أفعال العمرة لا نفسها) خلاف الحقيقة؛ لأنَّ المحرم ليس له أن يفعل ذلك، كما تقدم، (وأهلي بحج) أي: مكان العمرة، أو مع العمرة، (ففعلت) أي: فعلت النقض، والامتشاط، والإهلال بالحج (حتى إذا كان ليلة الحَصْبة)؛ بفتح الحاء، وسكون الصاد المهملتين، وبالباء الموحدة؛ وهي الليلة التي نزلوا فيها بالمحصب؛ موضع بين مكة ومنًى يبيتون فيه إذا نفروا منها، وهذا كلام إضافي، و (كان) تامة بمعنى: وجدت، ويجوز نصب (الليلة) على أن تكون (كان) ناقصة، ويكون اسم (كان) الوقت، كذا قرره في «عمدة القاري»؛ (أرسل) أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (معي أخي عبد الرحمن بن أبي بكر) أي: الصديق الأكبر رضي الله عنهم، (فخرجت) أي: معه (إلى التنعيم)؛ «تفعيل» من «النعمة» : موضع على فرسخ من مكة على طريق المدينة، وفيه مسجد عائشة الصديقة، (فأهللت بعمرة) أي: من التنعيم (مكان عمرتي) أي: التي رفضتها.

فإن قلت: ليس في الحديث دلالة على الترجمة؛ لأنَّ أمرها بنقض الشعر كان للإهلال وهي حائض، لا عند غسلها؟

قلت: إنَّ نقض شعرها كان لغسل الإحرام وهو سنة، فالغسل للحيض أولى؛ لأنَّه فرض، وقد كان ابن عمر يقول بوجوبه، وبه قال الحسن البصري، وطاووس في الحائض دون الجنب، وبه قال أحمد، ورجح جماعة من أصحابه الاستحباب فيهما، ومذهب الإمام الأعظم، وأصحابه، ومالك، والشافعي، والجمهور السنية؛ لحديث أم سَلَمَة: (إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه للجنابة؟ قال: «لا») رواه مسلم، وحملوا حديث عائشة هذا على الاستحباب؛ جمعًا بين الروايتين إلا إذا لم يصل الماء إلا بالنقض، فحينئذٍ يجب نقضه، والله تعالى أعلم، (قال هشام) هو ابن عروة، هذا يحتمل التعليق، ويحتمل أن يكون عطفًا من جهة المعنى على لفظ «هشام»، ثم قول هشام يحتمل أن يكون معلقًا، ويحتمل أن يكوت متصلًا بالإسناد


(١) في الأصل: (وفك)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (سريحه)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>