للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ضمير الغسل) انتهى.

واعتُرض: بأن محل بقع الماء على الوجهين خبرًا لقوله: (وأثر الغسل) نعم؛ يحتمل أن يقال: جعله مبتدأ، و (فيه) خبره، والجملة خبر الأثر سيما حيث حصر؛ إذ لا طريق للحصر هنا إلا التقديم على المبتدأ، ثم لا نسلم أن (ثم أراه) يدل على أنها بقع المني؛ إذ أقرب المذكورات النبيُّ عليه السلام؛ أي: ثم أرى النبيَّ عليه السلام فيه بقعة أو بقعًا من الماء، انتهى.

وفي يوم الخامس عشر ربيع الأول، سنة سبع وسبعين طلع نجم في النهار من الغرب، ورأيته قبل هذا اليوم بنحو جمعة قبيل الزوال، والله أعلم، اللهم فرَّج عنا وعن المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

(٦٦) [باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها]

هذا (باب) في بيان حكم (أبوال الإبل والدواب والغنم) وإنما جمع الأبوال؛ لأنَّه ليس المراد ذكر حكم بول الإبل فقط، بل المراد بيان حكم بول الإبل، وبول الدواب، وبول الغنم، ولكن ليس في الباب إلا ذكر بول الإبل فقط، ولا واحد للإبل من لفظها، وهي مؤنثة؛ لأنَّ أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين؛ فالتأنيث لها لازم، وقد تسكن الباء فيه؛ للتخفيف، والجمع آبال، والدواب جمع دابة، وهي في اللغة: اسم لما يدب على الأرض، فيتناول سائر الحيوانات، وفي العرف: اسم لذي الأربع خاصة، وزعم الكرماني أن معناه العرفي: وهو ذوات الحوافر؛ يعني: الخيل والبغال والحمير، ورده في «عمدة القاري» : بأنه ليس معناه العرفي منحصرًا في هذه؛ بل يطلق على كل ذي أربع، والبخاري لم يذكر في هذا الباب إلا حديثين؛ أحدهما يُفْهَمُ منه حكم بول الإبل، والآخر يُفْهَمُ منه جواز الصَّلاة في مرابض الغنم، فعلى هذا؛ ذِكْرُ لفظة الدواب لا فائدة فيها (١)، واعترضه العجلوني بما زعمه ابن حجر أن حكم الدواب أشار إليه سياق أثر أبي موسى في صلاته في دار البريد؛ لأنَّها مأوى الدواب التي تركب، ويحتمل أن يكون أشار إلى حديث ليس على شرطه، انتهى.

قلت: وهو مردود؛ فإن أثر أبي موسى لا يدل على ما زعمه؛ لأنَّ البريد في الأصل الدابة المرتبة للرباط، ثم سمي به الرسول الراكب عليها، ثم سميت به المسافة المشهورة كما في «المغرب»، ودعوى أن يكون أشار إلى حديث ليس على شرطه ممنوعة باطلة؛ لأنَّه من المعيب أن يترجم لحكم ولا يذكر حديثًا يدل عليه، وإذا كان للحكم حديثٌ (٢) ليس على شرطه؛ فعدم تعرُّضه له دليل على أنه غير راضٍ به، فلا يذكر الحكم في الترجمة، ويشير إليه؛ لأنَّه إذا كان الدليل غير قوي، فكيف الحكم المبنيُّ عليه؟! وهذا من التخبيط، وزعم ابن حجر أنه يحتمل أن يكون من عطف العام على الخاص، واعترضه في «عمدة القاري» حيث قال: (قلت: هو كذلك، فأي شيء ذكر فيه الاحتمال فيه وفيه عطف الخاص على العام أيضًا، وهو عطف الغنم على الدواب) انتهى.

وقد ركب العجلوني متن عمياء، وخبط خبطًا عشواء هنا؛ فليحفظ.

(ومرابضها) بالجر عطفًا على قوله: (والغنم)؛ وهي جمع مربض؛ بفتح الميم، وكسر الموحدة، من رَبَضَ بالمكان يَرْبِض من باب (ضرَب يضرِب)؛ إذا لصق به وأقام ملازمًا له، والمربض: المكان الذي يربض فيه، والمرابض للغنم؛ كالمعاطن للإبل؛ وربوض الغنم؛ كنزول الجمل، والضمير في (مرابضها) يرجع إلى الغنم؛ لأنَّه أقرب المذكورات، كما لا يخفى، والغنم: اسم جنس جمعي؛ كالإبل يقع على المذكر والمؤنث، وإذا صغرتها؛ قلت: غُنَيمة؛ لأنَّ أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت لغير الآدميين؛ فالتأنيث لازم لها، كما قلنا.

وزعم ابن حجر أن المِرَابض؛ بكسر أوله، وفتح الموحدة، ورده في «عمدة القاري» : (بأن هذا غلط صريح وليس لقائله مس بالعلوم الأديبة) انتهى.

وزعم العجلوني بأنه قد يتكلف لتصحيحه بأن مكان الربوض يمكن جعله آلة تجوُّزًا، انتهى.

قلت: وهو مردود وممنوع، فإنه لا يجوز المصير إلى المجاز مع وجود الحقيقة، على أنه لا داعي إلى هذا التكلف، وما هو إلا تشديد بني إسرائيل، فإن ابن حجر ليس بمعصوم، بل يجوز عليه الخطأ والغلط وغيرهما؛ فافهم.

(وصلى أبو موسى)؛ هو عبد الله بن قَيْس الأشعري، وهذا الأثر وصله أبو نعيم شيخ المؤلف في كتاب «الصَّلاة» له، قال: حدثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث -هو السلمي الكوفي- عن أبيه قال: (صلى بنا أبو موسى في دار البريد، وهناك سرقين الدواب، والبرية على الباب)؛ فذكره، وهذا تفسير لما ذكره المؤلف معلَّقًا، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا في «مصنفه» فقال: حدثنا وكيع: حدثنا الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبيه قال: (كنا مع أبي موسى في دار البريد، فحضرت الصَّلاة، فصلى بنا على روث وتبن، فقلنا: تصلي ههنا، والبرية إلى جنبك؟ فقال: البرية وههنا سواء)، وتمامه في «عمدة القاري»، (في دار البريد)؛ وهي دار ينزلها من يأتي برسالة السلطان، والمراد بـ (دار البريد) ههنا: موضع بالكوفة كانت الرسل تنزل فيه إذا حضروا من الخلفاء إلى الأمراء، وكان أبو موسى أميرًا على الكوفة في زمن عمر، وفي زمن عثمان رضي الله عنه، وكانت الدار في طرف البلد، ولهذا كانت البرية إلى جنبها، والبَريد؛ بفتح الموحدة: المرتب، والرسول، واثنا عشر ميلًا، قاله الجوهري، وقال في «المغرب» : (البريد في الأصل: الدابة المرتبة للرباط، ثم سمِّي به الرسول الراكب عليها، ثم سميت به المسافة المشهورة) انتهى.

قلت: فكأن البريد صار اسمًا (٣) لهذه المسافة المشهورة، وهو حقيقة عرفية؛ فليحفظ.

(والسِّرقين)؛ بكسر السين المهملة، وسكون الراء؛ هو الزبل، وحكي فيه: فتح أوله، وهو فارسي معرب، ويقال له: السرجين؛ بالجيم، وهو في الأصل حرف بين القاف والجيم يقرب من الكاف، ويجوز فيه أن يكون معطوفًا على الدار، وعلى البريد، قال الكرماني: (ويروى بالرفع)، ولم يذكر وجهه، قال في «عمدة القاري» : (ووجهه أن يكون مبتدأ)، وقوله: (والبَرِّيَّة)؛ بالرفع عطفًا عليه، وهي بتشديد الراء، وفتح الموحدة، وتشديد التحتية؛ الصحراء منسوبة إلى البر خلاف البحر، والجمع البراري، وقوله: (إلى جنبه) : خبره، ويكون محل الجملة النصب على الحال، وعلى تقدير جر (السِّرقين) يكون ارتفاع (البرية) على الابتداء، وما بعده خبره، والجملة حال أيضًا، والضمير يعود لأبي موسى رضي الله عنه، والجنب والجانب والجنبة والناحية، يقال: قعدت إلى جنب فلان، وإلى جانب فلان بمعنى واحد؛ أي: ناحيته، كذا قرره في «عمدة القاري»، (فقال)؛ أي: أبو موسى جواب لمقدر كما دل عليه ما تقدم في رواية ابن أبي شيبة: (فقالوا: تصلي ههنا والبرية إلى جنبك؟) (ههنا) : إشارة إلى المكان القريب، وهو دار البريد، وهي مصلاه، ومحله رفع على الابتداء، وقوله: (وثَمَّ)؛ بفتح المثلثة، وتشديد الميم، إشارة إلى المكان البعيد؛ وهو البرية، عطف عليه، وخبره قوله: (سَواء)؛ بالمدِّ، وفتح السين؛ بمعنى مستوٍ؛ يعني: أنهما متساويان في صحة الصَّلاة، وقال ابن بطال: (وافق البخاري أهل الظاهر، وقاس بول ما لا يؤكل لحمه على بول الإبل، ولذلك قال: (وصلى أبو موسى في دار البريد والسرقين)؛ ليدل على طهارة أرواث الدواب وأبوالها، ولا حجة له فيها؛ لأنَّه يمكن أن يكون صلى على


(١) في الأصل: (فيه)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (حديثًا)، وليس بصحيح.
(٣) في الأصل: (اسم)، و ليس بصحيح.

<<  <   >  >>