للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبو جعفر الطحاوي، عن أبي بكرة، عن روح، عن زمعة بن صالح قال: سمعت ابن شهاب يحدث عن سالم، عن أبيه، عن النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم مثل ما روى البخاري عن جابر رضي الله عنهما، فظهر من هذا أن حديثه ذاك في استعمال الأفضل؛ فبهذا يرتفع الخلاف بين روايتيه، وكذلك كل ما روي في هذا الباب من منع الصلاة في ثوب واحد؛ فهو محمول على الأفضل لا على عدم الجواز، وقيل: هو محمول على التنزيه لا على التحريم) انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

[حديث: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ]

٣٥٧ - وبالسند إليه قال: (حدثنا إسماعيل بن أبي أُوَيس)؛ بضم الهمزة، وفتح الواو؛ مصغَّرًا، هو المدني الأصبحي، ابن أخت مالك بن أنس (قال: حدثني) بالإفراد (مالك بن أنس)؛ هو الأصبحي المدني، وسقط: (ابن أنس) لابن عساكر، (عن أبي النَّضْر)؛ بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة، واسمه سالم بن أبي أمية (مولى عُمر)؛ بضم العين المهملة، (بن عُبيد الله)؛ بضم العين المهملة، مصغر (عبد)، هو ابن معمر، القرشي التيمي، المتوفى سنة تسع وعشرين ومئة: (أن أبا مُرَّة)؛ بضم الميم، وتشديد الراء، واسمه يزيد (مولى أم هانئ)؛ بالنون وبالهمز، هي فاختة، وقيل: هند (بنت أبي طالب) أخت علي الصديق الأصغر، وذكر المؤلف في باب (العلم) : أنه مولى عقيل، قال إمام الشَّارحين: (وهو في نفس الأمر مولى أم هانئ، ونسب إلى ولاء عقيل مجازًا؛ لإكثاره الملازمة لعقيل)؛ فافهم.

(أخبره) أي: أخبر يزيد سالمًا: (أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب) رضي الله عنها، وجملة قوله: (تقول) من الفعل والفاعل محلها نصب، إمَّا مفعول ثان (١) لـ (سمع)، وإمَّا حال على الخلاف المشهور: (ذهبت إلى رسول الله) : وللأصيلي: (إلى النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ يعني: إلى حجرته الشريفة (عام الفتح) أي: فتح مكة، وكان في رمضان سنة ثمان، (فوجدته) حال كونه (يغتسل) أي: من الجنابة، والجملة حالية (وفاطمة ابنته) رضي الله عنها هي الزهراء، (تستره) : جملة اسمية حالية أيضًا، (قالت) أي: أم هانئ: (فسلمت عليه، فقال) عليه السَّلام لابنته فاطمة: (مَن هذه؟) بفتح الميم، قالت: أم هانئ (فقلت: أنا) : وللأصيلي: (قلت) (أم هانئ بنت أبي طالب) رضي الله عنها، وظاهره: أنه عليه السَّلام لم يرد عليها السلام؛ لكونه لم يفرغ من الغسل، فبقي على جنابته؛ لأنَّه عليه السَّلام من عادته أن يذكر الله تعالى على طهارة، و (السلام) من أسماء الله تعالى، فكره أن يذكر الله على غير طهارة، ويدل عليه ما قدمه المؤلف في (التيمم) من حديث أبي الجهيم الأنصاري: (أنه عليه السَّلام أقبل من نحو بئر جمل، فلقيه رجل، فسلم عليه، فلم يرد عليه النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السَّلام)، زاد في رواية الطبراني في «الأوسط»، وقال: «إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت على غير طهر») انتهى.

ولا يخفى أن تيممه عليه السَّلام كان عند عدم الماء؛ فافهم.

(فقال) أي: النبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم لأم هانئ: (مرحبًا) : منصوب بفعل مقدر؛ تقديره: لقيت رحبًا وسعة (بأم هانئ)؛ بالباء الجارة، وفي رواية ابن عساكر: (مرحبًا يا أم هانئ)؛ بياء النداء، وهذا يقوم مقام السلام في اللغة لا في الشرع، ولعله عليه السَّلام اقتصر على ذلك، لكنه خلاف الشرع، بل رد عليها السلام بعد فراغه من الغسل، والراوي إمَّا نسي هذه الجملة، وإمَّا لم يسمعها من أم هانئ؛ لعدم سماعها منه عليه السَّلام، بل قد سمعته ابنته فاطمة وأم هانئ، لكن نسيت، فلم تذكرها؛ فافهم.

(فلما فرغ) عليه السَّلام (من غُسله) بضم الغين المعجمة، من الجنابة؛ (قام) : جواب (لما) (فصلى ثمانِيَ (٢) ركعات)؛ بكسر النون، وفتح الياء، مفعول (فصلى)، وفي رواية ابن عساكر: (ثمانَ)؛ بفتح النون من غير ياء، وزعم الكرماني: (أنه على الرواية الأولى بفتح النون).

قال إمام الشَّارحين: (قلت: حينئذ يكون منصوبًا بقوله: «فصلى»)، وقال الجوهري: (هو في الأصل منسوب إلى الثُمن؛ لأنَّه الجزء الذي صير السبعة ثمانية، فهو ثمنها، ثم إنَّهم فتحوا أوله؛ لأنَّهم يغيرون في النسب، وحذفوا منه إحدى يائي النسبة، وعوضوا منها الألف كما فعلوا في المنسوب إلى اليمن، فتثبت ياؤه عند الإضافة كما تثبت «ياء» القاضي، تقول: ثمان نسوة، وتسقط مع النون عند الرفع والجر، وتثبت عند النصب؛ لأنَّه ليس بجمع) انتهى.

(ملتحفًا) بالنصب على الحال من الضمير الذي في (صلى) (في ثوب واحد)؛ أي: متوشح به مخالف بين طرفيه على عاتقيه، (فلما انصرف) عليه السَّلام؛ أي: فرغ من صلاته؛ (قلت) أي: قالت أم هانئ قلت: (يا رسول الله؛ زعم) : معناه ههنا: قال أو ادعى، كما في «عمدة القاري».

قلت: وإنما قال: (معناه) هكذا؛ لأنَّ الزعم أكثر ما يستعمل بمعنى فيما لا يتحقق، وقال ابن المظفر: (أهل العربية يقولون: زعم فلان: إذا شك فيه، ولم يدرِ لعله كذب أو باطل)، وقال الأصمعي: (الزعم: الكذب)، وقال شريح: (زعموا: كنية الكذب)، وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: (الزعم: القول يكون حقًّا، ويكون باطلًا) انتهى؛ فليحفظ.

والزَُّعم -بفتح الزاي وضمها- مصدر زعم، وهو فعل يقترن به اعتقاد ظني، و (زعم) : يكون بمعنى: (ظن) فيتعدى إلى اثنين؛ كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ...}؛ الآية [النساء: ٦٠]، وقد يكون بمعنى: (كفل) فيتعدى إلى واحد؛ ومنه قوله تعالى: {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢]، والله تعالى أعلم.

(ابن أمي) : هو علي بن أبي طالب، وهي شقيقته، وأمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفي رواية الحموي كما في «عمدة القاري» : (زعم ابن أبي) قال: (ولا تفاوت بينهما في المقصود؛ لأنَّها أخت علي من الأم والأب، ولكن الوجه في رواية: «ابن أمي» تأكيد الحرمة والقرابة والمشاركة في بطن، وذلك كما في قوله تعالى حكاية عن هارون لموسى عليهما السلام: {قَالَ يَا بْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [طه: ٩٤]) انتهى.

(أنه)؛ أي: ابن أمي، وهو أخوها علي بن أبي طالب (قاتل رجلًا) : فـ (قاتل) : اسم فاعل، من باب (المفاعلة)؛ والمعنى: أنه عازم على المقاتلة؛ لأنَّه لم يكن قاتلًا حقيقة في ذلك الوقت، ولكنه لما عزم على التلبس بالفعل؛ أطلقت عليه القاتل، و (رجلًا) : منصوب بقوله: (قاتل)، كذا في «عمدة القاري» (قد أجرته) بفتح الهمزة بدون المد؛ أي: أمنته، والجملة محلها نصب صفة (رجلًا)، ولا يجوز فيه المد؛ لأنَّه إمَّا من الجور؛ فتكون الهمزة فيه للسلب والإزالة؛ يعني: لسلب الفاعل عن المفعول أصل الفعل؛ نحو: أشكيته؛ أي: أزلت شكايته، وإمَّا من الجوار بمعنى: المجاورة، كذا في «عمدة القاري»، (فلانَُ بن هبيرة)؛ بالرفع والنصب، أمَّا الرفع؛ فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف؛ تقديره: هو فلان، وأمَّا النصب؛ فعلى أنه بدل من (رجلًا)، أو من الضمير المنصوب في (أجرته)، و (هُبَيْرة)؛ بضم الهاء، وفتح الموحدة، وسكون التحتية، وبالراء: هو ابن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران المخزومي، زوج أم هانئ بنت أبي طالب، شقيقة علي بن أبي طالب، وهي أسلمت عام الفتح، وكان لهبيرة أولاد منها؛ وهم: عمرويه، وهانئ، ويوسف، وجعدة، وقد ذكرنا أن اسمها فاختة أو هند، وكنيت بهانئ أحد أولادها المذكورين، فهرب زوجها من مكة عام الفتح لما رآها أسلمت، ولم يزل مشركًا حتى مات،


(١) في الأصل: (ثاني)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (ثمان)، والمثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>