للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

جبريل عليه السَّلام وضع محراب النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم مسامت الكعبة.

وقيل: كان ذلك بالمعاينة بأن كشف الحال وأزيلت الحوائل، فرأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الكعبة، فوضع قبلة مسجده عليها.

قلت: كما وقع له عليه السَّلام صبيحة الإسراء حين سأله قريش عن صفة مسجد بيت المقدس، فأزيلت الحوائل عنه، وكشف له الحال، فوصفه (١) لهم، وأمَّا من كان غائبًا عن الكعبة؛ ففرضه جهة الكعبة لا عينها، وهو قول الإمام الكرخي، وأبي بكر الرازي، وأكثر الأئمة الحنفية.

وقال أبو عبد الله الجرجاني: الفرض إصابة عينها في حق الحاضر والغائب، وهو قول الشافعي، وزعم النووي أنَّ الصحيح عنه فرض المجتهد مطلوبية عينها.

وفي تعلم أدلة القبلة ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنه فرض كفاية، الثاني: أنه فرض عين، ولا يصح، الثالث: أنه فرض كفاية إلا أن يريد سفرًا.

وقال البيهقي في «المعرفة» والذي روي مرفوعًا: «الكعبة قبلة من يصلي في المسجد الحرام، والمسجد الحرام قبلة أهل مكة ممن يصلي في بيته أو في البطحاء، ومكة قبلة أهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الآفاق»، فهو حديث ضعيف لا يحتج به.

وفي الحديث: أن من جملة الشواهد (٢) لحال المسلم أكل ذبيحة المسلمين، وذلك أن طوائف من الكتابيين والوثنيين يتحرجون (٣) من أكل ذبيحة المسلمين، والوثني: الذي يعبد الصنم، انتهى.

[حديث: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله]

٣٩٢ - وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبوي ذر والوقت: (وحدثنا)؛ بالواو (نُعَيْمٌ)؛ بضم النون وسكون التحتية، بينهما عين مهملة مفتوحة: هو ابن حماد الخزاعي (قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ) : هو عبد الله، فهو موصول.

وقال إمام الشَّارحين: حديث أنس هذا أخرجه البخاري في هذا الباب من ثلاثة أوجه:

الأول: مسند عن عمرو بن عباس، وقد سبق.

والثاني: فيه خلاف بين الرواة من أربعة أوجه؛ الأول: حدثه البخاري عن نعيم، ونعيم أخرجه معلقًا؛ حيث قال: (قال ابن المبارك)، وهذا هو المذكور في نسختنا، وهي رواية أبوي ذر والوقت، الثاني: قال محمد بن إسماعيل وقال ابن المبارك: قال ابن عساكر روى البخاري عنه: (قال نعيم)، فالبخاري علقه، وقد وصله الدارقطني من طريق نعيم عن ابن المبارك، الثالث: رواية الأصيلي وكريمة: «قال ابن المبارك»؛ بغير ذكر نعيم، فالبخاري أيضًا علقه عنه، الرابع: وقع مسندًا؛ حيث قال: (حدثنا نعيم: حدثنا ابن المبارك)، هكذا في بعض الأصول، وقد ذكره المؤلف في (الجهاد)، والترمذي في (الإيمان) : عن سعيد بن يعقوب عن ابن المبارك، وأخرجه النسائي في (المحاربة) : عن محمد بن حاتم، عن حبان، عن ابن المبارك، انتهى.

(عَنْ حُمَيْدٍ) بضم الحاء المهملة وسكون التحتية (الطَّوِيلِ) : التابعي المشهور، (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) : هو الأنصاري خادم النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: أُمِرْتُ)؛ بضم الهمزة وكسر الميم؛ أي: أمرني الله تعالى، وإنما طوى ذكر الفاعل؛ لشهرته وتعظيمه (أَنْ) أي: بأن (أُقَاتِلَ النَّاسَ)؛ فكلمة (أَنْ) مصدرية، وأراد بـ (الناس) : المشركون؛ أي: بقتل المشركين، فهو من العام الذي أريد به الخاص؛ لأنَّ المراد بـ (الناس) : المشركون من غير أهل الكتاب، ويدل لذلك رواية النسائي، ولفظه: «أمرت أن أقاتل المشركين»، أو يكون المراد: مقاتلة أهل الكتاب؛ فافهم.

(حَتَّى) أي: إلى أن (يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) : إنَّما اكتفى بهذا الشطر من غير انضمام (محمد رسول الله)؛ لأنَّه عبر به على طريق الكناية عن الإقرار برسالته بالصلاة والاستقبال والذبح؛ لأنَّ هذه الثلاثة من خواص دين النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ القائلين: لا إله إلا الله كاليهود؛ فصلاتهم بدون الركوع، وقبلتهم غير الكعبة، وذبيحتهم ليست كذبيحتنا، وقد يجاب: بأنَّ هذا الشطر الأول من كلمة الشهادة شعار لمجموعها، كما يقال: قرأت {الم*ذَلِكَ الكِتَابُ} [البقرة: ١ - ٢]، والمراد: كل السورة، لا يقال: فعلى هذا؛ لا يحتاج إلى الأمور الثلاثة؛ لأنَّ مجرد هذه الكلمة التي هي شعار الإسلام محرمة للدماء والأموال؛ لأنَّا نقول: الغرض منه بيان تحقيق القول بالفعل، وتأكيد أمره، فكأنه قال: إذا قالوها وحققوا معناها بموافقة الفعل لها؛ فتكون محرمة، وأمَّا تخصيص هذه الثلاثة من بين سائر الأركان وواجبات الدين؛ فلكونها أظهرها وأعظمها وأسرعها علمًا به؛ إذ في اليوم الأول من الملاقاة مع الشخص يعلم صلاته وطعامه غالبًا، بخلاف نحو الصوم؛ فإنه لا يظهر الامتياز بيننا وبينهم به، ونحو الحج؛ فإنه قد يتأخر إلى شهور وسنين، وقد لا يجب عليه أصلًا، كذا قرره إمامنا الشَّارح.

(فَإِذَا قَالُوهَا)؛ أي: كلمة الشهادة وصدقوا بمعناها بموافقة الفعل لها (وَصَلَّوْا صَلَاتَنَا)؛ أي: المخصوصة بنا؛ أي: بأن صلوا بالركوع والسجود والقعود في آخرها، واقتصار القسطلاني على الركوع فقط؛ خطأ ظاهر؛ لأنَّ اليهود يصلون بالركوع فقط، كما هو مشهور عنهم، فلو صلوا بالركوع؛ لم يصيروا مسلمين حتى يصلوا بالركوع والسجود والقعود في آخرها؛ لأنَّ الفارق بيننا وبينهم في الصلاة السجود والقعود الأخير، فإن فعلوا ذلك؛ فلهم أحكام الإسلام، وإلا؛ فلا؛ فافهم

(وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا)؛ أي: طلبوا التوجه إلى الكعبة التي هدانا الله إليها، وإنما ذكر الاستقبال مع أن الصلاة متضمنة له؛ لأنَّ القبلة أعرف من الصلاة، فإن كل واحد يعرف قبلته وإن كان لا يعرف صلاته كما سبق.

(وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا)؛ أي: ذبحوا المذبوح مثل مذبوحنا، والذبيحة على وزن (فعيلة) بمعنى المذبوح.

فإن قلت: فعيل إذا كان بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث؛ فلا يدخله التاء.

قلت: لما زال عنه معنى الوصفية وغلبت عليه الاسمية واستوى فيه المذكر والمؤنث؛ فتدخله التاء، وقد يقال: إن الاستواء فيه عند ذكر الموصوف معه، وأمَّا إذا انفرد عنه؛ فلا، قاله إمام الشَّارحين.

(فَقَدْ حَرُمَتْ)؛ بفتح الحاء وضم الراء المهملتين، كما في رواية «الفرع»، وجوز البرماوي وغيره: ضم الحاء وتشديد الراء، وقد انتهت الجهالة إلى ابن حجر حيث زعم أنه لم ير في شيء من الروايات تشديد الراء.

قلت: ولا يلزم من عدم رؤيته ذلك ألَّا يكون ثابتًا في بعض الروايات، فإن من حفظ حجة على من لم يحفظ، لا سيما أن التشديد معناه أبلغ في الحرمة من التخفيف، وقد صرح جماعة من الشراح بجوازه، وهو يدل على أنه ثابت في بعض الروايات، والمثبت مقدم على النافي، فليحفظ، والله تعالى أعلم.


(١) في الأصل: (فوصفهم)، والمثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (الشواهل)، ولعله تحريف.
(٣) في الأصل: (ينخرجون)، والمثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>