للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

نوم علي في المسجد إنَّما كان نهارًا لا ليلًا، يدل عليه قولها: (فخرج، فلم يَقِل)؛ يعني: وأنَّه أقال في المسجد، والقيلولة: النوم في نصف النهار؛ ففيه: دليل على جواز النوم نهارًا في المسجد لغير الغريب، ولغير الفقير، ولغير الأعزب، وهذا القيد وهو كونه (نوم النهار) قد غفل عنه العجلوني.

وقد يقال: لا دلالة فيه لجواز النوم في المسجد لغير الغريب؛ لأنَّ عليًّا لما كان ممنوعًا من النوم في البيت من أجل المغاضبة؛ فكأنه كالغريب الأعزب؛ حيث إنَّه منع من البيت والزوجة طبعًا؛ لعدم الائتلاف الحاصل بينهما؛ فافهم.

قال إمام الشَّارحين: وفي الحديث أحكام:

الأول: فيه جواز دخول الوالد بيت ولده بغير إذن زوجها.

الثاني: فيه استعطاف الشخص غيره بذكر ما بينهما من القرابة.

الثالث: فيه إباحة النوم في المسجد لغير الغريب، أو لغير الفقير، وكذلك القيلولة في المسجد؛ فإنَّ عليًّا لم يقل عند فاطمة ونام في المسجد، وروى أبو نعيم في كتاب (المساجد) بسنده إلى جبير بن مطعم عن أبيه يرفعه: «لاتمنعوا القائلة في المسجد مقيمًا ولا ضعيفًا»

الرابع: فيه جواز الممازحة للغاضب بالتكنية بغير كنية، إذا كان ذلك لا يغضبه، بل يؤنسه.

الخامس: فيه مداراة الصهر، وتسلية أمره في غيابه.

السادس: فيه جواز التكنية بغير الولد؛ لأنَّه عليه السَّلام كناه: (أبا تراب)، وعند المؤلف في (الاستئذان) : (ما كان لعلي اسم أحبُّ إليه من أبي تراب، وأنَّه كان يفرح بها).

السابع: فيه فضيلة عظيمة لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، انتهى.

وزعم العجلوني أنَّ فيه: أنَّه لا بأس بإبداء المنكبين في غير الصلاة، انتهى.

قلت: بل لا بأس بذلك في الصلاة أيضًا؛ لأنَّه ليس فيه كشف العورة؛ فافهم.

وفيه إباحة الأكل والشرب في المسجد قياسًا على النوم فيه إذا لم يضر المسجد، والظاهر: أنَّه مباح للغريب، والمسافر، والفقير، أمَّا المقيم الذي له مسكن؛ فيكره ذلك له؛ لأنَّ منزله أولى في ذلك.

وفيه جواز النوم على التراب إذا لم يضر جسده، والله أعلم.

[حديث: رأيت سبعين من أصحاب الصفة]

٤٤٢ - وبالسند إليه قال: (حدثنا يوسف بن عيسى) : هو ابن يعقوب المروزي (قال حدثنا ابن فُضَيْل)؛ بضمِّ الفاء وفتح المعجمة؛ مصغرًا: هو محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الكوفي، المتوفى سنة خمس وتسعين ومئة، (عن أبيه) هو فضيل المذكور، (عن أبي حازم)؛ بالحاء المهملة، والزاي: هو سلْمان؛ بسكون اللام: الأشجعي الكوفي المدني.

قال إمام الشَّارحين: (وأبو حازم هذا أكبر من أبي حازم الذي قبله في السن واللقاء وإن كانا جميعًا مدنيين، تابعيين، ثقتين، ويحتاج الواقف هنا أن يكون على التيقُّظ؛ لئلَّا يقع التلبيس؛ لأجل التشابه) انتهى.

وذكر نحوه ابن حجر، واعترضه العجلوني فقال: (يفترقان بأنَّ الأول اسمه سلمة بن دينار ويروي عن سهل بن سعد، وهذا اسمه سلمان الأشجعي ويروي عن أبي هريرة؛ فاعرف الامتياز بينهما) انتهى.

قلت: هذا التفريق يحتاج إلى التأمل والتفحص عن أسماء الرجال، والمؤلف ذكر الأول والثاني بلفظ: (أبو حازم)، ولا ريب أنَّ فيه اشتباهًا، ولا يلزم من رواية الأول عن سهل ألَّا يروي عن أبي هريرة أو بالعكس؛ لأنَّ كلًّا منهما تابعي يروي عن الصحابي، فما زعمه العجلوني ليس في محله، وهو غير ظاهر، كما لا يخفى؛ فافهم.

(عن أبي هريرة) : هو عبد الرحمن بن صخر؛ الدوسي الصحابي الجليل رضي الله عنه أنَّه (قال: رأيت) وفي رواية الأربعة: (لقد رأيت) (سبعين) أي: شخصًا (من أصحاب الصُّفَّة)؛ بضمِّ الصاد المهملة، وتشديد الفاء: موضع في مسجد النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم تأوي إليه الفقراء والمساكين، كما مر.

وهذا يشعر بأنَّهم كانوا أكثر من سبعين وهو كذلك، ولهذا قال إمامنا الشَّارح: (وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبيُّ الأعظم عليه السَّلام في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصُّفَّة أيضًا، لكنَّهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة) انتهى.

قلت: وقد جمع ابن الأعرابي، والسلمي، والحاكم، وأبو نعيم: أصحاب الصفة وعند كل منهم ما ليس عند الآخر؛ فيراجع.

وقوله: (ما منهم رجل عليه رِدَاء)؛ بكسر الراء وفتح الدال المهملتين، والمد: هو ما يستر أعلى البدن، جملة حالية من (سبعين)، ويحتمل أنَّها مستأنفة استئنافًا بيانيًّا؛ فتأمل.

(إمَّا) بكسر الهمزة؛ للتفصيل (إزار)؛ بكسر الهمزة، والمعجمة والمهملة: هو ما يستر النصف الأسفل من البدن؛ يعني: إمَّا عليه إزار فقط، فـ (إزار) : خبر لمبتدأ محذوف، كما قدرناه (وإِمَّا كِساء)؛ بكسر الهمزة، وكسر الكاف مع المدِّ، لكنَّه على الهيئة المذكورة في قوله: (قد ربطوا)؛ أي: الأكسية، وهي صفة لـ (الكساء) والعائد إليه محذوف للعلم به، تقديره: (ربطوه)، وجمع الضمير في (ربطوا) العائد إلى (الرجل) و (الكساء)؛ لأنَّ المراد به: الجنس؛ كالضمير في قوله: (في أعناقهم)؛ لأنَّ المراد به الجنس، (فمنها)؛ أي: الأكسية، وجمع باعتبار أنَّ المراد بـ (الكساء) الجنس أيضًا (ما يبلغ نصف الساقين) ولم يُثنَّى لفظ: (النصف)؛ للعلم بأنَّ المراد منه التشبيه؛ حيث أضيف إلى الساقين؛ قاله العجلوني.

قلت: ليس كذلك، فإنَّه لو أريد به التثنية لم تسقط الألف، بل النون فقط للإضافة، فلم يبق علامة تدل على التثنية، بل لفظ: (نصف) مفرد، ولم يُثنِّه؛ للعلم بأنَّ لكل رجل منهم ساقين؛ فافهم

(ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه)؛ أي: يجمع الواحد منهم الكساء بيده، وزاد الإسماعيلي في روايته: (أنَّ ذلك في حال كونهم في الصلاة) قاله إمامنا الشَّارح، وعزا هذه الرواية القسطلاني للأصيلي، انتهى.

قلت: والظاهر: أنَّه خطأ، بل هي

<<  <   >  >>