للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي: نغسل غسلًا خفيفًا للاستعجال، (فنادى) عليه السلام حين رآنا (بأعلى صوته: ويلٌ) بالرفع على الابتداء: كلمة عذاب أو وادٍ في جهنم (للأعقاب من النار)؛ أي: لأصحابها المقصِّرين في غسلها (مرتين أو ثلاثًا) شك من الراوي، وتقدم في باب (من رفع صوته بالعلم)؛ فليحفظ.

(٣١) [باب تعليم الرجل أمته وأهله]

هذا (باب تعليم الرجل أمته وأهله) من عطف العام على الخاص؛ لأنَّ أمة الرجل من أهل بيته وخصَّها بالذكر؛ لأنَّها على الجهل المحض.

[حديث: ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه]

٩٧ - وبه قال: (أخبرنا) وفي رواية: (حدثنا) (محمد) هو ابن سلام، كما في رواية، بتخفيف اللام، وفي رواية: إسقاط (هو)، وفي أخرى: (حدثني محمد بن سلام) (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا) (المُحارِبيُّ)؛ بضم الميم والمهملة وكسر الراء: عبد الرحمن بن محمد بن زياد، الكوفي، المتوفى سنة خمس وتسعين ومئة (قال: حدثنا صالح ابن حَيَّان)؛ بفتح المهملة وتشديد التحتية، ونسبه لجدِّه الأعلى؛ لشهرته به، وإلَّا؛ فهو صالح بن صالح بن مسلم بن حيان، ولقبه حيٌّ، الهمداني الكوفي، المتوفى سنة ثلاث وخمسين ومئة (قال)؛ أي: صالح: (قال عامر) بن شراحيل (الشَّعْبي)؛ بفتح المعجمة وإسكان المهملة وبالموحدة: (حدثني) بالإفراد (أبو بُردة)؛ بضم الموحدة، عامر الأشعري قاضي الكوفة، (عن أبيه) هو أبو موسى عبد الله بن قيس الأشعري (قال) أبو موسى: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثةٌ) مبتدأ؛ أي: ثلاثة رجال أو رجال ثلاثة (لهم) مبتدأ (أجران) خبر، والجملة خبر الأول؛ (رجل) خبر لمبتدأ محذوف تقديره: أولهم أو الأول رجل وكذا امرأة (من أهل الكتاب) صفة (رجل)، (أل) فيه للعهد؛ أي: التوراة والإنجيل، أو الإنجيل، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ} إلى قوله: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ} [القصص: ٥٢ - ٥٤]، فالآية: موافقة لهذا الحديث وهي نزلت في طائفة آمنوا منهم؛ كعبد الله بن سلام وغيره حال كونه قد (آمن بنبيه) موسى أو عيسى عليهما [السلام]، (وآمن بمحمد) النبيِّ الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ أي: أنهم بقوا على ما بعث به نبيهم من غير تبديل ولا تحريف حتى بُعِث نبينا عليه السلام، فآمنوا به أو الأمر على عمومه؛ أي: وإن كانوا محرِّفين مبدِّلين؛ لأنَّه عليه السلام كتب إلى هرقل: «أسلم؛ يؤتك الله أجرك مرتين»، وهو: كان ممن دخل في النصرانية بعد التبديل، وببعثته عليه السلام انقطعت دعوة عيسى عليه السلام، فدخل جميع الكفار أهل الكتاب وغيرهم تحت دعوة النبيِّ الأعظم عليه السلام، سواء بلغتهم الدعوة أو لا، ولهذا يقال لهم: أهل الدعوة، وأما من لم تبلغه الدعوة؛ فلا تطلق عليهم بالفعل، وأما بالقوَّة؛ فليسوا خارجين عنها، فهذا مختص بمن آمن منهم في عهد البعثة غير شامل لمن آمن منهم في زماننا؛ لأنَّ عيسى عليه السلام ليس نبيهم بعد البعثة؛ بل نبيهم النبيُّ الأعظم عليه السلام، فلا يحصل لهم به (١) إلَّا أجر واحد، وأما الآخران؛ فهو باق إلى يوم القيامة، وتمام تحقيقه في «عمدة القاري».

(و) الثاني (العبد المملوك)؛ أي: جنسه: وإنما وصفه بالمملوك؛ لأنَّ كل الناس عباد الله، فأراد تمييزه بكونه مملوكًا للناس، (إذا أدى حقَّ)؛ بالنصب: مفعول (أدى) (الله تعالى)؛ أي: امتثل أوامره ففعلها، واجتنب نواهيه فتركها، (و) أدى (حق مواليْه)؛ بإسكان التحتية، جمع مولى، وإنما جمعه؛ لأنَّه لما كان المراد من العبد: جنس العبد؛ فجمع حتى يكون التوزيع لكل عبد مولى؛ لأنَّ مقابلة الجمع بالجمع مفيدة للتوزيع، أو أراد: أن استحقاق الأجرين إنَّما هو عند أداء حق مواليه لو كان مشتركًا بين جماعة، والمراد من حقِّهم: خدمتهم.

فإن قلت: أجر المماليك ضعف أجر السادات؛ قلت: المراد: ترجيح العبد المؤدِّي للحقَّين على العبد المؤدي لأحدهما.

فإن قلت: يلزم على هذا أن يكون الصحابيُّ الذي كان كتابيًّا راجحًا على أكابر الصحابة، وهو خلاف الإجماع.

قلت: الإجماع خصصهم وأخرجهم من هذا الحكم، ويلتزم ذلك في كل صحابي لا يدل دليل على زيادة أجره على من كان كتابيًّا، كذا في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(و) الثالث (رجل كانت عنده أمة) زاد في رواية: (يطؤها)؛ بالهمزة، و (أمة)؛ بالرفع: اسم (كانت)، وإذا لم يطأها؛ هل له أجران؟ قلت: نعم؛ إذ المراد من قوله: (يطؤها) محل وطئها سواء صارت موطوءة أو لا؛ فافهم.

(فأدَّبها) لتُحسِن الأحوال والأخلاق (فأحسن تأديبها) من غير عنف وضرب؛ بل بالرفق واللطف، (وعلَّمها) الأمور الشرعيات (فأحسن تعليمها) فالأول: دنيوي، والثاني: ديني، (ثم أعتقها فتزوجها) زاد في رواية: (أصدقها)؛ أي: أعطاها صداقها، (فله) أي: الرجل الأخير (أجران) وإنما لم يقتصر على قوله: (لهم أجران) مع كونه داخلًا في الثلاثة بحكم العطف؛ لأنَّ الجهة متعددة وهي: التأديب، والتعليم، والعتق، والتزوُّج، وكانت مظنَّة أن يستحق الأجر أكثر من ذلك، فأعاده إشارة إلى أن المعتبَر من الجهات أمران، وإنما لم يعتبر إلَّا الأمرين ولم يعتبر الكل؛ لأنَّ التأديب والتعليم يوجبان الأجر في الأجنبي، والأولاد، وجميع الناس، فلم يكن مختصًّا بالإماء، فلم يبق إلا اعتبار الجهتين؛ العتق والتزوج، وإذا كان المعتبَر أمرين؛ فما فائدة ذكر الأخيرين؟ لأنَّ التأديب والتعليم أكمل للأجر؛ لأنَّ تزوُّج المرأة المؤدبة المعلَّمة أكثر بركة وأقرب إلى أن تعين زوجها على دينه، كذا في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

وإنما عرَّف (العبد) ونكَّر (رجل)؛ لأنَّ المعرَّف بلام الجنس كالنكرة في المعنى، وكذا الإتيان في العبد بـ (إذا) دون القسم الأول؛ لأنَّها ظرف، و (آمن) حال وهي في حكم الظرف، وتمامه في القسطلاني معزوًّا (٢) للكرماني، واعترضه ابن حجر، ورده الشيخ الإمام بدر الدين العيني بما يطول؛ فليحفظ.

(ثم قال عامر) الشعبيُّ لراويه صالح المذكور: (أعطيناكها)؛ أي: أعطينا المسألة أو المقالة إياك (بغير شيء)؛ أي: بغير أخذ مال منك على جهة الأجرة عليه، وإلَّا؛ فلا شيء أعظم من الأجر الأخروي الذي هو ثواب التبليغ والتعليم، كذا قاله في «عمدة القاري»، وتبعه في الفتح، قال القسطلاني: وهو الراجح، والخطاب لرجل من أهل خراسان، سأل الشعبي عمن يعتق أمته، ثم يتزوجها، فأجابه بهذا الحديث، كما بسطه في «عمدة القاري»، وسيأتي عند المؤلف في باب {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: ١٦].

(قد) وللأصيلي: (وقد) بالواو، ولغيره كما قاله الشيخ الإمام بدر الدين العيني: (فقد) (كان يُركَب) على صيغة المجهول؛ بضم التحتية؛ أي: يرحل (فيما دونها)؛ أي: فيما دون هذه المسألة (إلى المدينة) : (أل) للعهد،؛ أي: مدينة النبيِّ الأعظم عليه السلام، وسؤال الخراسانيمن الشعبيِّ ليس للتعليم؛ بل كان لما قاله أهل خراسان: من أنه إذا أعتق أمته، ثم تزوجها؛ فهو كالراكب بدنة أو كالراكب هدية، فأجابه بالحديث، كما بسطه في «عمدة القاري» معزوًّا لرواية مسلم.

والتخصيص لهذه الثلاثة لا ينفي ما عداه؛ لأنَّ الصحيح أن التنصيص باسم الشيء لا يدل على نفي الحكم عما عداه، وهو مذهب الجمهور ومال الإمام صدر الدين المرغيناني إلى أن التنصيص بعدد محصور يدل على نفي الحكم عن غيره مستدلًّا بقوله عليه السلام: «خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم»، قلت: هذا قول، والصحيح من المذهب: أنه لا يدل على النفي فيما عداه وإن كان في عدد محصور، والحكم في غير المذكور إنَّما يثبت بدلالة النص، فلا يوجب إبطال العدد المنصوص، كذا في «عمدة القاري».

(٣٢) [باب عظة الإمام النساء وتعليمهن]

هذا (باب عِظة)؛ بكسر العين المهملة؛ بمعنى: الوعظ؛ لأنَّه مصدر (وعظ) حذفت الواو فعوضت عنها الهاء (الإمام)؛ أي: الأعظم وهو السلطان أو نائبه (النساءَ) فيذكرهنَّ العواقب (وتعليمهنَّ) أمور الدين.

[حديث: أشهد على النبي خرج ومعه بلال فظن أنه لم يسمع]

٩٨ - وبه قال: (حدثنا سليمان بن حرب) الأزدي البصري (قال: حدثنا شعبة) هو ابن الحجَّاج، (عن أيوب) السختياني (قال: سمعت عطاء)؛ أي: ابن أبي رباح سلمان المكي القرشي الحبشي، الحاج سبعين حجة، القائل: (إن وافق يوم عيد يوم جمعة؛ يصلى العيد فقط، ولا ظهر ولا جمعة في ذلك اليوم)، المتوفى سنة خمس أو أربع عشرة ومئة عن ثمانين سنة (قال: سمعت) عبد الله (ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: أشهد على النبيِّ) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم، أو قال عطاء: أشهد على ابن عباس) يعني: أنَّ الراوي تردَّد في لفظ (أشهد) هل هو من قول ابن عباس أو من قول عطاء؟ وأخرجه أحمد جازمًا بلفظ (أشهد) عن كلِّ منهما، وعبر بلفظ الشهادة؛ تأكيدًا لتحققه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج) جملة محلها الرفع خبر (أن)؛ أي: من بين صفوف الرجال إلى صف النساء (ومعه بلال) جملة اسمية وقعت حالًا، وفي رواية: بإسقاط الواو؛ كقوله تعالى: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [البقرة: ٣٦]، وبلال هو ابن أبي رَبَاح؛ بفتح الراء وتخفيف الموحدة، الحبشي القرشي، واشتهر باسم أمه حمامة؛ بفتح المهملة، (فظن) عليه السلام (أنه لم يسمع النساء) حين أسمع الرجال، وسقط في رواية لفظة (النساء)، و (أن) مع اسمها وخبرها سدت مسد مفعولي (ظن)، (فوعظهنَّ) بقوله: «إني رأيتكنَّ أكثر أهل النار؛ لأنكنَّ تكثرن اللَّعن وتكفرن العشير»، فيه: دليل على جواز حضورهنَّ المساجد ومجالس الوعظ، لكن بشرط أمن الفتنة وعدم المفسدة، (وأمرهنَّ بالصدقة) (أل) للعهد الخارجي، وهي صدقة التطوُّع، وإنما أمرهنَّ؛ لما رآهنَّ أكثر أهل النار على ما جاء في «الصحيح» : «تصدقن يا معشر النساء إنِّي رأيتكنَّ أكثر أهل النار»،


(١) في الأصل: (في)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (معزيًّا)، وكذا في الموضع اللاحق.

<<  <   >  >>