للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الترجل والغسل والحلق، لا يقال: إنه من باب الإزالة فينبغي أن يبدأ بالأيسر؛ لأنَّا نقول: هو من باب التجمل والتزين.

(و) كذا كان عليه السلام يعجبه التيمن (في شأنه كلِّه) : كذا في رواية أبي الوقت: (وفي)؛ بواو العطف، وهو من عطف العام على الخاص، ولغيره: (في شأنه)؛ بإسقاطها، وهي رواية الأكثرين بحذف العاطف، أو هو بدل اشتمال من الثلاثة قبله، والشرط في بدل الاشتمال أن يكون المبدل منه مشتملًا على الثاني؛ أي: متقاضيًا له بوجه ما، وهنا كذلك، كما لا يخفى، وإذا لم يكن المبدل منه مشتملًا على الثاني؛ يكون بدل الغلط، وقد يقع في الكلام الفصيح قليلًا، فلا ينافي البلاغة، أو هو بدل كلٍّ من كلٍّ، كما نقله ابن حجر عن الطيبي، وعبارته: قوله: (في شأنه) بدل من قوله: (في تنعُّله) بإعادة العامل، وكأنَّه ذكر التنعُّل؛ لتعلقه بالرجل، والترجُّل؛ لتعلقه بالرأس، والطهور؛ لكونه مفتاح العبادة، فكأنه نبه على جميع الأعضاء، فهو كبدل الكلِّ من الكلِّ، ثم قال ابن حجر: قلت: ووقع في رواية مسلم تقديم قوله: (في شأنه كله) على قوله: (في تنعله...) إلخ، وعليها شرح الطيبي، واعترضه في «عمدة القاري» : بأن كلام الطيبي ليس هو على رواية المؤلف بل على رواية مسلم، ولفظها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كلِّه؛ في طهوره، وترجُّله، وتنعله)، فقال الطيبي في شرحه لذلك: قوله: (في طهوره، وترجُّله، وتنعله) بدل من قوله: (في شأنه) بإعادة العامل، فكأن ابن حجر لم يفهم مراد الطيبي، ولم يعلم المتن، فظن أن كلام الطيبي في الرواية التي فيها ذكر الشأن متأخرًا كرواية المؤلف هنا، فركب متن عمياء وخبط خبط عشواء؛ فتأمل، وهو بدل كل من بعض؛ كقوله تعالى: {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا*جَنَّاتِ عَدْنٍ} [مريم: ٦٠ - ٦١]، وكقول الشاعر:

نضر الله أعظمًا دفنوها... بسجستان طلحة الطلحات

أو يقدَّر لفظ: يعجبه التيمن، فتكون الجملة بدلًا من الجملة، أو هو متعلق بـ (يعجبه) لا بـ (التيمن)؛ والتقدير: يعجبه في شأنه كلِّه التيمن في تنعله... إلخ؛ أي: لا يترك ذلك في سفر، ولا حضر، ولا في فراغه، واشتغاله، قاله ابن حجر والكرماني، واعترضهما في «عمدة القاري» : بأنَّه يلزم من ذلك أن يكون إعجابه التيمن في هذه الثلاثة مخصوصة في حالاته كلها، وليس كذلك، بل كان يعجبه التيمن في كلِّ الأشياء في جميع الحالات، ألا ترى أنَّه أكَّد الشأن بمؤكِّد، والشأن: بمعنى الحال؛ والمعنى: يعجبه التيمن في جميع حالاته؛ فافهم.

وتأكيد الشأن بقوله: (كلِّه) يدل على العموم، فيدخل فيه نحو لبس الثياب، والسراويل، والخفاف، ودخول المسجد، والصلاة على ميمنة الإمام، وميمنة المسجد، والأكل، والشرب، والاكتحال، وتقليم الأظفار، وقص الشارب، واللحية، ونتف الإبط، وحلق الرأس والعانة، والخروج من الخلاء والحمام، وغير ذلك مما في معناه إلا ما خص بدليل خارجي؛ كدخول الخلاء، والخروج من المسجد، والامتخاط، والاستنجاء، وخلع الثياب، والسراويل، وغير ذلك، وإنَّما استحب فيها التياسر؛ لأنَّه من باب الإزالة، والقاعدة: أنَّ كلَّ ما كان من باب التكريم والتزين؛ فباليمين، وإلا؛ فباليسار، ولا يقال: حلق الرأس من باب الإزالة، فيبدأ فيه بالأيسر؛ لأنَّه من باب التزين، وقد ثبت الابتداء فيه بالأيمن، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(٣٢) [باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة]

هذا (باب التماس الوَضوء)؛ بفتح الواو؛ أي: طلب الماء لأجل الوُضوء؛ بالضم (إذا حانت) بالحاء المهملة (الصلاة)؛ أي: قرب وقتها الذي تُفْعَل فيه، يقال: حان الشيء؛ أي: قرب وقته، أو آنت، يقال: حان له أن يفعل كذا؛ أي: آن، وأراد المؤلف بهذه الترجمة الاستدلال على أنَّه لا يجب طلب الماء للتطهير قبل دخول الوقت؛ لأنَّه عليه السلام لم ينكر عليهم التأخير، فدلَّ على الجواز.

(وقالت عائشة) رضي الله عنها، مما أخرجه المؤلف من حديثها في ضياع عقدها في مواضع؛ منها (التيمم) : (حضرت الصبح)؛ أي: صلاتها، والقياس: حضر الصبح؛ لأنَّه مذكر، والتأنيث باعتبار صلاة الصبح، (فالتُمِس)؛ بضم المثناة الفوقية على صيغة المجهول؛ أي: طلب (الماءُ)؛ بالرفع مفعول نائب عن الفاعل، (فلم يوجد) وفي رواية: (فالتمسوا الماءَ-بالجمع والنصب على المفعولية- فلم يجدوه)؛ بالجمع، (فنزل التيمم)؛ أي: فنزلت آية التيمم، وإسناد النزول إلى التيمم مجاز عقلي، كما في «عمدة القاري»، وتبعه الشراح، فما وقع في «القسطلاني» من قوله: (وإسناد التيمم إلى النزول مجاز عقلي) خطأ ظاهر؛ فليحفظ.

[حديث: رأيت رسول الله وحانت صلاة العصر فالتمس]

١٦٩ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) أي: التِّنِّيسي (قال: أخبرنا مالك)؛ أي: ابن أنس الأصبحي، (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) واسمه زيد بن سهل الأنصاري، (عن أنس بن مالك) خادم النبي الأعظم عليه السلام الأنصاري رضي الله عنه أنَّه (قال: رأيت)؛ أي: بصرت، فلذا اقتصر على مفعول واحد (النبيَّ) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم)، وجملة (وحانت)؛ بالمهملة؛ أي: قربت، وفي رواية بإسقاط الواو (صلاة العصر)؛ أي: وقتها: حالية بتقدير (قد) عند البصريين، فالواو للحال، وزاد قتادة: (وهو بالزوراء)، وهو سوق بالمدينة كما يأتي للمؤلف، (فالتمس) أي: طلب (الناس الوَضوء)؛ بفتح الواو: الماء الذي يتوضأ به (فلم يجدوه) وفي رواية: (فلم يجدوا)؛ بدون الضمير المنصوب، وهو من الوجدان بمعنى الإصابة؛ أي: فلم يصيبوا الماء، (فأُتي)؛ بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول، وفي رواية: (فأتوا)، قال في «عمدة القاري» : (والصحيح من الرواية: «فأُتي»؛ بصيغة المجهول) انتهى (رسول الله صلى الله عليه وسلم بوَضوء)؛ بفتح الواو؛ أي: بإناء فيه الماء الذي يتوضأ به، ولا ينافي ما سبق من أنَّهم لم يجدوا ماء؛ لأنَّ المنفيَّ وجوده لهم، أو لأنَّهم طلبوه بعد ذلك فوجدوه له عليه السلام، وقدَّمنا أنَّه كان ذلك في سوق بالمدينة يسمى الزوراء، ورواه ابن المبارك بلفظ: (فجاء رجل بقدح فيه ماء يسير، فصغر أن يبسط النبيُّ عليه السلام فيه كفه، فضم أصابعه)، وروى المهلب: (أنَّه كان مقدار وَضوء رجل واحد)، ورواه المؤلف في باب (الغسل في المخضب) بلفظ: (فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب فيه ماء، فصغر أن يبسط فيه كفه)، (فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده)؛ بالنصب على المفعولية؛ أي: يده اليمنى بعد أن ضمَّ أصابعه؛ لصغر الإناء كما سبق، والإشارة إلى الإناء المعبر عنه بالوَضوء بالفتح؛ لأنَّ الماء لا بدَّ له من إناء؛ فافهم.

(وأمر) النبي الأعظم عليه السلام (الناس أن)؛ أي: بأن (يتوضؤوا) فـ (أن) مصدرية؛ أي: بالتوضؤ (منه)؛ أي: من ذلك الإناء، فضمير (يتوضؤوا) يعود على (الناس)، وكانوا خمس عشرة مئة، وفي بعض الروايات: ثمان مئة، وفي بعضها: زهاء ثلاث مئة، وفي بعضها: ثمانين، وفي بعضها: سبعين، (قال)؛ أي: أنس كما صرح به في رواية: (فرأيت) أي: أبصرت (الماء)، وجملة (يَنبع)؛ بفتح التحتية، وتثليث الموحدة؛ أي: يخرج، محلها نصب على الحال، وقد علم أنَّ الجملة الفعلية إذا وقعت حالًا؛ تأتي بلا واو إذا كان فعلها مضارعًا، وإنما لا يجوز أن تكون الجملة مفعولًا ثانيًا لـ (رأيت)؛ لأنَّ (رأيت) هنا بمعنى أبصرت، فلا تقتضي إلَّا مفعولًا واحدًا كما سبق نظيره؛ فافهم، (من تحت) وفي رواية: (ينفجر من أصابعه كأمثال العيون)، وفي رواية: (يفور من بين) (أصابعه) عليه السلام كلها كما يفيده الإطلاق، لكن في رواية: (سكب ماء ركوة، ووضع إصبعه وبسطها، وغمسها في الماء)، فهي تدل على أن النبع كان من إصبع واحدة، وقد يقال: أطلق البعض وأراد الكل لاستلزام وضع

<<  <   >  >>