للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ألَّا يكون من كلامه، وهو الأظهر، وبه صرح أبو نعيم في «المستخرج»، فإذا كان كذلك؛ يكون من كلام المؤلف، أورده عقيب كلام عمر بعد انتهائه، انتهى، ثم قال: وإنما أخَّر إسناد عمر عن كلامه وعادته تقديم الإسناد؛ لأنَّه قد ظفر بإسناده بعد وضع هذا الكلام، فألحقه بالأخير، على أنَّا قلنا: إنَّ هذا الإسناد ليس بموجود عند جماعة، أو للفرق بين إسناد الأثر وإسناد الخبر؛ فافهم.

[حديث: إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا]

١٠٠ - وبه قال: (حدثنا إسماعيل بن أبي أُويس) بضم الهمزة والسين المهملة (قال: حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام، (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة، (عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) رضي الله عنهما: أنَّه (قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: كلامه حال كونه (يقول) : عبَّر بالمضارع حكاية لحال الماضي، وذلك في حجة الوداع كما عند أحمد والطبراني: (إنَّ الله لا يقبض العلم) : جملة محلها الرفع خبر (إنَّ)؛ أي: من الناس (انتزاعًا)؛ بالنصب على الحال أو المفعولية المطلقة (ينتزعه) -وفي رواية: (ينزعه) (١) - بزيادة مثناة فوقية بين النون والزاي (من العباد) بأن يمحوه من صدورهم أو يرفعه إلى السماء، والمحو من الصدور جائز في القدرة، إلا أن هذا الحديث دل على عدم وقوعه، (ولكن يقبض العلم بقبض) أرواح (العلماء) وموت حملته، وهذا من قبيل إقامة الظاهر موضع المضمر؛ لزيادة التعظيم كما في قوله: {اللهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ٢] بعد قوله: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١]، وكان مقتضى الظاهر: أن يقال: هو الصمد، ولكن يقبضه، (حتى) ابتدائية (إذا لم يُبقِ)؛ بضم التحتية وكسر القاف: من الإبقاء، وفيه ضمير يرجع إلى الله تعالى؛ أي: حتى إذا لم يُبقِ الله تعالى (عالمًا)؛ بالنصب على المفعولية، وفي رواية: (يَبق)؛ بفتح التحتية، من البقاء، و (عالمٌ)؛ بالرفع على الفاعلية، وفي رواية مسلم: (حتى إذا لم يترك عالمًا).

فإن قلت: (إذا) للاستقبال، و (لم) لقلب المضارع ماضيًا، فكيف يجتمعان؟!

قلت: لما تعارضا؛ تساقطا فبقي على أصله، وهو المضارع، أو تعادلا، فيفيد الاستمرار.

(اتخذ الناسُ)؛ بالرفع على الفاعلية (رُؤُوسًا)؛ بضم الراء والهمزة، والتنوين، جمع: رأس، ولأبي ذر كما في «عمدة القاري» : (رُؤَسَاء)؛ بفتح الهمزة، وفي آخره همزة آخر مفتوحة، جمع: رئيس، والأول: أشهر؛ فليحفظ (جُهَّالًا)؛ بضم الجيم وتشديد الهاء، جمع: جاهل؛ بالنصب صفة لـ (رؤوسًا)، (فسُئلوا)؛ بضم السين المهملة، والضمير مفعول ناب عن الفاعل؛ أي: فسألهم السائلون، (فأفتوا) لهم (بغير علم) وعند المؤلف في (الاعتصام) : (فأفتوا برأيهم) (فضلُّوا) من الضلال؛ أي: في أنفسهم، (وأضلُّوا) من الإضلال؛ أي: أضلُّوا السائلين.

فإن قلت: الإضلال ظاهر، وأما الضلال؛ فإنما يلزم أن لو عُمل بما أُفتيَ وقد لا يعمل به؟

قلت: إن إضلاله للغير ضلال له، عمل بما أفتى به أو لم يعمل، والمراد بالجهل: القدر المشترك بين المركب؛ وهو عدم العلم بالشيء مع اعتقاد العلم به، وبين البسيط؛ وهو عدم العلم بالشيء لا مع اعتقاد العلم به المتناول لهما، وهو عامٌّ يتناول القضاة والنوَّاب؛ لأنَّ الحكم بالشيء مستلزم للفتوى به.

(قال الفرَبْري)؛ بكسر الفاء وفتحها، مع فتح الراء وإسكان الموحدة، نسبة إلى فربر: قرية من قرى بخارى على طرق جيحون، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر، المتوفى سنة عشرين وثلاثمئة، عن تسع وثمانين سنة، فسمع من المؤلف مرتين: مرة بفربر، وأخرى ببخارى، وسمع من قتيبة، فشارك المؤلف في الرواية عنه: (حدثنا عباس)؛ بالموحدة والمهملة، وفي رواية: بإسقاط (قال: الفربري) : (قال: حدثنا قتيبة) : ابن سعيد أحد مشايخ المؤلف: (قال: حدثنا جَرير) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد الضبي، أبو عبد الله الرازي الكوفي، (عن هشام) : ابن عروة بن الزبير بن العوام (نحوه)؛ أي: نحو حديث مالك، ورواية الفربري هذه أخرجها مسلم عن قتيبة، عن جرير، عن هشام به، واستدل به بجواز خلوِّ الزمان عن المجتهد، وهو مذهب الجمهور خلافًا للحنابلة، وأن الرئاسة الحقيقية هو الفتوى، وهذا الحديث خرج مخرج العموم، والمراد به الخصوص؛ لقول النبيِّ الأعظم عليه السلام: «لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله»، وتمامه في «عمدة القاري».

(٣٥) [باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم]

هذا (بابٌ) بالتنوين: (هل) للاستفهام (يُجعَل) بصيغة المجهول (للنساء يومٌ) بالرفع مفعوله ناب عن الفاعل (على حِدَة)؛ بكسر الحاء المهملة وتخفيف الدال؛ أي: على انفراده (في العلم) وفي رواية: (يَجعَل)؛ بصيغة المعلوم؛ أي: يجعل الإمام، و (يومًا)؛ بالنصب مفعوله.

[حديث: قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال]

١٠١ - وبه قال: (حدثنا آدمُ) : ممنوع من الصرف؛ للعلمية والعجمة أو وزن الفعل، وهو ابن أبي إياس (قال: حدثناشعبة) : هو ابن الحجاج (قال: حدثني) بالإفراد (ابن الأَصبهاني)؛ بفتح الهمزة، وقد تكسر، وقد تبدل باؤها فاء، عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي وأصبهان: مدينة بعراق العجم (قال: سمعت أبا صالح ذَكْوان)؛ بفتح الذال وسكون الكاف، غير منصرف، حال كونه (يحدِّث عن أبي سعيد الخدري) : سعد بن مالك رضي الله عنه (قال)؛ أي: أبو سعيد: (قال النساء) وفي رواية: بإسقاط (قال) الأولى، وفي آخر: (قالتْ النساء)؛ بتاء التأنيث، وكلاهما جائز في فعل اسم الجمع (للنبيِّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم: غلبَنا)؛ بفتح الموحدة (عليك الرجالُ)؛ بالرفع فاعله؛ أي: بملازمتهم لك كل الأيام يتعلمون أمور الدين ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، (فاجعل) عطف على محذوف، تقديره: انظر لنا؛ أي: عيِّن (لنا يومًا) من الأيام تعلمنا فيه يكون منشؤه (من نفسك)؛ أي: من اختيارك لا من اختيارنا، أطلق الجعل والمراد لازمه؛ وهو التعيين.

فإن قلت: عطف الجملة الخبرية وهي (فوعدهنَّ) على الإنشائية وهي (فاجعل لنا)؛ ممنوع عند جماعة.

أجيب: بأن العطف ليس على قوله: (فاجعل لنا يومًا)، بل العطف على جميع الجملة من قوله: (غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك)، كذا قرره في «عمدة القاري».

(فوعدهنَّ) عليه السلام (يومًا) مفعول ثانٍ لـ (وعد)؛ أي: ليعلمهن فيه (لقيهنَّ فيه)؛ أي: في اليوم الموعود به، واللقاء إما بمعنى الرؤية، وإما بمعنى الوصول، والجملة محلها النصب صفة لـ (يومًا)، ويجوز أن يكون استئنافًا، (فوعظهن)؛ أي: فوفى عليه السلام بوعده ولقيهن ووعظهن بمواعظ، فالفاء فصيحة، (وأمرهنَّ) بأوامر دينية؛ (فكان) : الفاء فصيحة (فيما قال لهن)؛ أي: الذي قاله لهن، خبر (كان)، وقوله: (ما منكن امرأة) : اسم (كان)، وفي رواية: (ما منكن من امرأة)، و (من) : زائدة لفظًا، و (امرأة) : مبتدأ، و (منكن) : حال منها مقدم عليها، وخبر المبتدأ الجملةُ التي بعد أداة الاستثناء المفرَّغ (٢)، إعرابه على حسب العوامل (تقدم ثلاثة من وُلْدها)؛ بضم الواو وسكون اللام، جمع ولد، وهو يقع على الذكر والأنثى، وفي رواية: (ثلاثًا)؛ بدون هاء؛ أي: ثلاث نسمة، وهي تطلق على الذكر والأنثى أيضًا (إلا كان) التقديم (لها حجابًا)؛ بالنصب خبر (كان)، وفي رواية: (حجابٌ)؛ بالرفع، على أنَّ (كان) تامة؛ أي: وُجِد لها حجابٌ (من النار) وعند المؤلف في (الجنائز) : (إلا كن لها حجابًا)، على تقدير الأنفس، وفي (الاعتصام) : (إلا كانوا لها حجابًا)؛ أي: الأولاد.

فإن قلت: كيف يقع الفعل مستثنًى؟

قلت: على تقدير الاسم؛ أي: ما امرأة مقدمة إلا كائنًا لها حجاب، كذا في «عمدة القاري».

(فقالت امرأة) هي أم سليم كما عند أحمد والطبراني، أو أم أيمن كما عند الطبراني في «الأوسط»، أو أم بشر كما بيَّنه المؤلف.

قلت: وهو محمول على تعدُّد القصة، والظاهر الأول.

(و) من قدم (اثنين) ولكريمة: (واثنتين)؛ بالتأنيث، (فقال) عليه السلام: (و) من قدم (اثنين) ولكريمة: (واثنتين) أيضًا؛ يعني: أن حكم الاثنين حكم الثلاثة؛ لاحتمال أنه أوحي إليه في الحين بأن يجيب بذلك وهو غير ممتنع، والرجل كالمرأة؛ لأنَّ حكم المكلفين على السواء، إلا إذا دل دليل على الخصوص، وعند المؤلف في (الرقاق) من حديث أبي هريرة ما يدل على أن الواحد كالاثنين، وهو قوله عليه السلام: «يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة»، وأي صفي أعظم من الولد؛ فتأمل.

١٠٢ - وبه قال: (حدثنا) وفي رواية: بالإفراد (محمد بن بشار) الملقب ببندار (قال: حدثنا غُندر)؛ بضم الغين المعجمة: محمد بن جعفر البصري (قال: حدثنا شعبة) : ابن الحجاج، (عن عبد الرحمن ابن الأصبهاني، عن) أبي صالح (ذكوان) فأفاد المؤلف هنا تسمية ابن الأصبهاني المبهم في الرواية المارة، (عن أبي سعيد)؛ أي: الخدري، كما في رواية، (عن النبيِّ) الأعظم (صلى الله عليه وسلم بهذا)؛ أي: بالحديث السابق.

(وعن عبد الرحمن ابن الأصبهاني) الواو عاطفة على قوله: (عن عبد الرحمن)، فالحاصل: أن شعبة يرويه عن عبد الرحمن بإسنادين، فهو موصول، وزعم الكرماني أنه معلق، قال القسطلاني: وهو وهم، وإليه أشار في «عمدة القاري»؛ فافهم.

(قال: سمعت أبا حازم)؛ بالمهملة والزاي: سلمان الأشجعي الكوفي، المتوفى في خلافة عمر بن عبد العزيز، (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (قال) وفي رواية: بالواو عطفًا على محذوف؛ تقديره: مثله؛ أي: مثل حديث أبي سعيد، وقال: (ثلاثة لم يبلغوا الحِنث)؛ بكسر المهملة وبالمثلثة؛ أي: الإثم؛ والمعنى: أنهم ماتوا قبل بلوغهم التكليف، فلم تكتب عليهم الآثام، وإنما خص الحكم بالذين لم يبلغوا وهم الصغار؛ لأنَّ قلب الوالدين على الصغير أرحم وأشفق دون الكبير؛ لأنَّ الغالب على الكبير عدم السلامة من مخالفة والديه وعقوقهم، وفي «الترمذي» و «ابن ماجه» عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قدم ثلاثة من الولد


(١) في الأصل: (بنزعه).
(٢) في الأصل: (مفرغ)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>