للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ودع الفاسد.

وزعم ابن حجر أنَّ التشييد: من شيَّد يشيِّد؛ رفع البناء والإحكام، ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: ٧٨] انتهى.

قلت: الحصر المذكور فاسد، فإنَّه يجوز أن يكون من شاد الحائط بالشيد؛ طينه، وقال في «القاموس» : (شاد الحائط يشيده: طلاه بالشيد؛ وهو ما طلي به حائط من جص ونحوه).

وقول الجوهري: (من طين أو بلاط بالموحَّدة غلط، والصواب بالميم؛ لأنَّ البلاط حجارة لا يطلى بها، وإنما يطلى بالملاط: وهو الطين، والمَشيْد: المعمول به، وكمؤيَّد (١) : المطول) انتهى؛ فافهم، ثم رأيت العجلوني اعترض بنحو ما ذكرته؛ فافهم.

[حديث: أن المسجد كان على عهد رسول الله مبنيًا باللبن]

٤٤٦ - وبالسند إلى المؤلف قال: (حدثنا علي بن عبد الله) : هو ابن جعفر بن نجيح أبو الحسن المشهور بالمديني المصري (قال: حدثنا) كذا للأصيلي، ولغيره (حدثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم)، زاد الأصيلي: (ابن سعْد)؛ بسكون العين المهملة (قال: حدثنا أبي) : هو إبراهيم المذكور، ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني الأصل العراقي الدار (عن صالح بن كيسان)؛ بفتح الكاف: هو أبو محمد مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز الأموي (قال: حدثنا نافع) : هو مولى ابن عمر المدني، ففي السند رواية الأقران: وهي رواية صالح عن نافع؛ لأنَّهما من طبقة واحدة، وفيه رواية التابعي عن التابعي؛ لأنَّ صالحًا ونافعًا كلاهما تابعيان، قاله إمام الشَّارحين: (أنَّ) بفتح الهمزة (عبد الله) زاد الأصيلي (ابن عمر) : هو ابن الخطاب القرشي العدوي (أخبره) أي: أخبر نافعًا (أنَّ) بفتح الهمزة أيضًا (المسجد)؛ أي: النبوي، فالألف واللام فيه للعهد (كان) أي: المسجد (على عهد) أي: أيام وزمان (رسول الله)، وللأصيلي: (النبي) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم مَبْنيًّا)؛ بفتح الميم، وسكون الموحدة، وتشديد التحتية، من البناء؛ وهو وضع شيء على شيء بصفة يراد بها الثبوت والدوام (باللَّبِن)؛ بفتح اللام، وكسر الموحدة، ويجوز فيه تسكين الموحدة مع كسر اللام أيضًا: وهو الطوب النيء قبل أن يشوى، فإذا شوي؛ فهو الآجرُّ؛ بالمد، (وسقفه الجريد)؛ أي: جريد النخل؛ وهو الذي يجرد عنه الخوص، وإذا لم يجرد؛ يسمى: سعفًا، والجملة محلها نصب على الحال، ويحتمل عطف سقفه على اسم (كان) المستتر؛ لوجود الفاصل، فتنصب (الجريد) عطفًا على خبرها، وهذا الاحتمال ذكره العجلوني، ولكن فيه نظر، على أن الرواية لا تساعده؛ فافهم، وذكر مثله مع ما فيه من الركاكة وعدم مساعدة الرواية له في قوله: (وعُمُده خشب النخل) : الجملة حالية كالأولى على الأظهر و (العُمُد)؛ بضمَّتين، أو بفتحتين: كخشب، قال العجلوني: (ويجوز تسكين الثاني في المضمومتين منهما، فيجوز فيهما ستة أوجه؛ فتدبر) انتهى، قلت: يتأمل توجيهها، والظاهر أنَّها أربعة أوجه؛ فافهم، قال الجوهري: (العمود: عمود البيت، وجمع القلة: «أعمدة» وجمع الكثرة: «عُمُد» و «عَمد»، وقرئ بهما في قوله تعالى: {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} [الهمزة: ٩])، وقال الكرماني: (والخشب: مفردًا وجمعًا) وظاهره: في جميع وجوهه؛ فتأمل، (فلم يزد فيه) أي: المسجد (أبو بكر) : هو الصديق الأكبر رضي الله عنه (شيئًا)؛ المراد به: أنه لم يغير فيه شيئًا زمن خلافته لا بزيادة ولا نقصان، (وزاد فيه) أي: المسجد (عمر) هو ابن الخطاب رضي الله عنه؛ أي: في زمن خلافته يعني: في الطول والعرض، وهذه الزيادة وكذا زيادة عثمان قد بيَّنها مفصلة السمهودي في «تاريخه»، (وبناه) أي: عمر حين زاد فيه (على بنيانه) أي: الأصلي الذي كان (في عهد) أي: زمن (رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم) والجار والمجرور: صفة للبنيان، أو حال منه.

قال الكرماني: (فإن قلت: إذا بنى على ذلك البنيان؛ فكيف زاد فيه؟ قلت: لعلَّ المراد بالبنيان: بعضها أو الآلات، أو بزيادة رفع سمكها، أو المراد على هيئة بنيانه ووصفها) انتهى.

قلت: والذي يظهر من السياق أن الصواب هو المعنى الأخير؛ لأنَّ بنيان بعضها غير ظاهر، وكذلك الآلات غير ظاهر أيضًا، وكذلك زيادة رفع سمكها؛ لأنَّه في هذه الأوجه لا يقال: إنَّه بناه على بنيانه، فالمراد: أنه بناه على هيئة بنيانه ووصفها الأصلية مع زيادة طوله وعرضه، ويدل لهذا قوله: (باللبن والجريد) : متعلق بقوله: (وبناه)؛ يعني: في حيطانه وسقفه؛ كما كان على عهده عليه السَّلام بهما (وأعاد) أي: عمر رضي الله عنه (عمده خشبًا)؛ أي: كما كانت؛ لأنَّها تَلِفَت وبَلِيَت، فلم يغير فيه شيئًا من هيئته إلا توسعته وبناه بجنس آلاته الأصلية، قال السهيلي: (نخرت عمده في خلافة عمر، فجددها) انتهى.

(ثم غَيَّره)؛ بفتح العين المعجمة، وتشديد التحتية (عثمان بن عفان) : أمير المؤمنين رضي الله عنه؛ أي: زمن خلافته فوسعه وغير آلاته، (فزاد) أي: عثمان (فيه) أي: في المسجد النبوي (زيادة) : كثيرة؛ أي: من جهة التوسيع، (وبنى جداره)؛ بالإفراد، والظاهر: أنَّ المراد: جدرانه الأربع، وقد يقال: إنه بنى جداره الذي زاده (بالحجارة المنقوشة)؛ بالتعريف فيهما، هكذا رواية غير الحموي والمستملي، وفي روايتهما: (بحجارة منقوشة)؛ بالتنكير؛ أي: بدلًا عن اللبن كذا في «عمدة القاري»، (والقَصَّةِ)؛ بالجر، بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة، وهو الجص بلغة أهل الحجاز، يقال: قصَّص جداره؛ أي: جصَّصَه، وزعم الخطابي: القصَّة: تشبه الجص، وليست هي، وقال إمام الشَّارحين: (القصة: الجص، لغة فارسية معربة، وأصلها: كج، وفيه لغتان: فتح الجيم وكسرها، وهو الذي تسميه أهل مصر: جيرًا، وأهل البلاد الشامية يسمونه: كِلْسًا) انتهى، قلت: هو بكسر الكاف وسكون اللام آخره مهملة، وهو الحجارة الكدانة تحرق فتصير كلسًا، وقوله: (وجعل عمده) : عطف على قوله: (وبنى جداره) (من حجارة منقوشة)، وقوله (وسَقَفَه)؛ بلفظ الماضي: من التسقيف، من باب التفعيل عطفًا على (جعل)، وفي رواية «فرع اليونينية» : (وسقْفَه) : بلفظ الاسم عطف على (عمده)، أفاده إمام الشَّارحين، قلت: فهو بإسكان القاف، وفتح الفاء، وضبطه البرماوي: (وسقَّفه) : بتشديد القاف، انتهى، قلت: التشديد؛ للمبالغة ولا مبالغة في السقف، على أن (٢) الرواية لا تساعده؛ لأنَّها إما بلفظ الماضي مخففًا أو الاسم؛ فافهم، وقوله: (بالساج) : متعلق بقوله: (وسَقَفَه)، وزعم العجلوني أنَّه متعلق بقوله: (وجعل)، قلت: والظاهر: ما ذكرناه؛ فافهم، و (الساج)؛ بالسين المهملة، والجيم؛ وهو ضرب من الخشب معروف يؤتى به من الهند، وله قيمة، قاله إمام الشَّارحين، أي: عظيمة، الواحدة: ساجة.

قال إمامنا الشَّارح: ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.

وقال ابن بطال: (ما ذكره البخاري في هذا الباب يدل على أنَّ السنة في بنيان المساجد القصد، وترك الغلو في تشييدها وتحسينها؛ خشية الفتنة والمباهاة ببنائها، وكان عمر مع الفتوحات التي كانت في أيامه وتمكنه


(١) في الأصل: (كمريد)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (أنه)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>