للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يصلى في ثوب، فإن كان استدل بهذا الحديث في رده على الكرماني؛ فلا وجه له، وهو ظاهر لا يخفى) انتهى كلام صاحب «عمدة القاري».

قلت: وظاهره أنَّ مراده الرد على الكرماني مستدلًّا بهذا الحديث، وليس له وجه كما ذكره؛ لاحتمال أنَّ جابرًا كان يصلي خلف رسول الله عليه السلام، فإنَّه ليس فيه ما يدل على أنَّ جابرًا هو الإمام؛ فليحفظ.

قال في «عمدة القاري» : (وفي الحديث بيان ما كان السلف عليه من الاحتجاج بفعل النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والانقياد إلى ذلك، وفيه: جواز الرد على من تمادى بغير علم؛ إذ القصد من ذلك إيضاح الحق، والإرشاد إلى من لا يعلم، وفيه: كراهية الإسراف في استعمال الماء، وفيه: استحباب قدر الصاع في الاغتسال، وفيه: جواز الصَّلاة في الثوب الواحد) انتهى.

قلت: والسنة في الغسل ملء الصاع، وفي الوضوء ملء المُدِّ، كذا قدره مجتهد المذهب الإمام محمَّد بن الحسن في «ظاهر الرواية» عن الإمام الأعظم رضي الله عنهما، وهو تقدير أدنى الكفاية عادة، وليس بلازم حتى إنَّ من أسبغ بدون ذلك أجزأه، وإن لم يكفه؛ زاد عليه؛ لأنَّ طباع الناس وأحوالهم تختلف، كذا في «البدائع».

وقال في «الخلاصة» : (والتقدير في الوضوء بالمد إذا كان لا يحتاج إلى الاستنجاء، فإن احتاج إليه؛ لا يكفيه، بل يستنجي برطل أو يتوضأ بالمد، فإن كان لابس الخفين؛ يتوضأ برطل.

فالحاصل: أنَّ الرطل للاستنجاء، والرطل للقدمين، والرطل لسائر الأعضاء) انتهى.

واعلم: أنَّ الوضوء على أربعة أوجه: إما ألَّا يستنجي ويمسح على الخفين، أو يستنجي ويمسح على الخفين، أو لا يستنجي ويغسل الرجلين، أو يستنجي ويغسل الرجلين، أمَّا الأول؛ فيكفيه رطل، وأمَّا الثاني؛ فاثنان: واحد للاستنجاء، وآخر للوضوء، وأمَّا الثالث؛ فكذلك: واحد للرجلين، وواحد للبقية، وأمَّا الرابع؛ فثلاثة أرطال: واحد للاستنجاء، وواحد للرجلين، وواحد للبقية، وأدنى مايكفي من الماء في الغسل في الغالب صاع، وفي الوضوء ربعه، وهو: المد، وللاستنجاء ثمنه؛ وهو: الرطل، وإن أراد أن يمسح على خفيه؛ كفاه في الوضوء رطل، كذا في «منهل الطلاب»، والله أعلم.

وقال ابن عبد البر في «شرح موطأ مالك» : (غسل الأعضاء في الوضوء وسائر الجسم إنَّما يكون بمباشرة الماء لذلك، وأمَّا ما أمر الله بغسله؛ فلا يجزئ فيه المسح، فمن قدر على أن يتوضأ بمد أو أقل ويغتسل بصاع أو دونه بعد أن يسبغ ويعم؛ فذاك حسن عند جمهور العلماء بالعراق والحجاز، ولا يخالف في ذلك إلا ضال مبتدع) انتهى.

وفي يوم الثاني جماد الثاني سنة سبع وسبعين شرعوا في عدد الأنفس بدار رستم أفندي والله تعالى المهدي.

[حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد]

٢٥٣ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضمِّ النون؛ هو: الفضل بن دُكين؛ بضمِّ الدال المهملة (قال: حدثنا ابن عُيينة)؛ بضمِّ العين المهملة؛ هو: سفيان (عن عَمرو)؛ بفتح العين المهملة؛ هو: ابن دينار، (عن جابر بن زيد) : هو أبو: الشَعْثاء- بفتح الشين المعجمة، وسكون العين المهملة، بعدها مثلثة، وبالمد- الأزدي البصري المتوفَّى سنة ثلاث ومئة، (عن ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما (أنَّ النبيَّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم ومَيمُونة)؛ بفتح الميم الأولى، وضم الثانية؛ بنت الحارث زوجة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وخالة ابن عباس (كانا يغتسلان)؛ أي: من الجنابة (من) ولأبي الوقت (في) وهي بمعنى (من) (إناء واحد)؛ أي: في وقت واحد، كما يظهر من السياق، وتعبيره بـ (كان) يدل على أنَّ عادتهما ذلك على الدوام والاستمرار.

قال إمام الشارحين في «عمدة القاري» : ومطابقة هذا الحديث للترجمة غير ظاهرة، ووجه الكرماني في ذلك بثلاثة أوجه بالتعسف؛ الأول: أن يراد بالإناء الفرق المذكور، الثاني: الإناء كان معهودًا عندهم أنَّه هو: الذي يسع الصاع والأكثر، فنزل تعريفه اعتمادًا على العرف والعادة، الثالث: أنَّه من باب الاختصار في الحديث، وفي تمامه ما يدل عليه كما في حديث عائشة رضي الله عنها، ووجَّهه بعضهم بأن مناسبة الترجمة تستفاد من مقدمة أخرى، وهو أنَّ أوانيهم كانت صغارًا، فيدخل هذا الحديث تحت قوله: «ونحوه»؛ أي: نحو الصاع، أو يحمل المطلق فيه على المقيَّد في حديث عائشة وهو الفرق؛ لكون كل منهما زوجة له، واغتسلت معه، فتكون حصة كل منهما أزيد من صاع، فتدخل تحت الترجمة تقريبًا، قال: قلت: قول هذا القائل أكثر تعسفًا وأبعد وجهًا من كلام الكرماني؛ لأنَّ المراد من هذا الحديث: جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وهذا هو مورد الحديث، وليس المراد: منه بيان مقدار الإناء، والباب في بيان المقدار، فمن أين يلتئم وجه التطابق بينه وبين الباب؟

وقوله: (لكون كل منهما زوجة)؛ كلام من لم يمس شيئًا من الأصول، وكون كل واحدة منهما امرأة له، كيف يكون وجهًا لحمل المطلق على المقيد؟ مع أنَّ الأصل أن يجري المطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، والحمل له مواضع، كما عرفت في موضعها) انتهى كلام «عمدة القاري».

وأراد بقوله: (بعضهم) : ابن حجر العسقلاني، فإنَّه ذكر هذا الكلام في «شرحه»، ولا يخفى ما فيه من الركاكة، والتعسف، والبعد، وزعم العجلوني فقال: (إذا كان كلام كل منهما متعسفًا وأحدهما أكثر تعسفًا؛ فينبغي له أن يبدي ولو وجهًا سالمًا عن ذلك).

قلت: ولا يخفى عليك أنَّ الحديث إذا كان غير مطابق للترجمة، فكيف إبداء الوجه السالم من التعسف؟ وما هذا إلا كلام من ليس له ذكاء وفطنة، وهو نظير المثل المشهور بين الناس يقولون: احلبه، فيجيبه: إنه ثور، فيعيد عليه قوله: احلبه، وهكذا، فلو كان للحديث وجه صحيح؛ لكان ذكره إمام الشارحين، وأقول وبالله التوفيق: الظاهر: أنَّ المؤلف وضع هذا الحديث؛ لنكتة أخرى وهي: الاختلاف في السند، وفيه خلاف: فبعضهم لم يفرق بينهما، وبعضهم فرق، وإليه ذهب المؤلف،؛ فذكر الحديث، ثم أعقبه بالمتابعة للإشارة إلى هذا الاختلاف، وعدم مطابقته للترجمة لا يضر؛ لأنَّ المؤلف ذكر الترجمة وذكر حديثين مطابقتُهما للترجمة ظاهرة، ومناسبة الحديث لهما في أنَّه له تعلق بأحكام الغسل، والله أعلم.

(قال أبو عبد الله) أي: المؤلف: (كان ابن عيينة) أي: سفيان (يقول أخيرًا)؛ بالتحتية بعد الخاء المعجمة؛ أي: في آخر عمره: (عن ابن عباس عن ميمونة) وهذا تعليق من المؤلف، ولم يقل: (وقال ابن عيينة)، بل قال: وكان... ؛ ليدل على أنه في آخر عمره كان مستقرًّا على هذه الرواية، فعلى هذا التقدير: التحديث من مسانيد ميمونة، وعلى الأول: من مسانيد ابن عباس (والصحيح)؛ أي: من الروايتين (ما روى) أي: الذي رواه (أبو نعيم) المذكور، وهو: أنَّه من مسانيد ابن عباس، وهذا من كلام البخاري، وهو المصحح له، وصححه الدارقطني أيضًا، ورجح الإسماعيلي أيضًا ما صححه البخاري باعتبار أنَّ هذا الأمر لا يطلع عليه من النبيِّ عليه السلام إلا ميمونة، فدل على أنَّه أخذ عن ميمونة خالته، وأخرجه مسلم، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه؛ كلهم في (الطهارة) عن ابن عباس عن ميمونة رضي الله عنهما، واللفظ: (كنت أغتسل أنا والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من إناء واحد من الجنابة)، كذا في «عمدة القاري»، ثم قال: (والمستفاد من الحديث جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد) انتهى.

(٤) [باب من أفاض على رأسه ثلاثًا]

هذا (باب) بيان (من أفاض) أي: أسال الماء (على رأسه) في الغسل من الجنابة (ثلاثًا)؛ أي: ثلاث مرَّات.

[حديث: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا]

٢٥٤ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا أبو نُعيم)؛ بضمِّ النون؛ هو الفضل بن دُكين؛ بالدال المهملة المضمومة (قال: حدثنا زُهير)؛ بضمِّ الزاي؛ هو ابن معاوية الجعفي، (عن أبي إسحاق) : هو عمرو بن عبد الله السَّبيعي- بفتح السين المهملة- الكوفي (قال: حدثني) بالإفراد (سُليمان)؛ بضمِّ السين المهملة

<<  <   >  >>