للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(قال)؛ أي: قتادة: (قلت) ففاعل (قلت) هو قتادة (لأنس)؛ أي: ابن مالك مستفهمًا: (أوَكان)؛ أي: النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، والهمزة في (أوكان) للاستفهام، والواو المفتوحة عاطفة لـ (كان) على مقدر بينها وبين الهمزة؛ أي: أثبتَ ذلك وكان أو نحوه، وقيل: الهمزة مقدمة من تأخير، وهو مذهب جمهور النحاة، كما سبق الكلام على ذلك (يطيقه)؛ أي: مباشرة نسائه المذكورات في ساعة واحدة؟ (قال) أي: أنس بن مالك: (كنا)؛ أي: معشر الصحابة رضي الله عنهم (نَتَحَدَّث)؛ بالنون أوله، بعدها مثناة فوقية، وبالحاء المهملة المفتوحات (أنَّه)؛ أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (أُعطي)؛ بضمِّ الهمزة، ماض مبني للمفعول (قوة ثلاثين)؛ أي: رجلًا في الجماع، كما في «مراسيل طاووس»، فمميز (ثلاثين) محذوف، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي موسى عن معاذ بن هشام (أربعين) بدل (ثلاثين).

قال في «عمدة القاري» : وهي شاذة من هذا الوجه، لكن في «مراسيل طاووس» مثل ذلك. وزاد في الجماع في (صفة أهل الجنة)، وفي «الحلية» لأبي نُعيم عن مُجَاهِد: (أُعطي قوة أربعين رجلًا كل رجل من رجال أهل الجنة)، وفي «جامع الترمذي» في (صفة الجنة) من حديث عمران القطان، عن قتادة، عن أنس، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع»، قيل: يا رسول الله: أويطيق ذلك؟! قال: «يعطى قوة مئة»، ثم قال: حديث صحيح غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من حديث عمران القطان، وصحح ابن حبان حديث أنس أيضًا، فإذا ضربنا أربعين في مئة؛ صارت أربعة آلاف.

وذكر ابن العربي: (أنَّه كان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم القوة الظاهرة على الخلق في الوطء، كما في هذا الحديث، وكان له في الأكل القناعة؛ ليجمع الله له الفضيلتين في الأمور الاعتبارية كما جمع له الفضيلتين في الأمور الشرعية حتى يكون حاله كاملًا في الدارين) انتهى.

قلت: ولا تنافي بين رواية (ثلاثين) وبين رواية (أربعين)؛ لأنَّ الصحيح أنَّ العدد لا مفهوم له، ولأنَّه يحتمل أن يكون أخبر أولًا بالثلاثين، فأخبر به، ثم بالأربعين، فأخبر به؛ فليحفظ.

(وقال سَعِيْد)؛ بكسر العين المهملة، هو ابن أبي عَروبة، كذا هو عند الجميع، وقال الأَصيلي: إنَّه وقع في نسخة (شعبة) بدل (سَعِيْد) قال: وفي عرضنا على أبي زيد بمكة: سَعِيْد، قال أبو علي الجياني: (هو الصواب)، وقال الكرماني: (والظاهر أنَّه تعليق)، قال في «عمدة القاري» : هذا تعليق بلا نزاع، ولكنه وصلها المؤلف في باب: (الجنب يمشي في السوق)، وهو في الباب الثاني عشر من هذا الباب، (عن قتادة: أنَّ أنسًا حدثهم)؛ أي: قتادة وأصحابه، فقال في حديثه وهن (تسع نسوة)؛ أي: بدل إحدى عشرة، والنِّسوة؛ بكسر النون، وقد تضم، فـ (تسع) مرفوع؛ لأنَّه خبر (وهن) المذكورة أو المحذوفة، ولفظه فيما يأتي: أنَّ أنس بن مالك حدثهم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة، وأمَّا رواية سَعِيْد لهذا الحديث عن قتادة؛ فقد وصلها الإمام أحمد رحمه الله، ويحتمل أن يكون من كلام ابن أبي عدي ويحيى القطان؛ لأنَّهما يرويان عن ابن أبي عَروبة، وأن يكون من كلام معاذ إن صح سماعه من سَعِيْد.

وفي الحديث من الأحكام ما أعطي النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم من القوة على الجماع، وهو دليل على كمال البنية، ومنها: ما استدل به ابن التين لقول مالك بلزوم الظهار من الإماء بناء على أنَّ المراد بالزائدتين على التسع مارية وريحانة، وقد أطلق على الجميع لفظ (نسائه)، وفيه نظر؛ لأنَّ الإطلاق المذكور بطريق التغليب.

ومنها: ما استدل به ابن المُنيِّر على جواز وطء الحرة بعد الأمة من غير غسل بينهما ولا غيره، والمنقول عن مالك أنَّه يتأكد الاستحباب في هذه الصورة، كذا قرره في «عمدة القاري».

(١٣) [باب غسل المذي والوضوء منه]

هذا (باب) حكم (المَذْيِّ)؛ بفتح الميم، وسكون الذال المعجمة، وبكسر الذال المعجمة، وتشديد الياء، حكي ذلك عن ابن الأعرابي؛ وهو ماء يخرج من الذَّكَر عند الملاعبة والتقبيل، يقال: مذى الرجل؛ بالفتح، وأمذى؛ بالألف، مثله، ويقال كل ذكر يمذي، وكل أنثى تقذي من قذت الشاة إذا ألقت من رحمها بياضًا، وقال ابن الأثير: المذي: البلل اللزج الذي يخرج من الذَّكَر عند ملاعبة النساء، ورجل مذَّاء؛ يقال بالتشديد للمبالغة في كثرة المذي، وفي «المطالع» : (هو ماء رقيق يخرج عند التذكر أو الملاعبة، يقال: مذى وأمذى ومذى، وقد لا يحس بخروجه)، (و) حكم (الوضوء منه)؛ أي: من المذي، ووجه المناسبة بين البابين من حيث إنَّ في الباب الأول بيان حكم المني، وفي هذا بيان حكم المذي، وهو من توابع المني، ومثله في النجاسة غير أنَّ في المني الغسل، وفي المذي الوضوء؛ فليحفظ.

قلت: ومثل المذي الودي؛ وهو ماء ثخين يخرج عقب البول عند استمساك الطبيعة، أو حمل شيء ثقيل.

[حديث علي: كنت رجلًا مذاء فأمرت رجلًا]

٢٦٩ - وبه قال: (حدثنا أبو الوليد) : هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري (قال: حدثنا زائدة) : هو ابن قُدامة؛ بضمِّ القاف، وتخفيف الدال المهملة الثقفي أبو الصلت الكوفي المتوفى سنة ستين ومئة غازيًا بالروم، (عن أبي حَصِين)؛ بفتح الحاء، وكسر الصاد المهملتين، واسمه: عثمان بن عاصم الكوفي التابعي، (عن أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حَبيب مكبر بن السُّلَمي؛ بضمِّ المهملة، وفتح اللام، مقرئ الكوفة، أحد أعلام التابعين، صام ثمانين رمضانًا، مات سنة خمس ومئة، (عن علي) : هو ابن أبي طالب رضي الله عنه (قال: كنت رجلًا مذَّاء)؛ بفتح الميم، وتشديد الذال المعجمة، وبالمد: صيغة مبالغة؛ يعني: كثير المذي، وذكر الموصوف مع صفته تكون لتعظيمه؛ نحو: رأيت رجلًا صالحًا، أو لتحقيره؛ نحو: رأيت رجلًا فاسقًا، ولما كان المذي يغلب على الأقوياء الأصحاء؛ حسن ذكر الرجولية معه؛ لأنَّه يدل على معناها، وراعى في (مذاء) الموصوف؛ كقولك: أنا رجل يأمر بالمعروف، ولو راعى تاء المتكلم؛ لقال: رجلًا أمذى؛ كقوله تعالى: {أُجِيبُ} بعد قوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة: ١٨٦] راعى الياء في {إِنِّي}، ولو راعى {قَرِيبٌ}؛ لقال: يجيب، وكقوله تعالى: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل: ٤٧]، وعبارة القسطلاني هنا غير محررة، واعترض عليها بعض المصححين في دار الطباعة المصرية، فقال: (انظر ما معناه، ثم إنَّ تنظيره بالآية لا يظهر إلا لو قال: كنت رجلًا أمذى أو يمذي، حتى يقال: إنَّه راع الأول أو الثاني، وأمَّا مع تعبيره بمذاء؛ فلا يصح أن يقال: إنَّه راعى الثاني أو الأول؛ إذ لا يقال خلافه مع كليهما) انتهى؛ فتأمل.

وزاد الحافظ الطحاوي وأحمد عن عليٍّ: (فإذا أمذيت؛ اغتسلت)، وزاد أبو داود: (فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري)، وزاد في الرواية السابقة: (فأحببت أن أسأل) : (فأمرت رجلًا) يحتمل أنَّه المقداد بن الأسود، ويحتمل أنَّه عمار بن ياسر، ويجوز أن يكون غيرهما، كذا قاله في «عمدة القاري»؛ فليحفظ؛ لأنَّه قد روى الحافظ الطحاوي من حديث محمَّد ابن الحنفية عن أبيه قال: (كنت أجد مذيًا، فأمرت المقداد) وأخرجه مسلم كذلك.

وأخرج الحافظ الطحاوي أيضًا من حديث رافع بن خَديج: أنَّ عليًّا أمر عمارًا، وأخرجه النسائي أيضًا.

وأخرج الحافظ الطحاوي أيضًا من حديث حَصين بن قُبيصة عن علي قال: (كنت رجلًا مذاء، فسألت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، وأخرجه أبو داود كذلك.

وأخرج الحافظ الطحاوي أيضًا من حديث ابن عباس قال: (قال عليٌّ: كنت رجلًا مذاء، فأمرت رجلًا) فقد علمت أنَّ السائل هو المقداد، وفي بعضها: هو عمار، وفي بعضها: هو علي نفسه، وجمع ابن حبان بين هذه الاختلافات بأنَّ عليًّا سأل عمارًا أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه.

وروى عبد الرزاق،

<<  <   >  >>