للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

على أبي العالية وهو وجع، فوضَّؤوه، فلما بقيت إحدى رجليه؛ قال: امسحوا على هذه)، ورواه ابن أبي شيبة، فهذا يدل صريحًا على أنه لم يتيمم؛ فليس فيه دليل للشافعية، وظاهره أنه مسح على نفس الرجل حيث أنه لا يضره، قال الإمام الجليل قاضيخان: (والمسح على الجبائر على وجوه؛ إن كان لا يضره غسل ما تحتها؛ يلزمه الغسل، وإن كان يضره الغسل بالماء البارد ولا يضره الغسل بالماء الحار؛ يلزمه الغسل بالماء الحار، وإن كان يضره الغسل ولا يضره المسح؛ فإنه يمسح ما تحت الجبيرة، ولا يمسح فوقها) انتهى.

وفي «السراج» : (ولو كان لا يمكنه غسل الجراحة إلا بالماء الحار خاصة، ولا يمكنه بما سواه؛ لم يجب عليه تكلف الغسل بالحار، ويجزئه المسح؛ لأجل المشقة) انتهى.

قلت: وهو مخالف لما قاله قاضيخان، لكن قال صاحب «البحر» : وما قاله قاضيخان هو الظاهر، كما لا يخفى.

ولهذا اقتصر عليه المحقق في «فتح القدير»، ولم ينقل غيره، لكن قيَّده في «فتح القدير» : بأن يكون قادرًا عليه وهو ظاهر، انتهى.

قلت: وما في «السراج» أرفق، وما في «قاضيخان» أحوط.

ولا يشترط في مسحها استيعاب ولا تكرار على الأصح، فيكفي مسح أكثرها مرة، وعليه الفتوى كما في «التنوير» و «شروحه».

وزعم ابن حجر فقال: (وزاد ابن أبي شيبة: أنها كانت معصوبة)، ورده صاحب «عمدة القاري» : بأنه ليس في رواية ابن أبي شيبة هكذا، وإنما المذكور في «مصنفه» : حدثنا أبو معاوية، عن عاصم وداود، عن أبي العالية: (أنه اشكتى رجله فعصبها، وتوضأ، ومسح عليها، وقال: إنها مريضة)، وهذا غير الذي ذكره البخاري على ما لا يخفى؛ فافهم.

ثم قال: (ومطابقة هذا الأثر للترجمة من حيث إنها متضمنة جواز الاستعانة في الوضوء، وإزالة النجاسة) انتهى كلام صاحب «عمدة القاري».

[حديث سهل: ما بقي أحد أعلم به مني]

٢٤٣ - وبه قال: (حدثنا محمَّد)؛ هو ابن سلَام البيكندي، كما في بعض النسخ، وقال أبو علي الجيَّاني: لم ينسبه أحد من الرواة، وهو عندي أنه ابن سلَام؛ بتخفيف اللام، وبذلك جزم أبو نعيم في «المستخرج»، ووقع في رواية ابن عساكر: (حدثنا محمَّد؛ يعني: ابن سلام) (قال: حدثنا) وفي رواية: (أخبرنا) (سفيان بن عُيينة)؛ بضمِّ العين المهملة، (عن أبي حازِم)؛ بالحاء المهملة، والزاي المكسورة، هو سَلَمَة بن دينار المدني الأعرج الزاهد المخزومي، المتوفى سنة خمس وثلاثين ومئة في خلافة المنصور: (سمع سَهْل) بفتح السين المهملة، وسكون الهاء، آخره لام (بن سعْد)؛ بسكون العين المهملة (الساعديَّ)؛ بتشديد التحتية آخره، منصوب؛ لأنَّه صفة (سهل)، وهو منصوب؛ لأنَّه مفعول (سمع)، وكان يسمَّى حزنًا، فسماه النبي الأعظم عليه السلام: سهلًا، وسقط من بعض الأصول: (الأنصاري)، وكنيته أبو العباس، روي له عن رسول الله عليه السلام مئة حديث وثمان وثلاثون حديثًا، ذكر البخاري منها تسعة وثلاثين، مات سنة إحدى وتسعين، وهو ابن مئة سنة، وهو آخر من مات من الصحابة بالمدينة، كذا قاله صاحب «عمدة القاري»، ومثله في «الكرماني»، وقول القسطلاني: (له في «البخاري» أحد وأربعون حديثًا) فيه نظر، كما لا يخفى، (وسأله الناس) جملة من الفعل والمفعول والفاعل محلها نصب على الحال، وفي بعض النسخ: (وسألوه الناس)؛ بواو الجمع على لغة أكلوني البراغيث (وما بيني وبينه أحد)؛ يعني: عند السؤال، وزعم الكرماني أنها جملة معترضة لا محل لها من الإعراب، ورده في «عمدة القاري» : بأن الجملة المعترضة: هي التي تقع بين الكلامين وليس لها تعلق بأحدهما وقد تقع في آخر الكلام، ويجوز أن تكون جملة حالية أيضًا، ويكون محلها من الإعراب النصب، ولكن وقعت بلا واو، وذو الحال إما مفعول (سأل)، فيكونان حالين متداخلين، وإما مفعول (سمع)، فيكونان حالين مترادفين، انتهى، وهذا من كلام أبي حازم، (بأي شيء) الباء فيه تتعلق بقوله: (وسأله)، وكلمة (أي) للاستفهام (دُوْوِي)؛ بضمِّ الدال المهملة، وكسر الواو، صيغة مجهول من المداواة، وزعم ابن حجر: أن أحد الواوين حذفت في الكتابة، ورده صاحب «عمدة القاري» : بأنه بالواوين في أكثر النسخ، وفي بعضها بواو واحدة، فحذفت فيها إحدى الواوين في الخط؛ كما حذفت من داود، وطاووس؛ فافهم، (جُرح) بضمِّ الجيم؛ أي: جراحة (النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: الذي أصابه في غزوة أحد لمَّا شُجَّ رأسه الشريف وجرح وجهه؛ لأنَّ هذه الواقعة كانت بأحد، فزعم ابن سعد أن عُتْبَة بن أبي وقاص هو الذي شجَّ النبيَّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم في وجهه، وأصاب رباعيته، وزعم السهيلي: أن عبد الله بن قمئة هو الذي جرح وجهه عليه السلام، فكان سالم مولى أبي حذيفة يغسل عن النبيِّ عليه السلام الدم، والنبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: «كيف يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم؟»، فأنزل الله تبارك وتعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ...}؛ الآية [آل عمران: ١٢٨]، كذا قاله في «عمدة القاري»، وزعم العجلوني أنه وقع الخلاف في أي شيء دُووِي به جرح النبيِّ عليه السلام، كما في رواية الحميدي عن سفيان؛ فلذا سئل سهل عن ذلك، انتهى.

قلت: ولا يلزم من سؤاله وقوع الخلاف في ذلك، فلعله كان يريد إعلامهم بذلك؛ خوفًا على عدم اطلاعهم (١) عليه حتى لا يخفى عليهم من أمر النبيِّ عليه السلام شيء، بل يكونون على بصيرة في أفعال المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فافهم.

(فقال سهل) المذكور: (ما بقي أحدٌ) أي: من أصحاب النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، أو من الناس (أعلمُ به مني) برفع (أعلم)؛ لأنَّه صفة (أحد)، ويجوز أن يكون منصوبًا على الحال، قال في «عمدة القاري» : وغرضه من هذا التركيب أنه أعلم الناس بهذه القضية؛ لأنَّ موته متأخر، وكان آخر من بقي من الصحابة بالمدينة، كما صرح به المؤلف في (النكاح) في روايته عن قتيبة، عن سفيان، ومثل هذا التركيب لا يستعمل بحسب العرف إلا عند انتفاء المُساوي، وهو ظاهر، وبهذا يسقط سؤال من قال: لا يلزم منه منافاة مساواة غيره له فيه، انتهى، وقوله: (كان عليٌّ)؛ أي: ابن أبي طالب رضي الله عنه جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا جواب عن السؤال المذكور (يجيء بتُرسه)؛ بضمِّ الفوقية؛ أي: الذي يترس به في الحرب السهم، وهو الدرقة (فيه ماء)؛ لأنَّه كان مجوَّفًا؛ أي: إلى النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (وفاطمة)؛ أي: ابنة النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وزوجة علي بن أبي طالب، وهي إما عطف على قوله (علي)، أو مبتدأ، وقوله: (تغسل) جملة محلها رفع على الخبرية، والجملة محلها نصب على الحال (عن وجهه) أي: وجه النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم (الدم)؛ أي: الذي أصابه من الجراحة، وفيه: المطابقة للترجمة، (فأُخذ)؛ بضمِّ الهمزة مبني للمجهول، والفاعل إما (علي)، أو (فاطمة)، أو غيرهما، وزعم العجلوني: أن الفاء فصيحة.

قلت: ويجوز أن تكون للاستئناف، وهو الأظهر؛ لأنَّ الفاء الفصيحة لا بد لها من جواب شرط مقدَّر، له ذكر قبلها ولم يوجد هنا؛ فافهم.

(حصير)؛ بالحاء المهملة: المتخذ من القشِّ يستوي فيه التذكير والتأنيث، فذكَّره هنا، وأنَّثه في (الطب) كما يأتي، (فأُحرق)؛ بضمِّ الهمزة؛ أي: بالنار حتى صار رمادًا، (فحُشي)؛ بضمِّ الحاء المهملة، من الإحشاء: وهو الإدخال (به) أي: برماده (جُرحه)؛ بضمِّ الجيم؛ أي: جرح النبيِّ الأعظم عليه السلام حتى يستمسك الدم عن البروز، فالفعل في الثلاثة مبني للمجهول، وليس فيه تعيين الفاعل، لكن عند المؤلف في (الطب) : أن الفاعل فاطمة، فإنه قال: فلما رأت فاطمة الدم يزيد على الماء كثرة؛ عمدت إلى حصير، فأحرقتها وألصقتها على الجرح فرقأ الدم؛ أي: انقطع؛ لما في رماد الحصير من الاستمساك للدم كما قلنا، ومثله رماد غيره، لكن رماد الحصير ألصق؛ فلذا اختارته، وفي هذا الحديث: أن الفاعل للغسل فاطمة رضي الله عنها، وفيما قدمنا عن «عمدة القاري» : (أن سالمًا مولى أبي حذيفة كان يغسل الدم عن النبيِّ الأعظم عليه السلام...) إلخ.


(١) في الأصل: (اضطلاعهم)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>