للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

من المساجد، قال إمام الشَّارحين: وفي بعض النُّسخ: (باب إنشاد الشعر في المسجد).

[حديث: يا حسان أجب عن رسول الله اللهم أيده بروح القدس]

٤٥٣ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو اليَمان) بفتح التحتية (الحَكَم) بفتحتين (بن نافع) هو البهراني الحمصي، وسقط للأصيلي: (أبو اليمان) (قال: أخبرنا شعيب) : هو ابن أبي حمزة -بالمهملة والزاي- الأموي، واسم أبي حمزة: دينار الحمصي (عن الزهري) هو محمَّد بن مسلم ابن شهاب التَّابعي المدني (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سَلَمَة)؛ بفتحات، هو عبد الله، وقيل: إسماعيل (بن عبد الرحمن بن عوف) هو الزهري المدني؛ هكذا رواه شعيب عن الزهري بلفظ: (أخبرني أبو سلمة)، وتابعه إسحاق بن راشد عن الزهري كذلك؛ كما أخرجه النسائي، لكن أخرجه البخاري في (بدء الخلق) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري بلفظ: (عن سعيد بن المسيب) بدل (أبي سلمة)، وتابعه معمر عند مسلم، وإبراهيم بن سعيد وإسماعيل بن أمية عند النسائي، وهذا الاختلاف غير قادح؛ لأنَّ الزهري من أصحاب الحديث، فالراجح عنده أنَّه عنهما معًا، فكان يحدث به تارة عن هذا، وتارة عن هذا، وهو لا يضر؛ لأنَّ الزهري إمام تابعي ثقة، فلا يقدح ذلك فيه؛ فافهم.

وزعم ابن حجر أن في الإسناد نظر؛ لأنَّ لفظ سعيد بن المسيب: (مر عمر في المسجد وحسان ينشد الشعر فيه، فزجره، فقال: كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله...)؛ الحديث، ورواية سعيد لهذه القصة مرسلة؛ لأنَّه لم يدرك زمن المرور.

قلت: وقد رده إمام الشَّارحين فقال: (يحتمل أن سعيدًا سمع ذلك من أبي هريرة بعد، أو من حسان، أو وقع استشهاد أبي هريرة لحسان مرة أخرى، فحضر سعيد ذلك، ويؤيده سياق حديث الباب، فإن فيه: أن أبا سلمة سمع حسانًا يستشهد أبا هريرة، وأبو سلمة لم يدرك زمن مرور عمر أيضًا، فإنَّه أصغر من سعيد، فدل ذلك على تعدد الاستشهاد، ويحتمل أن يكون التفات حسان إلى أبي هريرة واستشهاده به إنَّما وقع متأخرًا؛ لأنَّ كلمة «ثم» لا تدل على الفورية، والأصل عدم التعدد، غاية الأمر: أن يكون سعيد أرسل قصة المرور، ثم سمع بعد ذلك استشهاد حسان لأبي هريرة، وهو المقصود؛ لأنَّه المرفوع، وهو موصول بلا تردد) انتهى.

(أنه) أي: أبا سلمة (سمع حسان بن ثابت) : هو ابن المنذر بن حرام؛ ضد الحلال (الأنصاري) المدني، شاعر النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، من فحول شعراء الإسلام والجاهلية، وعاش كل واحد منهم مئة وعشرين سنة، وقال أبو نعيم: لا يعرف بالعرب أربعة تناسلوا من صلب واحد، واتفقت مددأعمارهم هذا القدر غيرهم، وعاش حسان في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام كذلك، مات سنة خمسين بالمدينة.

فإن قلت: حسان منصرف أو غير منصرف؟ قلت: إن كان مشتقًا من (الحسن)؛ فهو: منصرف، وإن كان من (الحس)؛ فغير منصرف؛ فافهم كذا في «عمدة القاري».

قلت: وعلى منع الصرف يكون فيه العلمية، وزيادة الألف والنُّون، وحاصله: أنَّه يجوز فيه الصرف وعدمه على ما علمت، وقول العجلوني: يجوز في (حسان) الصرف وعدمه، ليس على إطلاقه، بل على هذا التفصيل؛ فافهم.

(يستشهد أبا هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي المدني رضي الله عنه؛ يعني: يطلب منه الشهادة، والجملة محلها النصب على الحال من (حسان).

فإن قلت: لا بد للشهادة من نصاب، فكيف يثبت غرض حسان بشهادة أبي هريرة فقط؟

قلت: أجيب بأن هذه رواية حكم شرعي، وفيها يكفي عدل واحد، وأطلق الشهادة على سبيل التجوز؛ لأنَّه في الحقيقة إخبار، فيكفي فيه عدل واحد كما بين في موضعه، قاله إمام الشَّارحين.

ثم قال: (فإن قلت: هذا الحديث يعد من مسند حسان، أو من مسند أبي هريرة؟

قلت: لم يذكر أبو مسعود (١) والحميدي وغيرهما أن لحسان رواية في هذا الحديث، ولا ذكروا له حديثًا مسندًا، وإنَّما أوردُوا هذا الحديث في مسند أبي هريرة، وخالف خلفٌ فذكره في مسند حسان، وأنه روى عن النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، وذكر في مسند أبي هريرة: أن البخاري أخرجه في «الصلاة» عن أبي اليمان، وذكر ابن عساكر لحسان حديثين مسندين؛ أحدهما هذا، وذكر أنَّه في «سنن أبي داود» من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، قال: وليس في حديثه استشهاد حسان به، وأنه في «النسائي» مرة بالاستشهاد، ومرة من حديث سعيد عن عمر بعدمه، ثم أورده في مسند أبي هريرة من طريق أبي سلمة عنه، وفي «كتاب ابن منده» من حديث عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: «مرَّ عمر بحسان...»؛ الحديث، وقال المنذري: وسعيد لم يصح سماعه من عمر، وإن كان سمع ذلك من حسان؛ فمتصل، وأخرج النسائي الحديث في «القضاء»، عن ابن بزيع، عن ابن زريع، عن شعبة، عن عدي، عن البراء بن عازب، عن حسان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهجهم أو هاجهم -يعني: المشركين- وجبريل معك»، رواه سفيان عن شعبة، فجعله من مسند البراء بن عازب رضي الله عنه) انتهى كلام إمام الشَّارحين.

(أَنشُدك اللهَ)؛ بفتح الهمزة، وضم الشين المعجمة، ونصب الجلالة؛ ومعناه: سألتك الله، قاله إمام الشَّارحين، وزعم العجلوني تبعًا لغيره أن معناه: ذكَّرتك الله، وفي رواية كما في «التنقيح» : (بالله)، قلت: أما المعنى الذي ذكره؛ فغير صحيح، وأما الرواية؛ فلم يَعزُها لأحد من الرواة، ولم يذكرها الشَّارح، ولا غيره، فالله أعلم بصحتها، وإنما كان المعنى غير صحيح؛ لما في «عمدة القاري» : (قال الجوهري: «نشدت فلانًا أنشده نشدًا: إذا قلت له: نشدتك الله؛ أي: سألتك بالله»، وقال ابن الأثير: يقال: نشدتك الله، وأنشدك الله وبالله، وناشدتك الله؛ أي: سألتك وأقسمت عليك، ونشدته نشدة ونشدانًا ومناشدة، وتعديته إلى مفعولين؛ إما لأنَّه بمنزلة «دعوت»؛ حيث قالوا: نشدتك الله وبالله؛ كما قالوا: دعوت زيدًا وبزيد، أو لأنَّهم ضمَّنوه معنى «ذكرت»، فأما أنشدتك بالله؛ فخطأ) انتهى، قلت: وبهذا ظهر أن ما قاله العجلوني تبعًا لما زعمه ابن حجر من أن النشد: التذكير (٢)؛ فغير صحيح؛ لأنَّ مراد حسان: القسم والسؤال بالله على صحة كلامه، وأما التذكير؛ فهو يسبقه النِّسيان، وهو غير صحيح، كما لا يخفى؛ فافهم، ويدل عليه ما في «القاموس» : (فلان نشد؛ قال له: نشدتك الله؛ أي: سألتك بالله، وقد ناشده مناشدة ونشادًا: حلفه) انتهى، قلت: وبهذا علم أن المراد به: التحليف للمخاطب، لا التذكير؛ فليحفظ.

(هل سمعت النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) وقوله: (يقول) جملة فعلية محلها نصب على الحال، أو مفعول ثان لـ (سمعت)؛ فافهم: (يا حسان؛ أجب عن (٣) رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية سعيد: (أجب عني)، ومعنى الأول: أجب الكفار عن جهة النَّبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ولفظ: الجهة مقدر، ويجوز أن يُضمَّن (أجب) معنى: ادفع، والمعنى: ادفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا عدَّاه بـ (عن)، وليس هو من إجابة السؤال، ولا هو منه، ويحتمل أن يكون الأصل رواية سعيد وهي: (أجب


(١) في الأصل: (سعيد)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (التذكر)، ولعل المثبت هو الصواب، وكذا في الموضع اللاحق.
(٣) في الأصل: (على)، وهو تحريف.

<<  <   >  >>