للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن ابن عباس وغيره: أن قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ} [هود: ٧١]؛ أي: حاضت، والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب؛ لأنَّ إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام)، ثم قال إمام الشارحين: (ولقد حضرني جواب في التوفيق من الأنوار الإلهية بقوته ولطفه وهو: أنه يمكن أن الله تعالى قطع حيض بني إسرائيل عقوبة لهن ولأزواجهن؛ لكثرة عنادهم، ومضت على ذلك مدة، ثم إن الله تعالى رحمهم وأعاد حيض نسائهم؛ لأنَّ من حكمة الله تعالى أنه جعل الحيض سببًا لوجود النسل، ألا ترى أن المرأة إذا انقطع حيضها؛ لا تحمل عادة؛ فلما أعاده عليهن؛ كان ذلك أول الحيض بالنسبة إلى مدة الانقطاع، فأطلق الأولية عليه بهذا الاعتبار؛ لأنَّها من الأمور النسبية) انتهى كلامه، وقد ارتضاه الشارحون؛ فليحفظ.

هذا (باب) بيان (الأمر بالنُّفساء إذا نفس)؛ بضمِّ النون وفتحها، والضمير الذي فيه يرجع إلى (النفساء)، وتذكيره باعتبار الشخص أو لعدم الالتباس؛ لأنَّ الحيض مخصوص بالنساء، والجمع نظرًا للجنس، والباء في قوله: (بالنفساء) زائدة؛ لأنَّ النفساء مأمورة لا مأمور بها، فيكون التقدير الأمر الملتبس بالنفساء، كذا في «عمدة القاري».

وزعم الكرماني فإن قلت: البحث في الحيض، فما وجه تعلقه به؟ قلت: المراد بـ (النفساء) : الحائض.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: النفساء مفرد، وجمعه نفاس)، وقال الجوهري: ليس في الكلام من (فعلاء) يجمع على (فعال) غير نفساء وعشراء؛ وهي الحامل من البهائم)، قال إمام الشارحين: (ويجمع أيضًا على نُفس؛ بضمِّ النون)، وقال صاحب «المطالع» : (وبالفتح أيضًا، ويجمع على نُفُس؛ بضمِّ النون، والفاء)، قال: ويقال في الواحد: نُفسى؛ مثل: كبرى، وبفتح النون أيضًا، وامرأتان نفساوان، ونفسًا، ونفاس، والنفساء أيضًا مصدر سُمِّي به الدم، كما يسمى بالحيض، مأخوذ من تنفس الرحم؛ لخروج النفس الذي هو الدم، وفي «المغرب» : (النفاس مصدر نفسة المرأة؛ بضمِّ النون وفتحها، إذا ولدت؛ فهي نفساء) انتهى كلامه.

وهذا الباب والترجمة هكذا ثابت في رواية أبوي ذر والوقت، وهما ساقطتان في أكثر الروايات، وفي رواية «الفرع» : (باب الأمر للنساء إذا نَفِسْن)؛ بفتح النون، وكسر الفاء، وسكون السين المهملة، آخره نون؛ أي: حضن، وعليها شرح القسطلاني.

[حديث: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج]

٢٩٤ - وبالسَّند إلى المؤلف قال: (حدثنا علي بن عبد الله) ولابن عساكر: (علي)؛ يعني: ابن عبد الله، هو المَدِيني؛ بفتح الميم، وكسر الدال المهملة، قال ابن الأثير: (منسوب إلى مدينة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا أحد ما استعمل بالنسب فيه خارجًا عن القياس، فإن قياسه: المدني)، وقال الجوهري: (تقول في النسب إلى مدينة الرسول: مدني، وإلى مدينة المنصور: مديني؛ للفرق)، كذا في «عمدة القاري» (قال: حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم) هو ابن محمَّد (قال)؛ أي: عبد الرحمن: (سمعت) أبي (القاسم)؛ هو ابن محمَّد، كما في رواية الأَصيلي: هو ابن أبي بكر الصديق الأكبر رضي الله عنه (يقول) : جملة محلها النصب على الحال: (سمعت عائشة) هي الصديقة بنت الصديق الأكبر رضي الله عنها (تقول) : جملة محلها النصب على الحال أيضًا: (خرجنا) حال كوننا (لا نُرى)؛ بضمِّ النون؛ يعني: لا نظن، فالجملة محلها نصب على الحال، وفي رواية: (لا نَرى)؛ بفتح النون (إلا الحج)؛ أي: إلا قصد الحج؛ لأنَّهم كانوا يظنون امتناع العمرة في أشهر الحج، فأخبرت عن اعتقادها عن الغالب من حال الناس، أو من حال الشارع، أما هي؛ فقد قالت: إنها لم تحرم إلا للعمرة، كذا في «عمدة القاري»، (فلما كنتُ)؛ بتاء المتكلم، كذا في رواية الأَصيلي، والكشميهني، وفي رواية: (فلما كنا) (بسَرِف)؛ بفتح السين المهملة، وكسر الراء، آخره فاء؛ وهو اسم موضع قريب من مكة بينهما نحو (١) من عشرة أميال، وقيل: تسعة، وقيل: سبعة، وقيل: ستة، وهو غير منصرف؛ للعلمية والتأنيث، كذا في «عمدة القاري».

قلت: وقد يصرف نظرًا لإرادة المكان؛ فافهم.

(حِضت)؛ بكسر الحاء المهملة؛ لأنَّه من حاض يحيض؛ كـ (بِعت) من باع يبيع، أصله حَيِض؛ بفتح المهملة، وكسر التحتية، قلبت الياء التحتية ألفًا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت؛ لالتقاء الساكنين فصار: حضت بالفتح، ثم أبدلت الفتحة كسرة؛ لتدل على الياء التحتية المحذوفة، كذا في «عمدة القاري»، (فدخل علي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ أي: إلى مكاني الذي أنا فيه فرآني (وأنا أبكي) : جملة اسمية وقعت حالًا بالواو، (فقال) : ولأبي الوقت: (قال) : (ما لكِ)؛ بكسر الكاف؛ لأنَّه خطاب المؤنث (أنفست؟») الهمزة فيه للاستفهام، وهو بضمِّ الفاء وفتحها في الحيض والنفاس، لكن الضم في الولادة، والفتح في الحيض أكثر، وحكى صاحب «الأفعال» الوجهين جميعًا، وفي «شرح مسلم» المشهور في اللغة أن نَفِست بفتح النون، وكسر الفاء؛ معناه: حضت، وأما في الولادة؛ فيقال: نُفست؛ بضمِّ النون، وقال الهروي: (نفست؛ بضمِّ النون وفتحها في الولادة، وفي الحيض بالفتح لا غير)، كذا في «عمدة القاري»، (قلت: نعم)؛ أي: نفست، (قال) عليه السلام لها: (إن هذا) أي: الحيض (أمر)؛ أي: شأن، وزعم الكرماني أن هنا (أمر)، وفي الترجمة (شيء) فهو إما من باب نقل الحديث بالمعنى، وإما أن اللفظين ثابتان.

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: (قلت: لا يحتاج إلى الترجمة، واللفظان ثابتان) انتهى.

(كتبه الله) سبحانه وتعالى (على بنات آدم)؛ لأجل أن يمتحنهن به، وليظهر صبرهن وعدمه على العبادة، وهنا محل مطابقة الحديث للترجمة، (فاقضي) خطاب لعائشة؛ فلهذا لم تسقط الياء؛ ومعناه: فأدِّي؛ لأنَّ القضاء يأتي بمعنى: الأداء، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا} [الجمعة: ١٠]؛ أي: فإذا أُدِّيت صلاة الجمعة، كذا في «عمدة القاري» (ما يقضي الحاج)؛ أي: من المناسك، وهو اسم فاعل أصله حاجج، وإنما يأتي في ضرورة الشعر هكذا؛ كقول الراجز:

بكل شيخ عامرأوحاجج

وفي «الصحاح» تقول: حججت البيت أحجه حجًّا، فأنا حاجٌّ، ويجمع على حجج؛ مثل: بازل وبزل، كذا قاله في «عمدة القاري».

وزعم الكرماني المراد من الحاج: الجنس، فيشمل الجمع، وهو كقوله تعالى: {سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: ٦٧].

ورده صاحب «عمدة القاري» فقال: قلت: لا ضرورة إلى هذا الكلام؛ فافهم.

(غيرَ) بالنصب (ألَّا)؛ بالتشديد أصله: أن لا، ويجوز أن تكون أن مخففة من المثقلة، وفيه ضمير الشأن، و (أن) (٢) زائدة، وقوله: (تطوفي) مجزوم بـ (لا)؛ والمعنى: لا تطوفي ما دمت حائضًا؛ لفقدان صحة الطواف؛ وهو الطهارة، وزاد في الرواية الآتية: (حتى تطهري)، (قالت)؛ أي: عائشة: (وضحَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن نسائه) وهن تسع أو إحدى عشرة بزيادة مارية وريحانة، وسماهما نساء تغليبًا؛ لأنَّهما مملوكتان، وهذا ظاهر في عدم الإذن منهن له عليه السلام؛ لأنَّه لو كان ثمة إذن؛ لذكرته، غايته: أنها ذكرت فعله عليه السلام من نفسه بدون إذن من أحد نسائه الطاهرات (بالبقر) ويروى: (بالبقرة)، والفرق بينهما كتمرة وتمر، وعلى تقدير عدم التاء: يحتمل التضحية بأكثر من بقرة واحدة، كذا قاله في «عمدة القاري».

ثم قال: وفي الحديث: أن المرأة إذا حاضت بعد الإحرام ينبغي لها أن تأتي بأفعال الحج كلها غير أنها لا تطوف بالبيت، فإن طافت قبل أن تتطهر؛ فعليها بدنة، وكذلك النفساء والجنبة عليها


(١) في الأصل: (نحوًا)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (لأن)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>