للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومراجعة الشفيع، وأن المشفوع إليه لا عتب عليه إذا رد الشفاعة، وأن الإمام يصرف الأموال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وأنه لا يقطع لأحد على التعيين بالجنة إلَّا ما نص عليه، وأن الإقرار باللسان لا ينفع إلا مع الاعتقاد بالقلب، وعليه الإجماع؛ كما قدمناه.

(ورواه)؛ أي: الحديث بالواو العاطفة، وفي رواية: بدونها (يونس) بن يزيد الأيلي (وصالح) هو ابن كيسان المدني (ومَعْمَر)؛ بفتح الميمين؛ ابن راشد البصري (وابن أخي الزهري) محمد بن عبد الله بن مسلم، المتوفى سنة اثنين وخمسين ومئة، والأربعة (عن الزهري) محمد بن مسلم بإسناده هذا.

(٢٠) [بابٌ إفشاءُ السلامِ من الإسلام]

(باب) بالتنوين: (السلام من الإسلام)؛ أي: هذا باب بيان أن السلام من شعب الإسلام، وفي رواية: (إفشاء السلام من الإسلام)؛ وهو بكسر الهمزة؛ أي: إذاعة السلام ونشره، (وقال عمار) أبو اليقظان بالمعجمة؛ ابن ياسر بن عامر، المقتول بصفين مع علي في صفر سنة سبع وثلاثين، ومقول قوله: (ثلاث)؛ أي: ثلاث خصال (من جمعهن؛ فقد جمع الإيمان)؛ أي: حلاوته، وأشرق نوره عليه؛ أحدها: (الإنصاف)؛ وهو العدل (من نفسك)؛ باجتنابها النواهي (١) وامتثالها الأوامر، وفي رواية بسقوط لفظ: (فقد)، (و) الثاني: (بذل السلام) بالمعجمة (للعالَم)؛ بفتح اللام؛ أي: لكل مؤمن عرفتَه أو لا، وخرج الكافر بدليل آخر، وفيه الحض على التواضع ومكارم الأخلاق، (و) الثالث: (الإنفاق من الإقتار)؛ بكسر الهمزة؛ أي: في حالة الشدة؛ الفقر، وفيه غاية الكرم؛ وهو شامل للإنفاق على العيال والأجانب.

[حديث: أن رجلًا سأل رسول الله: أيُّ الإسلام خير؟]

٢٨ - وبه قال: (حدثنا قتيبة) تصغير قِتبة؛ بكسر القاف، واحدة الأقتاب؛ وهي الأمعاء، وبها سُمِّي الرجل قتيبة، وكنيته: أبو رجاء، واسمه: علي بن سعيد بن جميل البغلاني؛ نسبة إلى بغلان؛ بفتح الموحدة وسكون المعجمة؛ قرية من قرى بلخ، المتوفى سنة أربعين ومئتين (قال: حدثنا الليث) بن سعد، (عن يزيد بن أبي حبيب) بالمهملة أوله، البصري، (عن أبي الخير) مَرثد بالمثلثة وفتح الميم، (عن عبد الله بن عمرو) : هو ابن العاصي رضي الله عنه: (أن رجلًا) : هو أبو ذر (سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي) خصال (الإسلام خير؟ قال) عليه السلام: (تطعم) الخلق (الطعام، وتَقرأُ)؛ بفتح التاء وضم الهمزة، (السلام على من عرفتَه)؛ أي: على الذي عرفته، (و) على (مَن لم تعرفه) من المسلمين، فلا تخص به أحدًا؛ تكبرًا وتجبرًا؛ لأنَّ المؤمنين إخوة، وإنَّما لم يقل: وتؤكل الطعام؛ حتى يشمل الإعطاء والشرب وغيرهما؛ وقد تقدم.

وإنما أعاده؛ لِمَا اشتمل عليه مع المغايرة بين المشايخ المغايرة الإسنادية.

(٢١) [باب كفران العشير وكفر دون كفر]

هذا (باب) بدون تنوين؛ لإضافته لقوله: (كفران العشير)؛ وهو الزوج، وإنَّما سمي عشيرًا؛ لأنَّه معاشر؛ أي: مخالط، و (أل) فيه للجنس، والكفران من الكَفر؛ بالفتح؛ وهو الستر، ولهذا سُمي ضِدُّ الإيمان كفرًا؛ لأنَّه يستر الحق؛ أي: التوحيد، ولما كان الكفر يتفاوتمعناه؛ قال: (وكفر دون كفر)؛ أي: أقرب من كفر، فأخذُ أموال الناس بالباطل دونَ قتل النفس بغير حق، وفي رواية: (وكفر بعد كفر) والمعنى واحد، والجمهور على جر (وكفر) عطفًا على (كفران)، وفي رواية: (وكفر) بالرفع على القطع، وإنما خص كفران العشير من أنواع الذنوب؛ لقوله عليه السلام: «لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»، فَقَرَنَ حق الزوج على الزوجة بحق الله تعالى، فَكُفْرُ نعمة الزوج هو كفر نعمة الله تعالى.

(فيه)؛ أي: في الباب حديث (أبو سعيد) سعد بن مالك (عن النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم)؛ كما أخرجه المؤلف في (الحيض).

[حديث: أريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن]

٢٩ - وبه قال: (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي المدني، (عن مالك) : هو ابن أنس، (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، المكنى بأبي أسامة، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومئة، (عن عطاء بن يسار)؛ بمثناة تحتية ومهملة مخففة، القاص المدني الهلالي، مولى أم المؤمنين ميمونة، المتوفى سنة ثلاث ومئة، وقيل: أربع وتسعين، (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: قال النبي) الأعظم، وفي رواية: (عن النبي) (صلى الله عليه وسلم: أُريت النار)؛ بضم الهمزة مبنيًا للمفعول من الرؤية؛ بمعنى أُبصرت، وتاء المتكلم هو المفعول الأول أقيم مقام الفاعل، (والنار (٢)) مفعول ثان؛ أي: أراني الله النار، وفي رواية: (فرأيت)، وفي أخرى: (ورأيت)، والظاهر أنها في ليلة الإسراء (فإذا أكثر أهلها)؛ أي: أهل النار (النساء)؛ برفع (أكثر) و (النساء)؛ مبتدأ وخبر، وفي رواية: بنصب (أكثر) و (النساء) مفعولي (رأيت)، وفي رواية: (رأيت النار فرأيت أكثر) بالرفع، وفي رواية: (أُريت النار أكثر أهلها النساء) فـ (رأيت)؛ بمعنى أُعلمت، و (التاء) و (النار) و (النساء)؛ مفاعيله، و (أكثر) بدل من (النار).

(يكفرن)؛ بمثناة تحتية مفتوحة أوله؛ جملة مستأنفة، وفي رواية: (بكفرهن)؛ أي: بسبب كفرهن، (قيل) : يا رسول الله؛ (أيكفرن بالله؟) الهمزة للاستفهام (قال) عليه السلام: لا؛ بل (يكفرن العشير)؛ أي: الزوج، فـ (أل) للعهد، أو المعاشر مطلقًا فتكون للجنس، (ويكفرن الإحسان).

قال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: كفران العشير ليس لذاته؛ بل الكفران له؛ هو الكفران لإحسانه، فالجملة الثانية في الحقيقة بيان للجملة الأولى، وكفران العشير والإحسان قيل: من الكبائر.

(لو) وفي رواية: (إن) (أحسنت) يا مَن يتأتى منه العلم (إلى إحداهن الدهرَ) منصوب على الظرفية، و (الدهر)؛ الزمان؛ أي: مدة عمرك، وإفادة (لو) امتناع الشيء لامتناع غيره، فلِمَ (٣) صحَّ (إنْ) في الرواية الثانية؟ وأجيب: بأنَّ (لو) هنا؛ بمعنى (إنْ) في مجرد الشرطية فقط، لا بمعناها الأصلي؛ فافهم، (ثم رأت منك شيئًا) منصوب مفعول (رأت)؛ أي: شيئًا قليلًا لا يوافق مزاجها أو شيئًا حقيرًا لا يعجبها، فالتنوين فيه للتعليل أو للتحقير (قالت: ما رأيت منك خيرًا) مفعول (رأيت) (قطُّ)؛ بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة على الأشهر ظرف زمان؛ لاستغراق ما مضى.

وفيه: وعظ الرئيس المرؤوس وتحريضه على الطاعة، ومراجعة المتعلم العالم والتابع المتبوع، وجواز إطلاق الكفر على كفر النعمة وجحد الحق.

(٢٢) [باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها]

هذا (باب) بالتنوين، وهو ساقط في رواية: (المعاصي) مصدر ميمي؛ وهي مخالفة الشرع، ويجوز في (باب) الإضافة إلى ما بعده (من أمر الجاهلية)؛ وهي زمان الفترة قبل الإسلام، سُمِّيت بذلك؛ لكثرة جهالتهم، (ولا يُكْفَر)؛ بفتح المثناة تحت وسكون الكاف، وفي رواية: بضم المثناة التحتية، وفتح الكاف، وتشديد الفاء مفتوحة (صاحبها بارتكابها)؛ أي: باكتسابها والإتيان بها، فلا ينسب إلى الكفر (إلا بالشرك)؛ أي: بارتكاب الشرك بالله تعالى، خلافًا للمعتزلة القائلين: بأن مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر؛ بل هو فاسق، وللخوارج القائلين: بتكفيره، والذي حققه العلماء في كتب التوحيد أن المعتزلة فسقة؛ لأنَّهم من أهل التوحيد، وقيد بـ (الارتكاب)؛ للاحتراز عن الاعتقاد، فلو اعتقد حِلّ حرام معلوم من الدين بالضرورة يكفر؛ (لقول النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم) لأبي ذر: (إنك امرؤ فيك جاهلية)؛ أي: فعلت فعلًا من أفعال الجاهلية بأن عيرته بأمه (وقول الله تعالى) وفي رواية: (عز وجل) وفي أخرى: (وقال الله) : ({إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}) نزلت في قضية وحشي قاتل حمزة، إلى أن قال للنبي عليه السلام: إنِّي أشركت بالله، وقتلت النفس، وزنيت، فهل يقبل الله مني توبة؟ فأنزل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ} الآية [الفرقان: ٦٨]، فتلاها عليه، فقال: أرى شرطًا فلعلي لا أعمل صالحًا أنا في جوارك (٤) حتى أسمع كلام الله، فنزلت هذه الآية، والمراد بـ (الشرك) : الكفر؛ لأنَّ من جحد نبوة نبينا عليه السلام كان كافرًا ولو لم يجعل مع الله إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بالإجماع، ({وَيَغْفِرُ}) الله ({مَا دُونَ ذَلِكَ}) أي: الشرك ({لِمَن يَشَاءُ}) [النساء: ٤٨] الغفران له، فكل من مات على التوحيد؛ غير مخلد في النار، وإن ارتكب جميع المعاصي غير الشرك.

وهذا أعظم دليل على بطلان قول مَن قال: إنَّ المغفرة لأهل بيت النبوة محقَّقةٌ لهم وإنَّ ذنوبهم صورية لا معنوية، وإنَّ ذنوبهم مغفورة لهم بدون توبة، وإنَّه لا أحد منهم يدخل النار، وألَّف في ذلك رسالة، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: ٣٣]، والمراد بـ {الرِّجْسَ} : الزكاة؛ كما بُيِّن في محلِّه، ولم يلتفت إلى قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا [العَذَابُ] ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: ٣٠]، قال القرطبي: فتُحَدُّ حدَّين، وقال تعالى لنوح: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: ٤٦] فأخرجه من نسبه؛ لأنَّه أشرك بالله تعالى، وقد ردَّيتُ عليه بكلام آخر أوضحته في «شرحي على مختصر القدوري»، والله تعالى أعلم.

[حديث: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية]

٣٠ - وبه قال: (حدثنا سليمان بن حرب)؛ بالموحدة الأزدي البصري (قال: حدثنا شعبة) : هو ابن الحجاج (عن واصل) بن حَيَّان بالمهملة المفتوحة والمثناة التحتية المشددة، وفي رواية: (عن واصل الأحدب)، وفي رواية: (هو الأحدب)؛ أي: الأسدي الكوفي، المتوفى سنة سبع وعشرين ومئة، (عن المعرور)؛ بعين مهملة ورائين مهملتين بينهما واو، وفي رواية زيادة: (ابن سويد) بضم السين؛ أبو أمية الأسدي الكوفي (قال) وفي رواية: (وقال) : (لقيت أبا ذر) بالذال المعجمة المفتوحة وتشديد الراء؛ جندب- بضم الجيم والدال المهملة وقد تفتح- ابن جُنادة- بضم الجيم- الغفاري؛ نسبة إلى قبيلة من كنانة، القائل: يحرم على الإنسان ما زاد على حاجته من المال، المتوفى (بالرَّبَذَة) سنة اثنتين وثلاثين؛ وهي بفتح الموحدة والراء المشددة، والذال المعجمة؛ موضع بينه وبين المدينة ثلاث مراحل، قريبة من ذات عرق، (وعليه)؛ أي: لقيته حال كونه عليه (حُلَّة)؛ بضم المهملة واللام المشددة؛ وهي إزار ورداء، ولا يسمى حُلَّة حتى يكون ثوبين، وسميت بذلك؛ لحلول أحد الثوبين على الآخر، (وعلى غلامه) قال الشيخ الإمام بدر الدين العيني: واسم هذا الغلام لم يبين في الروايات، ويحتمل أن يكون أبا مرواح مولى أبي ذر (حُلَّة)؛ أي: وحال كون غلامه عليه حُلَّة؛ فهي ثلاثة أحوال، (فسألته عن ذلك)؛ أي: عن تساويهما في لبس الحُلَّة، وإنما سأله عن ذلك؛ لأنَّ عادة العرب وغيرهم أن يكون ثياب المملوك دون ثياب سيده، والذي فعله أبو ذر؛ كان خلاف المألوف، (فقال) أبو ذر: (إني ساببت)؛ بموحدتين؛ أي: شاتمت (رجلًا)؛ هو بلال المؤذن مولى أبي بكر رضي الله عنهما (فعيرته) بالعين


(١) في الأصل: (النواهم).
(٢) في الأصل: (والناس).
(٣) في الأصل: (فلما).
(٤) في الأصل: (جورك).

<<  <   >  >>