للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه: أنه سيقع بعده فتن وأنه يفتح لأمته الخزائن، وعرف عند الاستيقاظ حقيقته إما بالتعبير أو بالوحي إليه في اليقظة قبل النوم أو بعده، وقد وقع الفتن كما هو مشهور وفتحت الخزائن؛ حيث سلطت الصحابة على فارس والروم وغيرهما، وهذا من المعجزات؛ حيث أخبر بأمر قبل وقوعه؛ فوقع مثل ما أخبر عليه السلام.

(أيقِظوا)؛ بفتح الهمزة أمر من الإيقاظ؛ بكسرها؛ أي: نبهوا، (صواحبَ)؛ بالنصب على المفعولية، وأراد بها زوجاته عليه السلام، وفي رواية: (صواحبات) جمع: صاحبة، (الحُجَر)؛ بضم الحاء المهملة وفتح الجيم، جمع: حجرة، وأراد بها منازل زوجاته، وإنما خصَّهن بالإيقاظ؛ لأنَّهنَّ الحاضرات حينئذٍ، أخبرت بذلك أم سلمة، فإن تلك الليلة كانت ليلتها؛ كما مر، وما زعمه الكرماني رده في «عمدة القاري».

(فرُبَّ) أصلها للتقليل، وقد تستعمل للتكثير كما هنا، وترد للتكثير كثيرًا وللتقليل قليلًا، وفيها لغات قدمناها، وفعلها التي تتعلق به ينبغي أن يكون ماضيًا ويحذف غالبًا، (كاسية) على وزن (فاعلة)، من كسا، ولكنه؛ بمعنى: مكسوة (في الدنيا) أثوابًا رقيقة لا تمنع من إدراك البشرة أو النفيسة، (عاريَة)؛ بتخفيف الياء؛ أي: معاقبة (في الآخرة) بفضيحة التعري، أو عارية من الحسنات في الآخرة، فندبهنَّ على الصدقة وحضَّهنَّ على ترك الإسراف في الدنيا بأن يأخذن منها أقل الكفاية ويتصدقن بما سوى ذلك، وهذه البلوى عامة في الأزمان قديمًا وحديثًا.

وقال الطيبي: هذا كالبيان لموجب استيقاظ الأرواح؛ أي: لا ينبغي لهنَّ أن يتغافلن ويعتمدن على كونهنَّ أهالي رسول الله عليه السلام، ألَا رب كاسية حلة الزوجية المشرفة بها وهي عارية عنها في الآخرة لا تنفعها؛ إذ لم تضمها مع العمل، قال تعالى: {فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ} [المؤمنون: ١٠١]، كذا في «عمدة القاري».

وهو دليل واضح على بطلان قول من قال في زماننا ضمن رسالته التي ألَّفها: (إن ذنوب أهل بيت النبوة صوري لا معنوي، وإن ذنوبه مغفورة لهم بلا توبة، وليسوا داخلين تحت المشيئة)؛ فقد ضل وأضل وابتدع وأبدع، وما استند فيه فهو حجة عليه، وسيأتي الكلام عليه في محله.

قال في «عمدة القاري» : وأكثر الروايات بجر (عارية) على النعت وهو الأحسن عند سيبويه؛ لأنَّ (رب) عنده حرف جر يلزم صدر الكلام، ويجوز الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت؛ أي: هي عارية والفعل الذي يتعلق (رب) به محذوف، واختار الكسائي أن يكون (رب) اسمًا (١) مبتدأ والمرفوع خبرها، وفعلها الذي تتعلق به محذوف غالبًا كما سبق، والتقدير: رب كاسية عارية عرفتها.

وفي الحديث: أن للرجل أن يوقظ أهله بالليل للصلاة والذكر، ولا سيما عند آية تحدث أو رؤيا مخوفة، وجواز قول: (سبحان الله)؛ تعجبًا، واستحباب ذكر بعد الاستيقاظ ليلًا ونهارًا، لكن في الليل أبلغ يدل له قوله عليه السلام: «من تعارى من الليل فقال: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله، وصلى؛ قبلت صلاته»، وسيأتي تمامه إن شاء ربي.

اللهم إنِّي أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا متقبلًا، وعمرًا طويلًا، وأولادًا كثيرة، وجاهًا عريضًا، ودخول الجنة، وتمام هذا الشرح بجاه نبيك محمد، ويحيى، وجميع الأنبياء، وأصحابهم، والأولياء وأحزابهم صلى الله تعالى عليهم وسلم.

(٤١) [باب السَّمَر بالعلم]

هذا (بابٌ)؛ بالتنوين مقطوعًا على الإضافة، (السَّمَر)؛ بفتح السين المهملة والميم: المسامرة وهي الحديث في الليل، فـ (السمر) : مبتدأ، وقوله: (في العلم) : في محل الصفة، والخبر محذوف؛ تقديره: هذا باب فيه السمر في العلم، وفي رواية: بإضافة الباب إلى السمر؛ أي: هذا باب في بيان السمر بالعلم، وقد كان التحدث بعد العشاء منهيًّا عنه، والمذكور في الباب هو (السمر في العلم)، ونبَّه المؤلف على أن السمر المنهي عنه إنما: هو فيما لا خير فيه كما في زماننا؛ لاشتماله على الغيبة التي صارت فاكهة المجالس وغيرها من المنهيات كسماع الآلات واللعب بالمقامرة، وأما السمر بالخير؛ فليس بمنهي عنه؛ بل هو مرغوب فيه؛ فافهم.

[حديث: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة سنة منها]

١١٦ - وبه قال: (حدثنا سعيد بن عُفَير)؛ بضم العين المهملة وفتح الفاء، (قال: حدثني)؛ بالإفراد، وفي رواية: بالجمع، (الليث) : هو ابن سعد، (قال: حدثني)؛ بالإفراد، (عبد الرحمن بن خالد)، زاد في رواية: (ابن مسافر)؛ أي: أبو خالد الفهمي مولى الليث بن سعد أمير مصر لهشام بن عبد الملك، كانت ولايته على مصر سنة ثمان عشرة ومئة، وشهد جده فتح بيت المقدس مع عمر بن الخطاب المتوفى سنة سبع وعشرين ومئة، وجده مسافر قد دفن في ديارنا الشريفة الشامية في قهوة الجنينة الكبرى عند جامع يلبغا، والجاري على لسان الأعوام ابن مسافر، ولعلَّه خالد أو عبد الرحمن المذكور فنسب لجده؛ لشهرته به، والظاهر: الأول فيحرر.

(عن ابن شهاب) : محمد بن مسلم الزهري، (عن سالم)؛ أي: ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب، (وأبي بكر بن سليمان بن أبي حَثْمة)؛ بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة، واسمه عبد الله بن حذيفة أو عدي بن كعب ابن حذيفة القرشي العدوي، (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما.

(قال: صلى بنا النبي) الأعظم، وفي رواية: (لنا رسول الله)؛ باللام بدل الموحدة يعني: صلى إمامًا لنا، وإلا؛ فالصلاة لله لا لهم، (صلى الله عليه وسلم العِشاء)؛ بكسر العين المهملة وبالمد؛ أي: صلاة العشاء التي وقتها بعد غروب الشفق، وبفتح العين والمد: الطعام.

(في آخر حياته)، وفي رواية جابر: (إن ذلك كان قبل موته عليه السلام بشهر)، (فلما سلم) من الصلاة، (قام) جواب لما، (فقال: أرَأيتكم)؛ بهمزة الاستفهام وفتح الراء؛ أي: أخبروني، فهو من إطلاق السبب على المسبب؛ لأنَّ مشاهدة هذه الأشياء طريق إلى الإخبار عنها، والهمزة فيه مقررة؛ أي: قد رأيتم ذلك فأخبروني، وما زعمه ابن حجر ردَّه في «عمدة القاري» بما يطول.

(ليلتكم)؛ أي: شأن ليلتكم أو خبر (ليلتكم)، (هذه) هل تدرون ما يحدث بعدها من الأمور العجيبة، وتاء (أرأيتكم) : فاعل، والكاف: حرف خطاب لا محل لها من الإعراب، و (ليلتَكم)؛ بالنصب مفعول ثان لـ (أخبروني)، والاستفهام ليس بحقيقي؛ فلا يحتاج إلى جواب، خلافًا لمن زعمه، و (أرأيتُكم) لا تستعمل إلَّا في الاستخبار عن الأمر العجيب؛ بفتح التاء للمذكر، والمؤنث، والمفرد، والجمع، فإن أردت معنى الرؤية؛ أنثت وجمعت، والفرق بين الخطاب واسم الخطاب الثاني يدلُّ على عين ومعنى الخطاب وصرفه لا يدل إلا على الخطاب كالتنوين وياء النسبة، وتوضيحه في «عمدة القاري».

(فإن رأس)، وللأصيلي: (فإن على رأس)، (مئة سنة منهما)؛ أي: من تلك الليلة، (لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) ممن ترونه أو تعرفونه عند مجيئه، أو المراد بالأرض: البلدة التي هو فيها، قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً} [النساء: ٩٧] يريد المدينة المنورة، وقوله: (ممن هو على ظهر الأرض) احتراز عن الملائكة، والمراد أن كل من كان تلك الليلة على الأرض لا يعيش بعدها أكثر من مئة سنة سواء قلَّ عمره قبل ذلك أم لا، وليس فيه نفي عيش أحد بعد تلك الليلة فوق مئة، فوعظهم عليه السلام بقصر أعمارهم، وأعلمهم أن أعمارهم ليست كأعمار من تقدم من الأمم؛ ليجتهدوا في العبادة.

واستدل (٢) به المؤلف وغيره على موت الخضر والجمهور على خلافه، ومن قال به؛ أجاب عن الحديث بأنه من ساكني البحر فلا يدخل في الحديث، ومن قال: إن معنى الحديث لا يبقى ممن ترونه وتعرفونه؛ فالحديث عام أريد به الخصوص، ولا يرد عيسى عليه السلام وإبليس لعنه الله؛ لأنَّ المراد ممن على ظهر الأرض أمة محمد النبي الأعظم عليه السلام، وكل من على ظهرها من المسلمين والكفار أمته؛ أمَّا الأول: فإنَّهم أمة إجابة، وأما الثاني؛ فإنَّهم أمة دعوة، وعيسى والخضر ليسا داخلين في الأمة، وأما الشيطان فإنه ليس من بني آدم، كذا قرره الشيخ الإمام بدر الدين العيني، وأجاب القسطلاني: بأن المراد أرضه التي نشأ بها ومنها بعث كجزيرة العرب المشتملة على الحجاز، وتهامة، ونجد، فليست (أل) للاستغراق، فالخضر في غير هذه الأرض المعهودة فلا يدخل تحت الحديث.

قلت: وهو مأخوذ من كلام الكرماني وأجاب عن عيسى: بأنه في السماء، وعن إبليس بأنه في الهواء أو النار وهو تعسُّفٌ، والتحقيق ما ذكره في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

واستدل من الحديث: جواز السمر في الليل ويعارضه ما عند المؤلف عن أبي برزة: (أن رسول الله عليه السلام كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها)؛ فهذا يدل على المنع مطلقًا فالحديث المتقدم


(١) في الأصل: (أسماء).
(٢) في الأصل: (وستدل).

<<  <   >  >>