للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الصعيد ثبتت بنص الكتاب؛ وهو قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: ٤٣]؛ أي: طاهرًا فلا تتأدى طهارتها بما ثبت في الأحاديث؛ لأنَّها خبر الواحد، وهو لا يفيد القطع فلا تكون الطهارة قطعية بجفاف الأرض والكتاب يقتضي ذلك، والله أعلم.

وزعمت الشافعية أن العصر في الثوب المغسول من النجاسة لا يجب؛ للحديث المذكور.

قلت: وهذا الاستدلال فاسد؛ لأنَّهم قاسوه على الأرض، ولا ريب أن هذا قياس بالفارق، والفرق ظاهر؛ لأنَّ الثوب ينعصر بالعصر بخلاف الأرض، كما لا يخفى على أولي الألباب.

فائدة: قد نظم المطهِّرات الإمام العلامة شيخ الإسلام والمسلمين خاتمة الفقهاء المحققين الشيخ علاء الدين الحصكفي صاحب «الدر المختار»، و «الدر المنتقى» في منظومته، فقال:

وَغَسْلٌ وَمَسْحٌ وَالْجَفَافُ مُطَهِّرُ وَنَحْتٌ... وَقَلْبُ الْعَيْنِ وَالْحَفْرُ يُذكرُ

وَدَبْغٌ وَتَخْلِيلٌ ذَكَاةٌ تَخَلُّلُ... وَفَرْكٌ وَدَلْكٌ وَالدُّخُولُ التَّغَوُّرُ (١)

تَصَرُّفُهُ فِي الْبَعْضِ نَدْفٌ وَنَزْحُهَا... وَنَارٌ وَغَلْيٌ غَسْلُ بَعْضٍ تَقَوُّرُ

وقد بسطنا ذلك في شرحنا «منهل الطلاب شرح الكتاب»؛ أي: مختصر الإمام أبي الحسن القدوري قدس سره آمين.

(٥٩) [باب بول الصبيان]

هذا (باب) حكم (بول الصِّبيان)؛ بكسر الصاد المهملة، جمع صبي، قال الجوهري: (الصبي: الغلام، والجمع صبية وصبيان، وهو من الواوي)، وفي «المخصص» ذكر ابن سيده عن ثابت: (يكون صبيًّا ما دام رضيعًا)، وفي «المنتخب» : (أول ما يولد الولد يقال له: وليد، وطفل، وصبي)، قال ابن دريد: (وصبيان وصبوان، وهذه أضعفها)، قال ابن السكيت: (صبية وصبوة)، وفي «المحكم» : (صَبية، وصُبية، وصَبوان، وصُبوان)، وزعم ابن حجر أن (صِبيان)؛ بكسر الصاد، ويجوز ضمها، جمع صبي، وردَّه في «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: في الضم لا يقال إلا صبوان؛ بالواو، وقد وهم هذا القائل حيث لم يعلم الفرق بين المادة الواوية، والمادة اليائية، وأصل صبيان: صبوان؛ بالكسر؛ لأنَّ المادة واوية، فقلبت الواو ياءً؛ لانكسار ما قبلها) انتهى.

واعترضه القسطلاني بعبارة «القاموس» : (الصبي: من لم يفهم، وجمعه أصبية، وأصب، وصبوة، وصبية، وصبوان، وصبيان، وتضم هذه الثلاثة) انتهى.

قلت: وهو لا ينهض لما ادَّعاه ابن حجر، ولم يكتف به صاحب «عمدة القاري» لمعاصرته له، وإنما المشهور المعول عليه في اللغة ما ذكره أولًا عن أهل اللغة؛ فليحفظ.

[حديث: أتي رسول الله بصبي فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إياه]

٢٢٢ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ هو التِّنِّيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ هو ابن أنس الأصبحي، (عن هِشام) بكسر الهاء (بن عُروة)؛ بضمِّ العين المهملة، (عن أبيه) : عروة بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، (عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله تعالى عنها: (أنها قالت: أُتِي)؛ بضمِّ الهمزة، وكسر الفوقية، مبني للمفعول، وسقط لفظ (أنها) لابن عساكر (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) بالرفع نائب فاعل (بصبي)؛ هو عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، كما ذكره الدارقطني من حديث الحجاج بن أرطاة، وأنَّها قالت: (فأخذته أخذًا عنيفًا)، وزعم ابن حجر أنه ابن أم قَيْس الآتي في الحديث الثاني، وقيل: إنه الحسن أو الحسين ابني علي بن أبي طالب؛ لما روى الطبراني من حديث أم سَلَمَة بإسناد حسن، قالت: (بال الحسن أو الحسين على بطن رسول الله عليه السلام...)؛ الحديث، وللطبراني أيضًا من حديث زينب بنت جحش: (أن الحسن جاء يحبو والنبي عليه السلام نائم، فصعد على بطنه، ووضع ذَكَرَهُ في سرته فبال)، وروى ابن منده: (أنه وقع لسليمان بن هشام بن عُتْبَة بن أبي وقاص) انتهى.

قلت: واستظهر صاحب «عمدة القاري» القول الأول، فإن الدارقطني قد عيَّن أنه عبد الله بن الزبير، وما زعمه ابن حجر أنَّه ابن أم قَيْس غير ظاهر أصلًا، ولا دليل يدل عليه، فالأظهر ما قاله في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.

(فبال) أي: الصبي (على ثوبه)، يحتمل رجوع الضمير إلى ثوب الصبي، وهو الظاهر كما قاله ابن شعبان من المالكية، ويحتمل رجوعه إلى ثوب النبي الأعظم عليه السلام، وزعم ابن حجر أنه الصواب، قلت: لا دليل يدل على هذا الصواب، بل الأمر محتمل لكلٍّ منهما، وكونه راجعًا إلى الصبي أظهر، لا يقال: إن بول الصبي على ثوبه لا ينافي وصوله إلى ثوب النبي عليه السلام؛ لأنَّه لازم له؛ لأنَّا نقول: من عادة الصبيان الصغار أن يجعل لهم شيء ثخين شبه بردعة البرذون، ويوضع على القبل والدبر حتى لا يصل شيء من بوله على غيره من الحاملين له، فلا شكَّ أنَّه لو بال فيه أو تغوط لا يصل شيء إلى ثوب حامله، كما هو مشاهد عادة، فبوله على ثوبه ينافي وصوله إلى ثوب النبي عليه السلام، وهو غير لازم له؛ للحائل المانع من ذلك؛ فافهم.

(فدعا) أي: النبي الأعظم عليه السلام (بماء، فأتْبَعه إياه)؛ بسكون المثناة الفوقية، وفتح الموحدة؛ أي: فأتبع رسولُ الله عليه السلام البولَ الذي على الثوب الماءَ بصبه عليه حتى غمره وسال عليه؛ لأنَّه يلزم من التغمير السيلان ضرورة، ويدل لذلك ما رواه ابن المُنْذِر من طريق الثوري، عن هشام: (فصب عليه الماء)، فالصب: السكب، فيلزم من السكب السيلان ضرورة؛ فافهم.

وليس لذكر الصبي في الحديث تخصيص له بحكم خاص، بل إنَّما هو لبيان الواقعة فبول الصبي والصبية والرجل والمرأة سواء في النجاسة؛ لحديث «الصحيحين» أنه عليه السلام قال: «استنزهوا من البول»، وهو عام فيشمل جميع ما ذكر، ولما سبق في أحاديث «البخاري» من الوعيد على عدم الاستنزاه من البول، فلا بد من غسله.

وقوله في الحديث: (فأتبعه إياه) هذا غسل وزيادة لا سيما الرواية الثانية: (فصب عليه الماء)، فإنه غسل له، ولا يشترط عركه؛ لأنَّ الماء لرقته وسيلانه يتداخل أجزاء الثوب فتذهب النجاسة، وكذا لا يشترط عصره لرقته فينفذ الماء منه، قال في «المحيط» : (يكفيه إجراء الماء عليه؛ لأنَّ إجراءه يقوم مقام العصر)، كذا قاله العلامة شهاب الدين الشمني، وقوَّاه في «البحر»، وقال الإمام أبو يوسف في إزار الحمام: (إذا صب عليه ماء كثير وهو عليه؛ يطهر بلا غسل)، حتى ذكر شمس الأئمَّة الحلواني: (لو كانت النجاسة دمًا أو بولًا، وصب عليه الماء؛ كفاه ذلك)، كذا في «فتح القدير»، وفي الحديث الرفق بالصغار والشفقة عليهم، ألا يرى أنه عليه السلام كيف كان يأخذهم في حجره، ويتلطف بهم وكان يخفف الصَّلاة عند سماعه بكاء صبي وأمه وراءه؟! وروي عنه أنه قال: «من لم يرحم صغيرنا؛ فليس منا»، وفيه حمل الأطفال إلى أهل الفضل والصلاح؛ ليدعوا لهم سواء كان عقيب الولادة أو بعدها، وأما حملهم حال الولادة كما زعمه ابن حجر؛ فغير متصوَّر، كما لا يخفى.

[حديث أم قيس: أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل]

٢٢٣ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف)؛ هو التِّنِّيسي (قال: حدثنا مالك)؛ هو ابن أنس الأصبحي، (عن ابن شهاب)؛ محمَّد بن مسلم الزُّهْرِي، (عن عبيد الله) بالتصغير (بن عبد الله) بالتكبير (بن عُتْبَة)؛ بضمِّ العين المهملة، وسكون المثناة الفوقية، وفتح الموحدة، ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، (عن أم قَيْس) بفتح القاف، وسكون التحتية (بنت مِحْصَن)؛ بكسر الميم، وسكون الحاء المهملة، وفتح الصاد المهملة، آخره نون، وهي أخت عكاشة بن مِحْصَن، أسلمت بمكة قديمًا، وبايعت النبي الأعظم عليه السلام


(١) في الأصل: (التفور)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>