للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بأنهما يتعارضان، فيستعمل كل منهما مكان الآخر، كقوله تعالى: {ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨]) انتهى.

(ثم أدخل يده) بالإفراد (في التور)؛ أي: ثم أخرجها، كما صرح به مسلم، (فمضمض واستنثر)، وإنما لم يذكر الاستنشاق؛ لأنَّ الاستنثار مستلزم للاستنشاق؛ لأنَّه إخراج الماء من الأنف، كذا قاله الكرماني، واعترضه في «عمدة القاري» : (بأن هذا لا يتأتَّى على قول من يقول: الاستنثار والاستنشاق واحد، وعلى هذا القول؛ يكون هذا من باب الاكتفاء أو الاعتماد على الرواية الأخرى) انتهى، لا كما قاله العجلوني من: (أنه يكون الاستنشاق مذكورًا بلفظ الاستنثار)؛ فافهم، (ثلاث مرات) وفي رواية: (ثلاث مرار)؛ بتكرار الرَّاء (من غرفة واحدة) حال من الضمير في (مضمض)، والمعنى: مضمض ثلاث مرات واستنشق ثلاث مرات حال كونه مغترفًا بغرفة واحدة، أو صفة لـ (ثلاث)، أو حال منها، والأول أظهر.

قال في «عمدة القاري» : (يكون الجميع بثلاث غرفات، والتركيب لا يزيد على هذه، أو يصرح بغرفة واحدة، نعم؛ جاء في حديث عبد الله بن زيد: «بثلاث غرفات»، وفي رواية «أبي داود» و «مسلم» : «فمضمض واستنشق من كف واحدة يفعل ذلك ثلاثًا»؛ يعني: يفعل المضمضة والاستنشاق كل مرة منهما بغرفة، فتكون المضامض الثلاث بثلاث غرفات) انتهى، قلت: وهذا أولى لموافقته الروايات، وقد خبط هنا ابن حجر خبط عشواء، وركب متن عمياء؛ لعدم الفهم والاطلاع؛ فليحفظ.

(ثم أدخل يده)؛ بالإفراد؛ أي: في التَّوْر، (فاغترف بها)؛ أي: ثلاثًا، وفي رواية: (ثم أدخل يديه -بالتثنية- فاغترف بهما)، (فغسل وجهه ثلاث مرات)، وفي رواية: (ثلاث مرار)؛ بتكرار الرَّاء، قال في «عمدة القاري» : (ولفظ «ثلاث» متعلق بالفعلين؛ أي: اغترف ثلاثًا، فغسل ثلاثًا، وهو على سبيل تنازع العاملين؛ لأنَّ الغسل ثلاثًا لا يمكن باغتراف واحد) انتهى (ثم غسل يديه) بالتثنية (إلى المِرفقين) بكسر الميم (مرتين مرتين)؛ أي: غسل كل يد مرتين، وهذا محمول على بيان الجواز، وإلا؛ فالأفضل التثليث فيهما؛ للروايات السابقة؛ فافهم، (ثم أخذ بيده)؛ بالإفراد، وفي رواية: (بيديه) بالتثنية (ماء) لفناء البلَّة (فمسح به) أي: بالماء (رأسه، فأدبر) وللأصيلي: بالواو (بيديه)؛ بالتثنية، وفي رواية: (فأدبر به) (وأقبل)؛ أي: بهما، فاحتج به الحسن ابن حي، ومن تبعه على أن البدء بمؤخر الرأس، وأجيب: بأنَّ الواو لا تدل على الترتيب، وقد سبق في الرواية تقديم الإقبال حيث قال: (فأقبل بيده وأدبر بها)، وإنَّما اختلف فعله عليه السلام في التأخير والتقديم؛ لبيان الجواز، وليري أمته المشقة والتيسير في ذلك، أفاده في «عمدة القاري».

(ثم غسل رجليه)؛ أي: إلى الكعبين، وللأصيلي: (رجله)؛ بالإفراد؛ لأنَّ المراد بها الجنس، (فقال)؛ أي: عبد الله بن زيد، وللأصيلي: (وقال)؛ بالواو: (هكذا رأيت النبي) الأعظم (صلى الله عليه وسلم يتوضأ)، وهذه الزيادة صريحة في رفع الحديث إلى رسول الله عليه السلام مع دلالة سياق أول الحديث عليه.

اللهم إني أتوجه إليك بحبيبك محمد عليه السلام وآله وأصحابه أن تفرج عنَّا وعن المسلمين، وأن ترفع هذا البلاء عنهم يا أرحم الراحمين، إنك على كل شيء قدير.

[حديث: أن النبي دعا بإناء من ماء]

٢٠٠ - وبه قال: (حدَّثنا مسدد)؛ هو ابن مسرهد (قال: حدثنا حماد)؛ بالحاء المهملة، هو ابن زيد لا ابن سلمة؛ لأنَّ مسدد لم يسمع منه، (عن ثابت)؛ بالمثلثة؛ أي: البُناني -بضم الموحدة وبالنُّونين-، (عن أنس)؛ أي: ابن مالك رضي الله عنه: (أن النبي) الأعظم، وفي رواية: (رسول الله) (صلى الله عليه وسلم دعا بإناء من ماء)؛ لأجل أن يتوضأ، (فأُتي)؛ بضم الهمزة (بقَدَح)؛ بفتحتين (رَحْراح)؛ بفتح الرَّاء، وبالحاءين المهملتين أولاهما ساكنة، بينهما راء، بعدها ألف؛ أي: واسع، ويقال: رحرح أيضًا؛ بحذف الألف، وقال الخطابي: (الرحراح: الإناء الواسع الفم القريب القعر، ومثله لا يسع الماء الكثير، فهو أَدَلُّ على عِظَمِ المعجزة)، وروى ابن خزيمة هذا الحديث عن أحمد بن عبدة عن حماد بن زيد، فقال بدل (رحراح) : (زُجاج)؛ بزاي مضمومة وجيمين، وبوَّب عليه بباب (الوضوء من آنية الزجاج)، وفي «مسند أحمد» عن ابن عباس: أنَّ المقوقس أهدى للنبي الأعظم عليه السلام قدحًا من زجاج، لكن في إسناده مقال، كذا في «عمدة القاري»، قال ابن حجر: (وفيه إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أنَّ ذلك إسراف لإسراع الكسر إليه) انتهى، وصرَّح جماعة: بأنَّ أحمد بن عبدة صحَّفها، ويدل له أنَّه قال في روايته: (أحسبه)، وعلى ثبوتها؛ فلا منافاة بين الروايتين؛ لاحتمال أن َّالأولى ذكرت بوصف الهيئة والثاني بذكر الجنس؛ فتأمل، (فيه شيء من ماء)؛ أي: قليل من الماء؛ لأنَّ التنوين للتقليل و (من) للتبعيض، (فوضع)؛ أي: النبي الأعظم عليه السلام (أصابعه) الشريفة (فيه)؛ أي: في الماء داخل القدح، (قال أنس)؛ أي: ابن مالك: (فجعلت أنظر إلى الماء ينبع)؛ بتثليث الموحدة، واقتصر في «الفرع» على الضم؛ أي: يفور (من بين أصابعه)؛ أي: أصابع يده اليمنى عليه السلام، (قال أنس) رضي الله عنه: (فحزرت)؛ بتقديم الزاي على الرَّاء، من الحزر، وهو الخرص والتقدير؛ أي: قدَّرت (مَن)؛ بفتح الميم، موصولة، أو نكرة موصوفة في محل نصب على المفعولية (توضأ) راعى في (مَن) لفظها، فأعاد الضمير من (توضأ) عليها مفردًا مذكرًا (منه)؛ أي: من الماء الذي في القدح (ما)؛ بالنصب على الحال، أو مفعول ثان لـ (حزرت)؛ لأنَّه بمعنى: قدرت أو ظننته، أو بدل، والأول أظهر؛ لاحتياج غيره إلى التقدير، وعدمه أولى؛ فليحفظ، (بين السبعين إلى الثمانين) صلة (ما) أو صفتها، وتقدم أنَّهم كانوا ثمانين وزيادة، وسيأتي في (علامات النبوة) : (أنهم زهاء ثلاث مئة)، وفي بعض الروايات: (أنهم كانوا خمس عشرة مئة)، وأجاب الكرماني: (بأنَّها قضايا متعددة في مواطن مختلفة وأحوال متغايرة) انتهى، وزعم ابن حجر عن قضية أنس فقط بأنها تنيف على السبعين، ويشك هل بلغت العقد الثامن أو جاوزته؟ انتهى، ولا يخفى أنَّ جواب الكرماني أحسن وأوجه؛ فليحفظ، وقد رمرم العجلوني عبارة ابن حجر مما فيه تحريف، واستوجه جوابه تعصبًا؛ فافهم.

وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة ومعجزة عظيمة من معجزات النبي الأعظم عليه السلام، وهو أبلغ من تفجير الماء من الحجر لموسى عليه السلام؛ لأنَّ في طبع الحجارة أن يخرج منها الماء الغدق الكثير، وليس ذلك في طباع أعضاء بني آدم، وما أحسن ما قيل:

إن كان موسى قد استسقى لهم حجرًا... فالفخر بالكف ليس الفخر بالحجر

وقال الكرماني: (ووجه المطابقة في الحديث للترجمة أن التور كما قاله الجوهري: «الإناء الذي يُشْرَبُ منه»، وهو صادق على القدح الرحراح) انتهى، وقول العجلوني: (والقدح الرحراح شبيه بالطست، وبه تظهر المناسبة للترجمة)؛ فبعيد، كما لا يخفى.

وقال ابن حجر: (واستدل الشافعي بهذا الحديث على ردِّ من قال من أصحاب الرأي: إنَّ الوضوء مقدر بقدر معين من الماء؛ لأنَّ الصحابة اغترفوا من القدح من غير تقدير؛ لأنَّ الماء النابع لم يكن قدره معلومًا لهم، فدل على عدم التقدير) انتهى.

قلت: وهو استدلال فاسد؛ لأنَّ الماء الذي يتوضأ معيَّنٌ بنص الشارع ومقدَّر، وكذا الغسل، وقوله: (لأن الصحابة...) إلخ؛ فيه نظر؛ لأنَّه هل يظهر فرق بين الاغتراف من هذا القدح ومن غيره من الحياض والبرك؟ وقوله: (لأن النابع...) إلخ؛ أي: لأجل إظهار المعجزة، ولا يدل هذا على عدم التقدير بدليل أنَّهم لما فرغوا من الوضوء؛ لم يبق في القدح إلا الماء الذي كان قبل وضع أصابعه عليه السلام، فالتقدير في الماءللوضوء والغسل مقدَّر معيَّن بنصِّ الشارع، ولهذا المعنى عقَّب المؤلف هذا الحديث بقوله:

(٤٧) [باب الوضوء بالمُد]

هذا (باب: الوضوء بالمُدِّ)؛ بضم الميم وتشديد الدَّال، واختلفوا فيه؛ فقال الإمام الأعظم:

<<  <   >  >>