للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإزار، ثم سمي به الإزار؛ للمجاورة، وجمعه أحق وأحقاء، انتهى.

وقال الخطابي: (الاشتمال الذي أنكره عليه السَّلام إنَّما هو اشتمال الصماء، وهو أن يخلل نفسه بثوبه ولا يرفع شيئًا من جوانبه، ولا يمكنه إخراج يديه إلا من أسفله، فيخاف أن تبدو عورته عند ذلك) انتهى.

قلت: وهو عادة أهل المغرب الذي قال في حقهم: الفصحاء الشح في الغرب، ويتبعه سوء الخلق، ولهذا قيل: حرك؛ ترَ (١)، قال: من غير تحريك.

(قلت) أي: قال جابر: قلت: (كان) أي: الذي اشتملت به (ثوبًا) واحدًا، فيكون انتصاب (ثوبًا) على أنه خبر (كان)، وفي رواية الإسماعيلي: (كان ثوبًا ضيقًا)؛ وفي رواية أبي ذر وكريمة: (كان ثوب)؛ بالرفع، ووجهه: أن تكون (كان) تامة بمعنى: وجد، فلا تحتاج إلى الخبر، كذا قاله إمام الشَّارحين في «عمدة القاري»، وتبعه ابن حجر، والزركشي، والبرماوي، واعترضه الدماميني، فزعم أن الاقتصار على ذلك لا يظهر، وأي معنًى لإخباره بوجود ثوب في الجملة؟ فينبغي أن يقدر ما يناسب المقام) انتهى.

قلت: وهذا ممنوع؛ لأنَّ الاقتصار على ذلك ظاهر غاية الظهور، ومعنى (إخباره بوجود ثوب) : أنه ليس عنده غير هذا الثوب الموجود الذي رأيتني أصلي فيه.

فقوله: (وأي معنًى...) إلخ: ممنوع؛ لأنَّ معناه ما ذكرناه، ويدل على ما قلناه قوله عليه السَّلام له: «فإن كان واسعًا...» إلى آخره: وهو بيان حكم الصلاة في الثوب، وكأنه عليه السَّلام من رحمته لم ينكر عليه لباس الثوب الضيق؛ لإخباره له بأنه لم يوجد عنده غيره، ويدل على أن الثوب كان ضيقًا ما صرح به في رواية الإسماعيلي: (كان ثوبًا ضيقًا).

وقوله: (فينبغي أن يقدر...) إلخ: لا حاجة إلى ذلك، والمعنى المذكور هنا صحيح، وهو مناسب للمقام، فلا حاجة إلى تقدير آخر؛ فتأمل.

(قال) عليه السَّلام: (فإن كان)؛ أي: الثوب، والفاء تفصيحية؛ تقديره: إذا أردت معرفة بيان الثوب الضيق والثوب الواسع، فإن كان الثوب الذي يريد المصلي الصلاة به (واسعًا) بحيث يشتمل على المنكبين؛ (فالتحف)؛ أي: تغطَّ (٢) وارتد (به)؛ أي: بأن يخالف بين طرفي الثوب حيث يأخذ طرف الثوب الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى، ثم يعقد طرفيهما على صدره، وزعم القسطلاني أن الملتحف المُؤتز بطرف المرتدي بالطرف الآخر منه.

قلت: وهو غير صحيح؛ لأنَّ الملتحف: المتوشح، وهو المخالف بين طرفيه على عاتقيه، وهو الاشتمال على منكبيه، كذا فسره محمد بن مسلم الزهري، كما تقدم؛ فافهم.

(وإن كان) أي: الثوب المذكور (ضيقًا)؛ أي: لا يمكن به الاشتمال؛ (فائتزر به) : وهو أمر بالائتزار، وهو أن يجعل الثوب وزرة؛ كالفوطة، قال إمام الشَّارحين: (وأصل هذه المادة: أن الفعل «أزر» على ثلاثة أحرف، فلما نقل إلى باب الافتعال؛ صار «ائتزر» على وزن «افتعل» بهمزتين أولاهما مكسورة، وهي همزة الافتعال، والأخرى ساكنة، وهي همزة الفعل، ثم يجوز فيه وجهان: أحدهما: أن تقلب الهمزة ياء آخر الحروف، فيقال: ايتزر، والآخر: أن تقلب تاء مثناة من فوق، وتدغم التاء في التاء، وهذا معنى قول الكرماني: «بإدغام الهمزة المقلوبة تاء في التاء»، ولفظ الحديث على الوجه الأول) انتهى، والله أعلم.

وقال ابن بطال: (حديث جابر هذا تفسير لحديث أبي هريرة الذي في الباب المتقدم، وهو «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء» في أنه أراد: الثوب الواسع الذي يمكن أن يشتمله، وأمَّا إذا كان ضيقًا، ولم يمكنه أن يشتمل به؛ فليئتزر به)، وقال الكرماني: (فإن قيل: الحديث السابق فيه نهي عن الصلاة في الثوب الواحد مؤتزرًا به، وظاهره: أنه يعارض قوله: «وإن كان ضيقًا؛ فائتزر به»)، وأجاب الحافظ أبو جعفر الطحاوي: (بأن النهي عنه للواجد معه لغيره، وأما من لم يجد غيره؛ فلا بأس بالصلاة فيه، كما لا بأس بالصلاة في الثوب الضيق مؤتزرًا به) انتهى.

قال إمام الشَّارحين: (ويستنبط من الحديث: جواز طلب الحوائج بالليل من السلطان؛ لخلاء موضعه وسره، وجواز مجيء الرجل إلى غيره بالليل؛ لحاجته، ومن ذلك: أن الثوب إذا كان واسعًا؛ يخالف بين طرفيه، وإن كان ضيقًا؛ يئتزر به) انتهى.

[حديث: كان رجال يصلون مع النبي عاقدي أزرهم على أعناقهم]

٣٦٢ - وبالسند إليه قال: (حدثنا مُسدد)؛ بضم الميم: هو ابن مسرهد (قال: حدثنا يحيى) : هو ابن سعيد القطان، (عن سفيان) : هو الثوري، وزعم الكرماني أنه يحتمل أن يكون سفيان بن عيينة؛ لأنَّهما يرويان عن أبي حازم، ورده إمام الشَّارحين فقال: (نص المزي في «الأطراف» : أنه سفيان الثوري) انتهى.

قلت: ولا يلزم من كونهما يرويان عن أبي حازم أن يكون ابن عيينة، فاحتمال الكرماني غير صحيح؛ فافهم.

(قال: حدثني)؛ بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت: (حدثنا) (أبو حازم)؛ بالحاء المهملة والزاي: هو سَلَمَة -بفتحات- ابن دينار الأعرج، الزاهد، المدني، (عن سهل) : زاد الأصيلي: (ابن سعد) : هو أبو العباس، الساعدي الأنصاري الخزرجي (قال) أي: سهل: (كان رجال)؛ أي: الصحابة، زعم الكرماني أن التنكير فيه؛ للتنويع، وهو يقتضي أن بعضهم كان يخالف ذلك، وهو كذلك، ورده إمام الشَّارحين فقال: (ما في رواية أبي داود المذكورة يرد ما ذكره؛ لأنَّ في روايته: «رأيت الرجال»؛ بالتعريف) انتهى.

قلت: والمقام يقتضي أن جميع الرجال؛ أي: الصحابة لا يخالف بعضهم بعضًا؛ لأنَّهم أشد الاتباع له عليه السَّلام لا سيما في الصلاة معه بالجماعة، فإنه لم ينقل تخلف بعضهم عنها، حتى قال بعض علمائنا: (إن الجماعة واجبة)، وقال أحمد: (إنها فرض)؛ فافهم.

(يصلون مع النبيِّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: الصلوات الخمس، وجملة: (يصلون) خبر (كان) (عاقدي أُزْرهم)؛ بضم الهمزة، وسكون الزاي، جمع إزار: وهو الملحفة، والجمع آزرة وأزر، وهو يذكر ويؤنث، وسمي به؛ لأنَّه يشد به الظهر، وأصل (عاقدي) : عاقدين، فلما أضيف؛ سقطت النون منه، والجملة محلها نصب على الحال، ويجوز أن يكون انتصابها على أنها خبر (كان)، ويكون قوله: (يصلون) في محل النصب على الحال؛ فافهم.

(على أعناقهم) : جمع عنق؛ وهو موضع الرداء من المنكب، يذكر ويؤنث، (كهيئة الصبيان) : وفي رواية «أبي داود» : (كأمثال الصبيان)، والمعنى قريب.

قال إمام الشَّارحين رحمه الله تعالى: ذكر البخاري هذا الحديث في أول (باب عقد الإزار على القفا) معلقًا؛ حيث قال: (وقال أبو حازم عن سهل: صلوا مع النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم عاقدي أزرهم على عواتقهم)، وأخرجه هنا مسندًا، كما رأيت، وأخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي، ولفظ أبي داود: عن سهل بن سعد قال: (رأيت الرجال عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر خلف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصلاة كأمثال الصبيان، فقال قائل: يا معشر النساء؛ لا ترفعن رؤوسكن حتى ترفع الرجال) انتهى، ثم قال:


(١) في الأصل: (ترى)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (تغطى)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>