للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثاني يدل على عدمه، وقد ذكرنا الخلاف فيه فيما تقدم، وهو «باب التقاضي والملازمة في المسجد») انتهى، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

[قول عمر: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما]

٤٧٠ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا علي بن عبد الله) هو المديني (قال: حدثنا يحيى بن سعِيد) بكسر العين المهملة، هو القطان (قال: حدثنا الجُعَيْد)؛ بِضَمِّ الجيم، وفتح العين المهملة، وسكون التحتية، آخره دال مهملة، ويقال له: جعيد أيضًا؛ بدون الألف واللَّام، ويقال له: الجعد أيضًا؛ بدون التصغير، وهو اسمه الأصلي، وكذا وقع في رواية الإسماعيلي: (الجعد) (بن عبد الرحمن) بن أوس، وهو ثقة (قال: حدثني) بالإفراد (يَزِيد) بفتح التحتية أوله، وكسر الزاي (ابن خُصَيْفة)؛ بِضَمِّ الخاء المعجمة، وفتح الصَّاد المهملة، وسكون التحتية، وبالفاء: ابن أخي السائب المذكور فيه، وخُصَيْفة جده، وأبوه عبد الله بن خُصَيْفة، وقد نُسب إلى جده، (عن السائب) بالسين المهملة (بن يَزِيد)؛ بفتح التحتية أوله، من الزيادة: هو الكندي الصَّحابي، وهو عم يزيد ابن خُصَيْفة، وروى الجعيد عن السائب بدون واسطة في باب (استعمال فضل وضوء الناس)، وهنا روى عنه بواسطة يزيد، وروى حاتم بن إسماعيل هذا الحديث عن الجعيد عن السائب بلا واسطة، أخرجه الإسماعيلي، وصح سماع الجعيد من السائب كما ذكرنا الآن، فلا يكون هذا الاختلاف قادحًا، وروى عبد الرزاق هذا من طريق أخرى عن نافع قال: كان عمر يقول: لا تكثروا اللغط، فدخل المسجد؛ فإذا هو برجلين قد ارتفعت أصواتهما، فقال: إنَّ مسجدنا هذا لا يرفع فيه الصوت... ؛ الحديث، وهذا فيه انقطاع؛ لأنَّ نافعًا لم يدرك هذا الزمان، كذا قاله إمام الشَّارحين، (قال) أي: السائب بن يَزِيد: (كنت قائمًا)؛ بالقاف للأكثرين، وفي رواية: (نائمًا)؛ بالنُّون، ويؤيد هذه الرواية ما ذكره الإسماعيلي عن أبي يعلى: حدثنا محمَّد بن عباد: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن الجعد، عن السائب قال: (كنت مضطجعًا)، قاله إمام الشَّارحين، وقال في «المنحة» : (وروي: «مضطجعًا»، وظاهره هنا أنَّه مُدْرَج) انتهى.

قلت: هذا الظَّاهر ليس بظاهر؛ لأنَّه رواية هنا أيضًا، وليس فيه دليل على الإدراج؛ فافهم، واعرفه.

(في المسجد)؛ أي: النَّبوي، فاللَّام فيه للعهد، (فحَصَبَني)؛ بفتحات، من حصبت الرجل أحصِبه -بالكسر-؛ أي: رميته بالحصباء، قاله إمام الشَّارحين، ومثله في «الصِّحاح» (رجلٌ) بالتنوين، (فنظرت) أي: إلى الرجل الحاصب؛ (فإذا هو عمر بن الخطاب) أمير المؤمنين القرشي رضي الله عنه، قال إمامنا الشَّارح: (كلمة «إذا» للمفاجأة، وهو مبتدأ، و «عمر» خبره، ويروى: «فإذا عمر بن الخطاب»، فعلى هذا «عمر» مبتدأ، وخبره محذوف؛ تقديره: فإذا عمر حاضر أو وقف) انتهى.

(فقال) أي: عمر للسائب: (اذهب فائتني بهذين)؛ يعني: بهذين الشخصين، وكانا ثقفيين (١)، كذا في رواية عبد الرزاق، قاله إمام الشَّارحين.

قلت: يعني: لم يعلم اسمهما، وهو كذلك؛ فافهم.

(فجئته بهما) أي: فأتيت عمر بالشخصين، (قال) : ولأبوي ذر والوقت: (فقال) أي: عمر رضي الله عنه: (مَن) ولأبي الوقت وابن عساكر: (ممن) (أنتما؟ أو من أين أنتما؟) كلمة (أو) فيه للشك من الراوي، والأولى استفهام عن ذات الشخصين، والثانية عن قبيلتهما، والثالثة عن مكانهما، (قالا) أي: الشخصان: (من أهل الطَّائف)، وهذا يصلح جوابًا عن الأخيرين بلا ريب، وعن الأول بتكلف؛ فافهم.

والطَّائف: بلد بالحجاز من أعمال مكة المشرفة على يومين منه، قيل: بينهما ستون ميلًا، نسب إليها كثير من العلماء، وهي مدينة صغيرة منحصرة، مياهها عذبة، وهواؤها معتدل صحيح، وضياعها متصلة البطيح، باردة الماء، كثيرة الفواكه، وبها مآثر نبوية، كذا في «القاموس».

وقال الأمساطي: ومن أرض الحجاز: الطَّائف، وهي مدينة صغيرة على ظهر جبل قريب من مكة، فيها فواكه ومياه جارية، ويحمد فيه الماء، وليس في الحجاز مكان يحمد فيه الماء سواها).

وقد سكنها ثقيف، وهو قسي بن منبه بن معد بن يقدم بن أقصى بن إياد بن نزار (٢) بن معد بن عدنان، ومن فضلهم ما رواه النسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممت ألَّا أقبل هدية إلا من قرشي، أو أنصاري، أو ثقفي، أو دوسي».

وفي «الجامع الصغير» للأسيوطي: «أول من أشفع له من أمتي: أهل المدينة، وأهل مكة، وأهل الطَّائف»، وأخرجه الطَّبراني في «الكبير» من حديث عبد الله بن جعفر.

وفي حديث طويل: «الطَّائف قرية يونس بن متى عليه السَّلام»، وأشار إليه في قوله تعالى: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: ٣١]، قالوا: هما مكة والطَّائف، ومن فضلها (٣) ما في «البيضاوي» في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الحُوتِ} [القلم: ٤٨] : نزلت حين هم عليه السَّلام بالدعاء على ثقيف.

وروى صاحب «الفائق» : أنَّه عليه السَّلام قال: «لا يحب ثقيفًا إلا مؤمن، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، ولا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من ثقيف أحد»؛ تكرمة لهم، وتمامه في «الطيف الطَّائف بفضل الطَّائف» للشيخ محمَّد بن علان الصديقي؛ فيراجع.

(قال) أي: عمر رضي الله عنه: (لو كنتما من أهل البلد) أي: المدينة المنورة؛ (لأوجعتكما)؛ أي: جَلْدًا، كما هو في رواية الإسماعيلي؛ يعني: لعدم عذركما، ففيه -كما قاله إمام الشَّارحين-: ما يدل على جواز قبول اعتذار أهل الجهل بالحكم إذا كان في شيء يخفى مثله، انتهى.

قال العجلوني: (وهو يدل على أنَّه تقدم نهيه عن ذلك) انتهى.

قلت: هذا فاسد الاعتبار، فإنَّه ليس فيه ما يدل على تقدم النَّهي؛ لأنَّه يجوز أن يكون ذلك أول الأمر بالنَّهي، ويدل عليه أنَّهما جهلا الحكم؛ لأنَّه لم يصدر، ولم يتقدم، فلو كان النَّهي معلومًا؛ لما فعلا ذلك؛ فليحفظ.

ثم بيَّن سبب الجلد بقوله: (ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله) وللأصيلي: (النَّبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) وهذا خطاب لهذين الشخصين، وهي جملة مستأنفة لا محل لها، وهي في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر، كأنَّهما قالا: لم توجعنا؟ قال: لأنَّكما ترفعان... إلخ.

فإن قلت: ما وجه الجمع في (أصواتكما) مع أن الموجود صوتان لهما؟

قلت: المضاف المثنى معنًى إذا كان جزء ما أضيف إليه الأفصح أن يذكر بالجمع كما في قوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤]، ويجوز إفراده؛ نحو: أكلت رأس شاتين، والتثنية مع أصالتها قليلة الاستعمال، وإن لم يكن جزؤه؛ فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية؛ نحو: سلَّ الزيدان سيفهما، فإن أمن اللبس؛ جاز جعل المضاف بلفظ الجمع؛ كما في قوله عليه السَّلام: «يعذبان في قبورهما».

وفي رواية الإسماعيلي: (برفعكما أصواتكما)؛ أي: بسبب رفعكما أصواتكما، كذا قرره إمام الشَّارحين.

وزعم ابن حجر أنَّ هذا الحديث له حكم الرفع؛ لأنَّ عمر لا يتوعد الرجلين بالجلد إلا على مخالفة أمر توقيفي، انتهى.

وردَّه إمامنا الشَّارح فقال: (لا نسلم ذلك؛ لأنَّه يجوز أن يكون ذلك باجتهاده ورأيه) انتهى.


(١) في الأصل: (ثقفيان)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (نوار)، وهو تحريف.
(٣) في الأصل: (فضله)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>