للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومروان، وزعم الكرمانيأن ضمير (منهما) يعود إلى محمود والمِسْوَر؛ وهو فاسد؛ لمخالفته لصنيع أئمة هذا الشأن، بل هو تجويز عقلي مخالف للنقل الذي تقدم عن المصنف، كذا نبه عليه في «عمدة القاري»، ولفظ الحديث: (حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري قال: أخبرني عروة، عن المِسْوَرِ بن مَخْرَمة ومروان يصدق كل واحد منهما صاحبه؛ قالا: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن...» الحديث، وهو طويل إلى أن قال: «ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي عليه السلام بعينيه قال: فوالله ما تنخَّم رسول الله عليه السلام نخامة إلا وقعت في كفِّ رجل منهم، فدَلَكَ بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم؛ ابتدروا أمره...» إلى آخره)، والمراد من قوله: (ثم إن عروة) هو عروة بن مسعود أرسله كفَّار مكة إلى رسول الله عليه السلام زمن الحديبية، كذا في «عمدة القاري».

وقوله: (وإذا توضأ النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم؛ كانوا) وفي رواية: (كادوا)؛ بالدَّال المهملة؛ أي: الصحابة (يقتتلون على وَضوئه)؛ بفتح الواو: الماء الذي بقي بعد فراغه من الوضوء؛ ليس من قول المِسْوَر وغيره، كما زعمه وتوهمه الكرماني؛ لأنَّهما صحابيان صغيران لم يحضرا القصة، ولا من مقول عروة بن الزبير؛ لأنَّه تابعي، بل هو من مقول عروة بن مسعود الثقفي المشاهد لذلك؛ لأنَّه هو القائل بذلك والحاكي به عند مشركي مكة.

وزعم ابن حجرأن رواية (كادوا) هي الصواب؛ لأنَّه لم يقع بينهم قتال، وردَّه في «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: كلاهما سواء، والمراد به: المبالغة في ازدحامهم على نخامة النبي عليه السلام وعلى وضوئه) انتهى، قلت: وهذا ظاهر لمن له أدنى تأمل؛ فافهم.

وذكر ابن طاهر أن هذا الحديث معلول؛ لأنَّ المِسْور ومروان لم يُدْرِكا هذه القصة التي كانت بالحديبية سنة ستٍّ؛ لأنَّ مولدهما كان بعد الهجرة بسنتين، كما أجمع عليه المؤرخون، وأمَّا ما في «مسلم» عن المسور قال: (سمعت رسول الله عليه السلام يخطب الناس على هذا المنبر وأنا يومئذ محتلم)، فيحتاج إلى تأويل لغوي؛ بمعنى: أنه كان يعقل، لا الاحتلام الشرعي، أو أنه كان سمينًا غير مهزول، فيما ذكره القرطبي، وقال صاحب «الأفعال» : (حلم حلمًا؛ إذا عقل)، وقال غيره: (إذا تحلَّم الغلام؛ صار سمينًا)، وهو معدود في صغار الصحابة، مات سنة أربع وستين، كذا في «عمدة القاري».

وفي الحديث دلالة على طهارة الماء المستعمل إذا كان المراد من قوله: (يقتتلون على وضوئه) : الماء الذي يتقاطر من أعضائه الشريفة، لكنه بعيد، والظاهر: أن المراد به: الماء الذي بقي بعد فراغه من الوضوء؛ لأنَّ اللفظ يدل عليه، وهو غير مستعمل، ولا شكَّ في طهوريته، أمَّا المستعمل؛ فلا يجوز استعماله في الأحداث، أمَّا استعماله في تطهير الثوب والبدن من النجاسة؛ فيجوز، لكنه مكروه، وكذا يُكْرَهُ شربه، كما في «البزازية»؛ لأنَّ النفس تعافه؛ لتدنُّسه بأوساخ البدن، قال في «البحر» : (ولا يخفى أن الكراهة على رواية الطهارة، أمَّا على رواية: أنه نجس؛ فحرام؛ لأنَّه من الخبائث، فلا يجوز استعماله مطلقًا) انتهى، ووفَّق في «الدر» تبعًا «للنهر» : (بأنه على رواية الطهارة: يُكْرَهُ شربه والعجن به تنزيهًا؛ للاستقذار، وعلى رواية النجاسة تحريمًا؛ لأنَّ المطلق منها ينصرف إليها) انتهى، وإنما يُكْرَهُ تنزيهًا على رواية الطهارة؛ لأنَّه اكتسب زخومة البدن بالاستعمال؛ لأنَّه ربما يَضُرُّ المعدة، كما قالوا في الماء المشمَّس: إنَّه يُكْرَهُ التوضؤ به؛ لأنَّه يورث البرص، وكما قالوا في الشرب قائمًا: إنَّه مكروه؛ لأنَّه يورث داء الكباد، ولا شكَّ أن النَّفس تعافه وتتقذَّر منه، وتمامه في «منهل الطلاب»، والله تعالى أعلم.

[حديث السائب: ذهبت بي خالتي إلى النبي فقالت: يا رسول الله]

١٩٠ - وبه قال: (حدثنا عبد الرحمن بن يونس بن هاشم)؛ هو أبو مسلم البغدادي، المستملي لسفيان بن عيينة وغيره، المتوفى سنة أربع وعشرين ومئتين فجأة (قال: حدثنا حاتِم) بالحاء المهملة وكسر المثناة الفوقية (بن إسماعيل) الكوفي، نزيل المدينة، المتوفى بها سنة ست وثمانين ومئة في خلافة هارون، (عن الجَعْد)؛ بفتح الجيم وسكون العين المهملة، وللأكثر وهو المشهور: (الجعيد)؛ بالتصغير، ابن عبد الرحمن بن أوس، الكندي المدني الثقة (قال: سمعت السائب) اسم فاعل -بالمهملة والهمز- من السيب؛ بالمهملة والتحتية والموحدة، (بن يزيد) من الزيادة، الكندي، ويقال: الهذلي، أو الليثي، أو الأسدي، وأبوه صحابي، قال: (حجَّ بي أبي مع النبي عيه السلام حجة الوداع، وأنا ابن سبع سنين)، ولد في السنة الثانية من الهجرة، فهو ندب ابن الزبير والنعمان بن بشير في قول بعضهم، وخرج مع الصبيان إلى ثنية الوداع؛ لتلقِّي النبي عليه السلام مَقْدمه من تبوك، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة سنة إحدى وتسعين أو ثمانين أو ست وثمانين، قيل: هو الصحيح، وقيل: سنة ثمان وثمانين، وهو ابن أربع أو ست وتسعين سنة، قال جعيد: (رأيت السائب ابن أربع وتسعين جلدًا معتدلًا، قال: قد علمت ما مُتِّعْتُ به من سمعي وبصري إلا بدعاء النبي الأعظم عليه السلام)، وكان عاملًا لعمر على سوق المدينة مع عبد الله بن عتبة بن مسعود، روي له خمسة أحاديث؛ ذكرها كلها المؤلف، لا ستة، كما زعمه القسطلاني؛ فافهم.

(يقول: ذهبَتْ) أي: مضتْ (بي خالتي)؛ لم أقف على اسمها، قال في «عمدة القاري» : (والفرق بين «ذهب به» و «أذهبه» : أن معنى: «أذهبه» أزاله وجعله ذاهبًا، ومعنى: «ذهب به» : استصحبه، ومضى به معه) انتهى، قلت: هذا مذهب المبرد، ولعلَّه الأصح، وقال سيبويه: (الباء في مثله كالهمزة والتضعيف، فمتى ذهبتَ به؛ أذهبته، وتجوز المصاحبة وعدمها)؛ كذا نصَّ عليه سعد الدين في «شرح التقريب»، وعلى مذهب المبرد؛ فيحتاج أن يقال: هو أغلبي، وإلا؛ فقد ورد في التنزيل: {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} [البقرة: ١٧]، وقد يقال: هذا محله فيمن له اختيار؛ نحو: ذهبت بزيد، وقيل: على تضمين (أذهب)، فلا ترد الآية؛ فتأمل (إلى النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ إن ابن أختي)؛ أي: عُلبَة -بضم العين المهملة، وسكون اللام وفتح الموحدة- بنت شريح (وَقِعٌ)؛ بفتح الواو وكسر القاف وبالتنوين، وفي رواية: بفتح القاف على لفظ الماضي، وفي أخرى: (وَجِعٌ)؛ بفتح الواو وكسر الجيم، وعليه الأكثر، ومعنى: (وَقِعٌ)؛ بكسر القاف: أصابه وجع في قدميه، وزعم ابن سيده: أنه يقال: وقع الرجل والفرس وقعًا؛ فهو وَقِعٌ: إذا حَفِيَ من الحجارة والشوك، وقد وقعه الحجر، وحافرٌ وقيعٌ: وقعته الحجارة فقصت منه، ثم استعير للمشتكي المريض، يبينه قولها: (وجع)، والعرب تسمي كل مرضٍ وجعًا، وفي «الجامع» : (وقع الرجل موقع: إذا حفي من مَشْيِهِ على الحجارة، وقيل: هو أن يشتكي لحم رجليه من الحفى)، وقال ابن بطال: (ومعناه: أنه وقع في المرض)، وقال الجوهري: (وقع؛ أي: سقط، والوقع أيضًا: الحفى)، كذا في «عمدة القاري».

(فمسح) أي: النبي الأعظم عليه السلام (رأسي)؛ أي: بيده الشريفة المباركة، (ودعا لي بالبركة)؛ أي: بأن قال: اللهم بارك فيه، أو اللهم اجعل فيه البركة، وهي شاملة لصحة حواسه، وحسن ماله، ووجود أولاده، وطول عمره؛ لقول جعيد: (رأيت السائب ابن أربع وتسعين جلدًا معتدلًا، قال: قد علمت ما مُتِّعْتُ به من سمعي وبصري إلا بدعائه عليه السلام)، ففيه أنه يطلب الدعاء بالبركة للصغير ومسح رأسه.

(ثم) دعا بماء و (توضأ) وضوءه للصلاة؛ أي: الوضوء الشرعي يدل عليه قوله: (قمت خلف ظهره)؛ فافهم، (فشربت من وَضوئه)؛ بفتح الواو؛ أي: بأن النبي الأعظم عليه السلام أمره بشربه؛ لأجل الشفاء من المرض، أو هو شرب وقصد الشفاء من غير أن يأمره؛ يحتمل الأمرين، لكن الظاهر الثاني، يدل عليه إسناده الشرب لنفسه، ولو كان الأول؛ لقال: وأمرني أن أشرب من وضوئه، فقوله: (من وضوئه) يحتمل أن المراد به: الماء الذي يتقاطر من أعضائه الشريفة، فيدل على طهارة الماء المستعمل، ويحتمل أن المراد به: الماء الذي بقي بعد فراغه من الوضوء، فيدل على نجاسة الماء المستعمل، وزاد في الطنبور نغمة ابن حجر حيث قال: (هذه الأحاديث

<<  <   >  >>